توطئة:
تعتبر المهنة من المهارات والأنشطة التي تحقق متطلبات الحياة للإنسان، وتساعده على استمراره، وتسهم في توسيع نطاق استفادته من الموارد المتاحة، فضلا عن أنها تحدد له موقعه ضمن التدرج الاجتماعي للمجتمع
شكّل التحليل الاجتماعي للمهن على المدى الطويل مجالًا للبحث عن رؤية أفضل في فرنسا في العالم الأنجلوسكسوني. في إطار مبادرة الجمعية الفرنسية لعلم الاجتماع ، انعقدت ندوة في 7 و8 أكتوبر 1999، والتي اقترحت إجراء قياس لتطورات البحث ومكتسبات المعرفة. الهدف هو رباعي: تقديم نقد لجوانب مختلفة من النظريات التي تغذي تطوير هذا المجال من البحث؛ تقييم قوة الأداة التي تشكل التسمية الفرنسية للمهن والفئات الاجتماعية المهنية التي تم الكشف عنها من قبل المعهد الوطني للإحصاءات في عام 1982 وتميز التطورات في تحديد وتسمية المهن التي تستدعي التعديل الدوري للتصنيفات؛ مواجهة التحليلات المختلفة لقضايا الاستفسارات المتعلقة بالمجموعات المهنية؛ لمعرفة التحديات التي يتعين عليك القيام بها من أجل تحليل سوسيولوجية المهن التي تواجه تحولات العمل وتنظيمه وأسواقه. هذه هي المساهمات الصادرة عن تلك الندوات التي تظهر في المجلد الحالي.
علم اجتماع «المهن» 1 على مدار التاريخ، في الدول المتحدة، منذ سنوات 1930، والتطورات السريعة والمناقشات النظرية المكثفة، التي نشأت من خلال التوافق بين المقاربات الوظيفية والتفاعلية لـ «المهن»، من خلال النظريات التي تثريك نقد هذه التيارات 2 ، ومن خلال التصورات الأحدث للتكامل بين المقاربات الاجتماعية والاقتصادية.
إن نقل المفهوم الأنجلوسكسوني لـ "المهنة" إلى البلدان التي، مثل فرنسا، لا يعرف التمييز المعادل للخلية المنفصلة، في المعجم الأنجلوسكسوني والمهن والمهن ، ودائمًا ما يكون مشكلة. إن الحالة الدلالية التي تثيرها ترجمة هذه المفاهيم هي مؤشر ملموس فوري لعمق الاختلافات الوطنية في منظمة العمل وفي الجزء الذي ينبع من الشركات والدولة والمجموعات المهنية والهياكل النقابية، الشركات والجمعيات.
ما هو المحتوى الذي يتم إصلاحه بهذا التمييز؟ تشكل "المهن" شريحة خاصة، على قمة التسلسل الهرمي للمهن، ونخبة من العمال ذوي الكفاءات العالية، وقوة استقلالية لممارسة نشاطهم، أو مستقلين أو داخل منظمة. يلجأون إلى مجموعة من القواعد وآليات التحكم لضمان المحتوى وقيمة الكفاءات التي يتم تحقيقها، ونقلهم، وأسلوبهم الاقتصادي، ومكانتهم الاجتماعية، ودقة أخلاق عملهم. إنهم محميون أيضًا باحتكار الخبرة الذي لا يسود، واستقلالية المجموعات المهنية التي تتكون منها. تقول المهن الحرة أن تعريف القانون الفرنسي يشكل، بحكم الواقع، مجموعة من عالم "المهن"، نتيجة لشروط التنظيم وممارسة الممارسة وحماية احتكار المسمى الوظيفي، أصبحت أكثر رسمية. بالإضافة إلى وضع المستقل، الذي في المهن التي تتمتع بخبرة كبيرة، والتي قد لا تحل محل الاستيعاب في الممارسة المهنية الحرة، لا يشكل شرطًا كافيًا: أغلبية من المستقلين، مثل المزارعين والتجار والحرفيين وغيرهم مديرو الشركات الذين لا يتقاضون رواتب، هم أعضاء في مجموعة المهن الحرة. لا يشكل قانون المستقل شرطًا إضافيًا ضروريًا للمهن المنتظمة ويتطلب الأمر غرس راتب في نفسه، بعد فترة طويلة (الأطباء المستشفيات) أو أكثر (المحامون).
تكتسب المهنة، في مفردات العمل والمنظمة الاجتماعية، أربع قيم مكملة: أنها تشكل وحدة أساسية من التخصص في المهن؛ يجب أن يتم فهمها كوظيفة متميزة في بنية منظمة - مؤسسة، مكتب، إدارة؛ تم إدراجه في مجموعة مصنفة تصنف مجموعة أنشطة العمل؛ إنها علامة هوية تُحدد بدقة وتعاطف، حول موقع الفرد في عالم الأنشطة، وتُعلن على أنها سمة مكونة للهوية الاجتماعية (Dubar et Tripier 1998).
هذا هو الحال بالنسبة للموقف التقليدي المتمثل في أن المهنة هي مجال جيد للتحليل الاجتماعي. يتم تنفيذ المهمة عبر رحلة بحثية وتنظيرية رباعية الأبعاد: تحليل اجتماعي ميكروسيولوجي للنشاط الإنتاجي الفردي الذي يخبرنا أنه مغلف في ملف تعريف محدد ؛ تحليل هيكلي أو تفاعلي للعلاقات التي تهم أعضاء مجموعة مهنية مع أزواجهم ومعهم المتزامنين، في المهنة وفي المهن الصوتية؛ تحليل اجتماعي واقتصادي لخصائص العمل، يتضمن مجموعة من المحتوى الوظيفي، وإصدار تجزئة متخصصة للمهارات والخبرات اللازمة لتحقيقها، ونظام للتغطية الإضافية في اتفاقيات تصنيف مرجع مصنف، وما إلى ذلك; تحليل مؤسسي ومنهجي لمساهمة تنظيم علاقات العمل في هيكلة المجتمع الاجتماعي بأكمله.
إذا كان دراسة المهن ينشئ مجالًا لأبحاث محددة، وليس منطقة خالية من تطبيقات أدوات علم اجتماع العمل، فمن الجيد أن يكون هناك سؤال زائد وآخر يختار شبكة تحديد وتصنيف المهام المطلوبة حسب المكان أو المكان في التقسيم الاجتماعي للعمل.
إنها مسألة اتفاق بين الفاعلين المنخرطين في اكتشاف القيمة الاقتصادية والجائزة الاجتماعية لكفاءاتهم. إنها مسألة احتكار أنشطة العمل وامتيازات الخدمات التي تعتبر كذبًا أكثر أو أقل حصريًا للمهنة أو الحرفة. سؤال جديد عن ديناميكيات الاحتراف أو إلغاء الاحتراف، مما يشير إلى الاتفاق الذي يتم تنظيمه لدعم المقاضاة على الحقوق الخاصة بممارسة مهنة، أو لتمييز الهويات المهنية، وكل الجهاز الإداري القضائي الذي يعمل على تحقيق الاستقرار والرسم الرسمي الوجود، على إيقاع التخصصات التقنية، والاقتصادية، و/أو الاجتماعية المبتكرة.
في مجموعة الأسئلة التي يمكن الوصول إليها عبر موضوعات المهن، تتضمن أيضًا التعبير بين الوجهة الفردية ووجهة العمل الجماعية. أدخل في اللعبة آليات الرقابة المؤسسية التي يمكن أن تحدد شروط الوصول إلى مهنة ما، والقواعد الأخلاقية التي تفرض على كل شخص، وأشكال المسؤولية الجماعية والتضامن فيما يتعلق بسلوك أعضاء المجموعة، والطرائق وما إلى ذلك. حدود الاتفاق بين الأفراد داخل المهنة. وبنفس المعنى، فإن أجهزة التفاوض الجماعية التقليدية التي تنطبق على حدود كل مؤسسة، لتوضيح ما هو الوضع في مساحة الأنشطة التي تتطلبها منظمة ما، والذي هو مبدأ الاختزال وفقًا لعلم المعايير من المؤهلات أو الكفاءات، قم بالتعليق على الشروط الجماعية لتحديد القيمة أو إعادة تقييم القيمة الاقتصادية النسبية، في بنية التوظيف وفي التسلسل الهرمي لجودة العمل.
يتعلق الأمر بالهويات الاجتماعية: هوية الفرد في العمل، وهوية النشاط كمصدر للهيبة، والإيرادات النقدية وغير النقدية، وتدفق الإكراميات أو الاختلالات والضعفاء، وهوية المجموعة من كل نشاط يعتمد عليه com.conferencenellement.
يؤدي التحليل الاجتماعي للمهن إلى زيادة الأبحاث المكرسة لسلوك الأفراد والمجموعات في أسواق العمل. حتى لو كانت عظمة "العمل" يمكن تحليلها من خلال مستويات مختلفة، مثل الكميات والنوعية، كما يتم تحليلها أيضًا في جزء من الميزات الأساسية دون أن يوفر التصنيف مقياسًا أساسيًا لتقييم الأعمال المنتجات والمهن غير محددة وحدودها وجهة نظر تصنيفية. جزء من كل مهنة يتوافق مع مجموعة من المهارات التي تظهر بدقة لمجموعة من اللمسات للإنجاز ؛ ومن ناحية أخرى، فإن أعضاء المهنة هم عناصر إحصائية قابلة للاستبدال لمجموعة تمارس فئة معينة من الأنشطة.
يعتمد النهج المتبع في المهن على عكس التحليل الآخر على علم الاجتماع الكلي للمؤسسات والهياكل الاجتماعية. في هذه المرحلة الأخيرة، فإن مهنة اللعب، مع سمات التقسيم الاجتماعي والديموغرافي الأخرى، هي دور المتغير المستقل في التحليلات المركزية حول العلاقات بين التكوين، والأنشطة المدفوعة الأجر في العمل، والسفر والأنشطة خارج العمل التي تكافئ الأفراد والأشخاص ménages. متغيرات التصنيف، التي توفر التخرج على مستوى الموارد والقيود التي تنظم سلوك الوكلاء، والتي توجه فرص التنقل بين الأجيال. ستكتب أيضًا معلومات أساسية حول المسار والقيمة الاجتماعية للفرد، مما يسمح بالوضع في مساحة طبقية اجتماعية، بعد تنسيق موقعه وصعوده. وتشكل المهنة المتغير الرئيسي للبحث حول تحولات البنية الاجتماعية التي نشأت عن زيادة الحركة وجمود المسارات والمقارنات بين الأجيال.
أولا-تعريف المهنة والحرفة والفرق بينهما:
يشير مفهوم المهنة Profession من ناحية اللغة إلى الخِدْمة، مَهَنَهُمْ: خَدَمَهم، والمِهْنَةُ هي: الحذاقة في العمل ونحوه وهي العمل، والعمل يحتاج إلى خبرة ومهارة، وأصل المِهنة العمل باليد؛ واصطلاحا˝ هي مجموعة من الأعمال تتطلب مهارات معينة يؤديها الفرد من خلال ممارسات تدريبيه؛ وقد يتسع مدلول الكلمة ليشمل أوجه النشاط الإنساني، وقد يضيق ليدل على من يقوم بعمل يدوي ويحتاج إلى مهارة يدوية .(1)
وعرفها أليوت بأنها ظاهرة اجتماعية يمكن ملاحظتها ووصفها وتحليل عناصرها
وتبين العوامل المختلفة التي تؤثر فيها وتعمل على نموها أو ذبولها، ويرى بأنها
عمل يحتاج إلى مهارة وقواعد خاصة به .(2)
وهي أيضا وظيفة مبنية على أساس من العلم والخبرة، اختيرت اختيا ا˝ر مناسبا˝
حسب مجال العمل الخاص بها، وهي تتطلب مهارات وتخصصات معينة ويحكمها قوانين وآداب لتنظيم العمل به .(3)
1 - قسطاس عبد الستار حميد، أرباب المهن والحرف في المجتمع الأندلسي خلال عصري
الإمارة والخلافة ١٣٨-٤٢٢)هـ٧٥٥-١٠٣٠/م ملحق خاص بالعدد )السابع عشر( كانون
الأول،2014، ص .322-320
2 - عبد الجواد نور الدين ومصطفى متولي، مهنة التعليم في دول الخليج العربي، مكتبة التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1993، ص .28
3 - محمد حمزة عبد الحسين الجؤذري، عدنان كريم كهار الجبوري، د ارسة في الواقع المهني والحرفي لسكان منطقة هور ابن نجم، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة بابل، المجلد 22، العدد 2، 2014، ص3
وقد قدم الكتاب عدة تعريفات للمهنة شملت العديد من وجوهها وشروطها ومكانتها في المجتمع، من السهل استخلاص العناصر التي تؤكد عليها هذه التعريفات:
- وهي الناحية السوسيولوجية: "نمط من العلاقات الإنسانية تتفاعل مع خبرات
نوعية متخصصة من العمل ."(4)
- وهي مجموعة النشاطات والواجبات التي يمارسها الفرد ويقدمها للمجتمع بأجر
أو مرتب معين؛ وهو يتقاضى مرت˝با حسب المهنة، يحظى بقدر من الاحترام والتقدير
والهيبة الاجتماعية التي تح˘دد مكانته وطبقته الاجتماعية؛ فما يم˘يز المهنة هنا أنها
تحتاج إلى تدريب طويل الأمد ودراسة عملية سواء في المدارس المهنية )حتى الجامعات( أو علي يد أحد المهنيين المحترفين في مجال مهني معين .(5)
وهي أولا، تمتلك معرفة متخصصة مما يؤدي إلى تحديد دقيق ومستقل لقواعد النشاط؛ ثم أنها تتطلب تكوينا فكريا عالي المستوى )في الغالب جامعي(، مما يعني
وجود مدارس أو كليات معترف بها حسب من قبل الدولة والجمهور؛ وأخيرا، تقدم
المهنة خدمة مثالية مما يستدعي وضع مدونة لأخلاقيات المهنة، والمراقبة من طرف النظراء .(6)
4 - سيد عبد الحميد مرسي، سيكولوجية المهن، دار النهضة العربية، مصر، 1963، ص.12 5 عبد القادر القصير، الطبقة والبناء الطبقي في الريف والحضر مثال :المجتمع المغربي، دار النهضة العربية، بيروت، 1997، ص.35-33
6 - Bourdoncle، R. (1993). La professionnalisation des enseignants: les limites d’un
mythe. Revue Française de Pédagogie, in: Stéphane Martineau, Les professions: brève présentation pour se faire une idée, http://www.cnipe.ca/IMG/pdf/Martineau-2011-Les- professions-bre_ve---.pdf.
- وهي الجهد المبذول فكريا أﻭ بدنيا لتحقيﻖ منفعة دنيوية مشروعة (7)، ولكنها تختلف عن الوظيفة والحرفة فالوظيفة تقتصر على الإعمال الإدارية أو المكتبية، أما الحرفة فتكتسب من خلال الممارسة البسيطة ولا تحتاج إلى وقت طويل لتعليمها .(8)
إذن المهنة هي عمل يشغله الإنسان لمصلحته أو لدى اآخخرين، وهي تحتاج
إلى دراسة نظرية وتدريب فني طويل سواء في مدارس الخبرة أي الورش الصغيرة أو في المدارس الثانوية الصناعية أو في مدارس التدريب المهني في نظام التلمذة الصناعية، أو في الجامعة مثل مهنة الطب، وهي تمنح مكانة اجتماعية حيث تميز
أنشطة الفرد داخل النسق الاجتماعي؛ وهي أيضا نشاط نوعي يرتبط بسوق العمل
بهدف إشباع الحاجات الأساسية للفرد، وتحديد وضعه الاجتماعي .(9)
أما كلمة الحرفة Métierفهي تشير إلى الصناعة أو الصنعة التي يتكسب منها الإنسان سواء في مجال الزراعة أو الصناعة أو التجارة، ويطلق مفهوم الحرفة اليوم
"على العمل الذي يؤديه الإنسان ليحقق به دخلا˝، أو على المهنة التي يزاولها ليكسب منها عيشه، أو ليرضي بها ميله وهوايته أو لينف˘ذ أوامر ألزمته بهذا النشاط الإنساني أو ذاك.(3)"
وكثيرا ما يتم التمييز بين المهنة والحرفة في اللغة الأجنبية بإسناد العمل اليدوي
والتقني لهذه الأخيرة أي الحرفة، حيث يشار إلى أنها تتوفر على مجموعة من
المعارف المدمجة incorporés Savoirs، وهي عبارة عن مهارات تتحقق بفضل
التجربة والتدريب. هذا ويلاحظ بأن النشاط الفكري يلحق بالمهنة؛ فهي نشاط يتحقق بالمعرفة العالمة، خاصة بالنسبة للمهن الراقية أو العليا مثل الطب والمحاماة.10...
7 - محمد شرعي أبو زيد، أخلاقيات المهنة، جامعة الطائف كلية اآخداب، 2003، ص.7 8 عبد الجواد نور الدين ومصطفى متولي، نفس المرجع، تفس الصفحة.
9 - زيدان عبد الباقي، علم الاجتماع المهني، دار الفكر العربي، مصر، 1976، ص.37
10 - Enseignant : un «métier» ou une «profession» ? http://eduveille.hypotheses.org/267
فهي نشاط وقد تناول علماء الاجتماع هذه القضية على نطاق واسع، وأكدوا
على أهمية المهنة التي تعتبر حرفة اجتماعية منظمة ومعترف بها، فهي كما عرفها
أحد رواد مدرسة شيكاغو عالم الاجتماع أفريت هيوز Hughes Everett (1897-
1983) "المجال الذي يُمارس فيه الفرد نشاطا متخصصا داخل النسق الاجتماعي
العام، فالمهنة لا تقتصر على الأنشطة المتخصصة التي يؤديها الفرد بل تميز أنشطة الفرد داخل البناء الاجتماعي."11
2 -أنواع المهن:
اهتم الكثير من العلماء بتصنيف المهن واستعراض أنواعها على نحو ما نجد
عند عاطف غيث في قاموس علم الاجتماع:12
فهناك مهن أوليةprimary occupations مثل إنتاج مواد خام أو استخدامها،
وهي تشتمل أعمال الزراعية مثلا، والصيد والقنص، وقطع الأخشاب، والتعدين.
إلى جانب ذلك هنام المهن الثانوية secondary occupation وهي متصلة
بإنتاج سلع من صنع الإنسان، مثل تصنيع المواد الخام، وصناعة النسيج، وتصنيع المواد الغذائية، والصناعات الحرفية؛
وهناك مهنة ثالثية أو خدماتية tertiary occupation، التي توفر الخدمات
مثل الأعمال الحكومية، والإدارية، والمواصلات والاتصال؛
والى جانب ذلك هناك يمكن أيضا أن نتحدث في الوقت الراهن عن المهن
الفنية العليا: وهي المهن التي تحتاج إلى معرفة متخصصة ومهارة خاصة يمكن
اكتسابها عن طريق الدراسة النظرية والممارسة التطبيقية في نفس الوقت، وغالبا ما تم هذه الدراسات داخل المعاهد مختصة أو جامعات.
11 Everett Hughes, The sociologically, a lidding Atherton , bub Chicago, 1971, p183 in http://elibrary.mediu.edu.my/books/2014/MEDIU5463.pdf
12 محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1979، ص.308
ثانيا-المهنة من منظور علم الاجتماع:
تنظر السوسيولوجية للمهن باعتبارها غير متجانسة ليس من حيث ما تتطلب
من إعداد معرفي وتكوين ومهارات تتراكم تاريخيا، ولكن من حيث قيمتها الاجتماعية والاقتصادية أيضا والمكانة الاجتماعية لمن يمتهنها.
ومن الناحية التاريخية اختلفت نظرة السكان للمهن وللمشتغلين بها، من عصر
إلى آخر، وأحيانا من حقبة إلى أخرى، وما يترتب عن ذلك من امتيازات، بل قد
تكون النظرة سلبية تماما لأصحاب الحرف والمهن فمنذ حقب ماضية كان المجتمع
البدوي العربي كما يقول علي الوردي يحتقر المهن ك ˘ل الاحتقار، "فهم يحتقرون
الحائك والحداد والصانع والصيقل والدباغ ولحلاق، وكل من يكسب رزقه بيمينه
وعرقه، إنهم يع˘دون ذلك دليلا على الجبن والضعف؛ فالقوي الشجاع في نظرهم يجب أن يكسب رزقه بخ˘د سيفه وقوة ذراعه" .(13)
ولا يقتصر احتقارهم للمهن اليدوية أو الحرف فقط فهم "قد يحتقرون المهن
الفكرية أيضا "فالمعلم عندهم محتقر، وكذلك الكاتب والمنجم والمغني والعازف
والطبيب" ثم ينقل الوردي عن حافظ وهبه فيقول: "إن البدو إذا أرادوا تحقير إنسان
وسب˘ه بكلمة تكون مجمع السباب قالوا له: "يا ابن الصانع" .(14)
وبغض النظر عن هذه النظرة للمهنة أو الحرفة التي عرفتها بعض المناطق
فيجدر التسجيل بأنها تتميز بتجسيدها لجملة من الأبعاد والخصائص الإنسانية
والمجتمعية، التي ساعدت على تطور الإنسان والمجتمع اقتصاديا وفنيا وثقافيا، وهي
تسهم أيضا على تحسين تحكم الإنسان وتسخيره لمحيطه الاجتماعي والطبيعي بما
ييسر له سبل العيش.
-13 علي الوردي، د ارسة في طبيعة المجتمع الع ارقي، المكتبة الحيدرية، بدون تاريخ، ص.54 14 نفس المرجع، نفس الصفحة.
وقد اعتبر تايلور أن المهنة نشاط يرتبط بسوق العمل، ويشبع حاجات الفرد
الأساسية، وهي تح˘دد الوضع الاجتماعي للفرد.(15)"
وبناء على ذلك فالمهنة هي التي تقرر درجات الاحترام والتقدير والنفوذ الذي
يحصل عليه أصحابها، وبعض المهن تمنح من يزاولها شيئا من القوة والنفوذ، مما
يعني ربط المهنة بالقوة الاجتماعية، وأحيانا بالطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها
الأفراد، وقد أصبح النفوذ الاجتماعي يتح˘دد في المجتمع المعاصر بطبيعة المهنة
والأعمال التي يزاولها، وقد يؤثر ذلك على اتجاهات الناس نحو مهن معينة، ويؤثر ذلك أيضا على اختيارات الأولياء ورغبات الطلاب؛ فيلاحظ في أن هناك ميلا شديدا في المجتمع الخليجي إلى تفضيل العمل الحكومي والإدارة تحديدا، وذلك لما لها من
مكانة مميزة ونفوذ؛ فالحاجات الأساسية المادية مشبعة نسبيا، وبالتالي تبقى الحاجة فقط إلى النفوذ والسلطة لاستكمال توفر الثروة والسلطة.(16)
وللمهنة أهمية سوسيولوجية أيضا كما يبين علماء الاجتماع مثل أنتوني غيدنز
Giddenz A. الذي كشف عند تناوله للطبقة والتراتب الاجتماعي عن أهميتها في
تبوء الفرد مكانة اجتماعية، وتحديدها لوضعيته ضمن التدرج الاجتماعي كما أوضح
ماكس فيبر Weber Max على وجه الخصوص، الذي تعتبر تحليلاته إضافات
لمساهمات كارل ماركس في هذا الشأن، فالذين "يشتغلون المناصب الإدارية أو المهن˘ية يحققون كسبا أكبر ويتمتعون بشروط تفضيلية في العمل على سبيل المثال أكثر من العمال المهنيين. وما يتوفرون عليه من مؤهلات مثل الشهادات العلمية
15 - كمال عبد الحميد الزيات، العمل وعلم الاجتماع المهني: الأسس النظرية والمنهجية، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، جامعة القاهرة، 2002، ص.144-143
-16 فراس عباس فاضل البياتي، علم الاجتماع دراسة تحليلية للنشأة والتطور،2012، ص95-94
والمهارات التي اكتسبوها تجعلهم أسهل تسويقا ممن لا يتمتعون بمثل هذه المؤهلات".
(17)
ولذلك تعتبر المهنة حسب غيدنز "واحدة من مؤشرات الطبقة الاجتماعية،
ويميل الأفراد الذين يشغلون مهنا معينا واحدة إلى تحقيقهم درجات متشابهة من النفع
الاجتماعي أو حصولهم على فرص متماثلة في الحياة والى افتقارهم أو حرمانهم
منها، وقد درج علماء الاجتماع على استخدام المخططات المهنية الطبقية لرسم
الملامح العامة لخريطة البنية الطبقية للمجتمع، ويُستفاد من هذه المخططات في تلمُس معالم اللامساواة وأنماطها، غير أنا قد تكون عديمة النفع في مجالات أخرى
.(18)
هذا، وقد اجتهد العلماء للتمييز بين علم اجتماع العمل وعلم اجتماع المهن
وفروع علم اجتماع القريبة منه مقل علم اجتماع الحرفة:
فعلم اجتماع العمل يدرس "طبيعة الشغل والخبرة التي يعايشها الفرد، وهو يتناول الأفعال (gestes) والروتين والعلاقات والمسؤولية المرتبطة بكل منصب عمل." Sociology وبالإنجليزية Sociologie des métiers الحرف اجتماع علم أما occupation of فيهتم بالحرفة "باعتبارها تشكل كلا، وهو يدرس علاقاتها بأنواع الشغل الأخرى؛ ويتناولها أيضا من حيث مسارها، والجمعيات المهنية التي تميزها، وثقافتها الخاصة."
أما علم اجتماع المهن " فيدرس الظاهرة بنفس طريقة الحرف، غير أنه يؤكد على الرهان الاجتماعي المعقود عليها أو على مساهمتها الاجتماعية، وكذا الأعمال
-17 أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصيّاغ، ط4، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص .349
-18 أنتوني غدنز، المرجع السابق ص 369-368
العديدة التي تمثلها، ويتناول كيف أسهمت في الدفع بظهور ميدان مستقل من الدراسة، وهو علم اجتماع المهن.(19)". وتعود لإسهامات الأول لهذا الفرع إلى أعمال إيميل د وركايم وماكس فيبر Weber وتالكوت بارسونز Parsons، وهم يعنون بالمهن المهن الحرة التي شهدت تطورا هائلا في المجتمعات الصناعية؛ ويعتبر البعض أن دوركايم هو أول من نحدث عن ذلك عندما تكلم عن دور المجموعات المهنية التي تلعب دور المنظم للحياة الاجتماعية والاقتصادية .(20) وبالفعل هو أول من قد تحليلا نظريا من وجهة نظر وظيفية أصر فيها على دور هذه المجموعات في تعزيز التماسك الاجتماعي، والحفاظ على دينامية الرابط الاجتماعي أثناء عملية التطور من التضامن اآخلي إلى التضامن العضوي .(21) فقد اقترح إنشاء وتشجيع الجمعيات المهنية لتقوم في إعادة الانسجام
الاجتماعي الذي يهتز بسبب التقسيم الاجتماعي للعمل وتعقد النظم الاجتماعية، بحيث تشكل "هيئات وسيطة intermédiaires Corps معترف بها بين الأسرة والمجتمع تسعى لضمان التكامل والتنظيم الاجتماعيين.
ومن شأن أي جمعية من هذه الجمعيات التي تحركها روح الخدمة العامة أن تعطي لنفسها مدونة أخلاقية خاصة بها، مما يسمح بتطوير التماسك الداخلي لأعضائها الذين يخضعون لانضباط مشترك. وبهذه الطريقة تفشل الأنانية الفردية
الغريبة التي تظهر في المجتمعات الصناعية، ويصبح دور هذه الجمعيات حسب عالم الاجتماع الفرنسي إعادة التضامن المفقود بسبب الاضطرابات التي شهدتها عملية التصنيع في أوروبا.(22)"
19 - Bourdoncle, 1991, op, cit, p. 77-78.
20- Claude Dubar, Sociologie des groupes professionnels en France : un bilan prospectif, http://books.openedition.org/editionsmsh/5723.
21 - http://les-cours-d-aes.e-monsite.com/pages/semestre-4/sociologie-des-professions.html
22 - Martineau ; op, cit.
من جانبه أكد فيبر على الدور الهام الذي تؤديه المهن أيضا في المجتمع الغربي الحديث؛ حيث أن عملية التمهين professionnalisation (23)، تشير إلى الانتقال من نظام اجتماعي تقليدي إلى نظام يمنح فيه الفرد مكانته وفقا لاختصاصاته، وليس بسبب اعتبارات أخرى مثل الحق الإلهي أو غير ذلك من الامتيازات. أما تالكوت بارسونز فقد ع ˘مق تحليلات العالمين السابقين، ضمن المنظور الوظيفي الذي تبناه، وقد بلور ما اعتبره الخصائص التي تميز المهن مقارنة بعالم الإدارة وعالم الأعمال:24
-المهني يقدم خدمات شخصية لزبونه )فهو يختلف عن رجل الأعمال الذي يبيع
المنتجات أو الخدمات إلى المستهلكين في سعيه لتحقيق مصلحته الشخصية(وكلاهما يتحلى بالرشد: شرعية علمية وعمومية.
- تستند السلطة المهنية إلى الكفاءة في مجال محدد وخاص "الخصوصية (spécificité fonctionnelle)"وظيفية
- الحيادية العاطفية affective Neutralité في مواجهة العاطفية :affectivité
العلاقات الأسرية والعلاقات السياسية الدينية(
- موجهة نحو الجماعيةcollectivité La : وليست موجهة نحو الربح، أو قواعد
مجهولة، ولكن من أجل إرضاء العملاء من خلال تبنيها أو تأكيدها على جملة من القيم مثل تقدم لعلم، والتطوير التقني، وتطبيق العلوم لتحقيق احتياجات الانسان.
-23 يرجع الفضل إلى السوسيولوجية الأمريكية في ابتكار هذه الكلمة خاصة أعمال بارسونز، وكان يعني في بداية صياغته، العملية التي من خلالها يتحول النشاط إلى مهنة حرة ناضجة بفضل نموذج مثالي للخدمة، كما يشير إلى ذلك برادايز:
Paradeise (2003), see ; Richard Wittorski, la professionnalisation, Savoirs, 2008, 17, pp.11 - 38.
24 - http://les-cours-d-aes.e-monsite.com/pages/semestre-4/sociologie-des-professions.html
قبل الحديث عن المقاربات المختلفة يجدر بنا تقديم عرض تاريخي لتطور
الدراسات السوسيولوجية حول المهن كما لخصها مارتينو حيث يرى بأنها مرت بأربع مراحل أساسية 25)
-1بدأت المرحلة الأولى مع بداية القرن الماضي واستمرت إلى غاية الستينات، وقد أطلق على المرحلة التي اضفت طابعا مثاليا على المهن بالمرحلة الكلاسيكية،
وهي المرحلة التي شهدت محاولات لبلورة ما يمكن أن يميز المهن عن غيرها من
الأعمال أو الأشغال، وتعتبر الأطروحات الوظيفية خير مثال على هذه الفترة. -2أما الفترة الثانية فبدأت منذ الخمسينات، حيث سعت فيها التفاعلية إلى إسماع
صوتها؛ مع محاولات خفض الخطاب الذي غلبت عليه النزعة التبريرية الوظيفية نسبيا، وكانت أول المقاربات التي وضعت تحفظات على الدور المحوري الذي يجب أن يُمنح للمعرفة العلمية وروح الخدمة عند تحليل وفهم المهن.
-3أما مرحلة الستينات فتميزت بالنقد اللاذع للأطروحات الوظيفية، وازدهار
الأطروحات الصراعية، التي جعلت من مسألة السلطة أو القوة الرهان الأساس
للمهن؛ ولذلك يرى البعض أن هذه السوسيولوجية قد "وقعت في فخ أيديولوجي."
-4وأخيرا، ومنذ بداية العقد الموالي، انفتح علم اجتماع المهن على تساؤلات
جديدة؛ وشهد هذا الحقل تطورات، كما عرف احتجاجات ضده، خاصة على مقارباته. وقد ت˘م التركيز في هذه الانتقادات أساسا على عملية بناء موضوع لهذا الحقل
المعرفي: أي المهنة، ومذلك على مبررات وجوده؛ فبالنسبة للكثيرين "من علماء
الاجتماع فإن ن المهن سقطت في فخ أيديولوجي، بعد أن اتخذت لنفسها صورة من يسعى لجعل المهن المنتظمة في احتكارات مهنية عاملا لفرض موضوع خاص به،
وذلك بتركيزها على دعامتين أساسيتين وهما السيطرة الحصرية على معرفة خفية،
وأخلاقيات الخدمة المتفانية للآخرين .(26)
25 Ibid.
26 - Couture, D. (1988). Présentation. Enjeux actuels en sociologie des professions.
Sociologie et sociétés. vol. XX. no. 2. p.5 in Martineau
وقد أدى هذا العجز في بناء موضوعها إلى إظهار علم اجتماع المهن في
صورة أو على أنه عقلنة للأيديولوجية وللمنظمات المهنية، وعليه فهنا يبدو أن
الخطاب العالم يوفر نوعا من التفسير والشرعنة للامتيازات المهنية .(27)
وعلاوة على ذلك، فإن الدراسة الحصرية تقريبا للمهن تركت انطباعا بأنه يمكن أن تكون بمثابة نموذج لتحليل النشاطات المأجورة الأخرى؛ غير أن توسيع النموذج
خارج إطاره الضيق أدى بشكل مباشر إلى ظهور مشكلة، فإضفاء الطابع المهني
على أنشطة معينة واجه نزوعا اجتماعيا معمما للبقرطة، التي تعمل على كبح
الاستقلالية المثالية للخدمة، وهو أمر بعيد كل البعد عن تحقيق الاستقلالية وتحسين الخدمة.
لكن رغم هذه الانتقادات استمر علم الاجتماع المهن في التطور، وسعى لتنظيم خطابه، وبات موضوع المهن يحظى بالاهتمام بوصفه مشكلة سوسيولوجية وتاريخية؛ وليست المثال الذي ينبغي أن تبلغه كافة الأنشطة المدفوعة الأجر، فهي مجرد شكل من أشكال النشاط الأخرى ضمن سياق عام للتقسيم الاجتماعي للعمل.
وقد انصب الاهتمام على خصائصها الذاتية، بدل تناول العمليات التي تسمح
للنشاط باحتلال هذا المركز؛ ولذلك كثيرا ما يتم تفضيل المقاربات القائمة على
المقارنة: المقارنة بين مهنة في أوقات مختلفة من تاريخها؛ مقارنة نفس المهنة في اثنين أو أكثر من المجتمعات المختلفة. وظهرت أسئلة جديدة: ما هي التوترات التي
يمكن أن تعيشها هيئة مهنية؟ وكيف تتحول؟ ما هي آثار بقرطة المجتمع على المهن؟( وبشكل عام، فإن حقل علم الاجتماع المهن ليس متجانسا، فهو يعرف مقاربات ليست متنافسة فحسب، بل معادية لبعضها تماما؛ ولكن مع ذلك هناك اتفاق على
27- Paradeise, C. (1988). Les professions comme marchés du travail fermés. Sociologie et sociétés. Vol. XX. no. 2. p. 9-21. In ; Martineau.
الرغبة المحورية لتحليل العلاقة المعقدة والمتشابكة بين المعرفة المقننة والممارسة،
ويمكن أن نتناول بنوع من الإيجاز هذه المقاربات .(28)
المقاربة الوظيفية:
تنظر هذه المقاربة للمهن إلى المهن بوصفها وحدات أساسية في المجتمعات
المتقدمة، وتعتبر هي أولا وقبل كل شيء بحثا منظما وشرعيا للاعتراف بوضع تقوده مجموعة مهنية (29)، وتشير هذه العملية في أي مهنة إلى ''العملية التي من خلالها يمارس الأفراد عملا، ويحاولون بقدر المستطاع تحديد وتوسيع حدود ميدان نشاطهم، أي أعمالهم وزبائنهم.(30)''
ويتميز الموقف الوظيفي عن الاتجاهات الأخرى التي تناولت هذا الموضوع
حسب غود وويلنسكي 1964) Wilensky, 1957; Goode,باستناده إلى ركيزتين حيث:
"تشكل المهن من جهة مجموعات موحدة حول نفس القيم ونفس "أخلاقيات الخدمة"، ويتوفر الوضع المهني لهؤلاء من ناحية أخرى على "معرفة" علمية، بحيث ولا يقتصر الأمر فقط على الممارسة.(31)"
وتحاول المقاربة الوظيفية حسب بوردونكل Bourdoncle بناء المهن وذلك
بالانطلاق من طبيعتها وحجم أو أهمية مساهمتها الاجتماعية بحيث تبدو كأول
تجربة جادة لجعل المهنة كموضوع نظري جدير بهذا الاسم؛ إضافة إلى ذلك أوضح الباحثون إضافة إلى الوظيفة الاجتماعية التنظيمية للمهن، وما تؤديه من خدمات،
وب˘ينوا أيضا وظيفة التنشئة الاجتماعية socialisatrice Fonction التي تؤديها
لأعضائها .(32)
28- Martineau ; op, cit.
29 - Martineau, op.cit. p4.
30 -Laliberté، R. (1979). La professionnalisation des occupations. Une tendance à accentuer ou à renverser ? Critère. No. 25. P25, in : Martineau, op.cit.
31 - Dubar، C. (1991). La socialisation. Construction des identités sociales et professionnelles. Paris. Armand Colin, p140, in : Martineau, op.cit.
32- Bourdoncle، R. op, cit, p 88.
ويلاحظ أن هذه المقاربة قد كشفت بطريقة ما عن سلسلة من الخصائص، أو نموذج مثالي للمهن، يصل إلى صورته المكتملة ضمن المهن الحرة .(33)
المقاربة التفاعلية الرمزية:
ظهر هذا الاتجاه البديل للوظيفية التي هيمنت على علم اجتماع المهن منذ
1930 إلى غاية 1960، منذ سنوات 1950 بفضل إسهامات "ايفريت هوج" Everett
Hughes الذي دشن الحقبة الثانية لمدرسة شيكاغو، وقد اعتبر البعض أن ذلك قد
شكل ثورة سوسيولوحية .(34)
تبدو المهن في المقاربة التفاعلية الرمزية مثل "مجموعة مهنية تفاوض على الأرض حول نشاط وشروطه، وحول علاقاتها مع العملاء، وهي تنتج من جهة
خدمة، وايديولوجية تشرعن عبرها تفويضا Mandat تطلبه هذه المجموعة من
المجتمع(35)"؛ وتشير عملية التمهين professionnalisation في هذه الحالة إلى
عملية إنشاء خدمة وايديولوجية تشرعن السعي لتحقيق الاستقلالية، والاعتراف
الاجتماعي بالجماعة المهنية .(36)
لاحظ العلماء أن أول ما يعاب على هذا الاتجاه أنه تبنى خطاب الفاعلين أي أصحاب المهن قصد إضفاء شرعية أكاديمية عليه .(37) رغم أنهم تجنبوا بعناية الفخ
الذي سقط فيه الوظيفيون، خاصة فيما يتعلق بتحديد طبيعة المهن. فبدل أن يُح˘دد
هؤلاء )التفاعليون الرمزيون( خصائص المهن مقارنة بالحرف أقاموا تحليلاتهم على
مسلمة مفادها أ˘نها تشير إلى أ ˘ي نشاط يعترف به المجتمع رسميا على ما هو عليه. ولهذه المسلمة أثرين منهجيين: بداية لم يعد من الممكن دراسة المهن انطلاقها
من وظائفها الاجتماعية الكلية Macro-sociales ؛ بل ينبغي توضيح وتحليل السمات
33 - S. Martineau, op.cit.
34- Florent CHAMPY & Marc-Olivier DEPLAUDE, Comment parler des professions ? Sagesse pratique, vulnérabilités et protections professionnelles, http://www.laviedesidees.fr/Comment-parler-des-professions.html.
35 - Perron, Lessard, Bélanger, 1993, p. 6, in: Martineau, op, cit.
36 - Martineau, op, cit.
37- Florent CHAMPY & Marc-Olivier DEPLAUDE, Comment parler des professions ?
والوظائف التي تنجح المهن في فرض شرعيتها، وتحديد المسافة بينها وبين الأنواع الأخرى من أنشطة الشغل غير المهنية.(38)
وبناء على ذلك، اتخذ علماء الاجتماع التفاعليون في مسعاهم العلمي موقفا
بنائيا بالأساس، حيث يرون "بأن الأفراد يشكلون واقعهم من خلال تصنيف العالم حسب إرادتهم وفرض تصورهم للوضع على اآخخرين (39)؛ وساعدهم الموقف البنيوي على إضفاء الطابع النسبي على الأطروحات الوظيفية؛ فمن وجهة نظرهم فما يميز المهن ليس الكثير من المعارف المتخصصة والعقلانية أو روح نكران الذات من أجل خدمة المجتمع، ولكن ما يميزها في واقع الأمر هو قدرتها على جعل المجتمع يعترف بوضعها الخاص والمتميز، وهذا ما أظهره بقوة بيكر Becker (1962) وهيوز.(40) Hughes
بي˘ن الأول أن السلوك المهني الحقيقي لا يعنيه الاستجابة للمعايير التي يُفترض
أنها تميزه عن بقية العاملين؛ بقصد كشف ادعاءاتها، أما الثاني فقد قارن بعض
المهن المعترف بها اجتماعيا مع أنشطة أخرى التي لم يمنح لها هذا الوضع؛ فضلا عن ذلك فإن المقاربة التفاعلية لها الفضل في تسليط الضوء بوضوح على الخصائص التي تتحلى بها المهن؛ فمع حصولها على اعتراف اجتماعي معين فهي تستخدم ذلك لاحتكار التكوين وممارسة النشاط.
ويسمح هذا الوضع للمهنيين وبدون تدخل خارجي، بتحديد المعنى الاجتماعي لنشاطهم، وبالتالي ما هو مرغوب فيه أم غير ذلك لعملائها وللمجتمع بشكل عام. وكمثال على ذلك مهنة الطب التي هي الجهة الوحيدة التي يمكن أن تحدد بأ ˘ن سلسلة ما من الأعراض تشكل مرضا معينا .(41)
38- Bourdoncle, R, op, cit, p89.
39 - Idem.
40- Freidson, E. (1984). La profession médicale. Paris. Payot. in : Martineau, Op, cit.
41- Ibid
كما سبقت الإشارة فقد تعرضت هذه المقاربة لعدة انتقادات، فمقاربتها التي تتسم
بالنزعة التوضيحية والايحائية أكثر منها برهانية غالبا ما تغفل الأبعاد التاريخية
لعملية الاحتراف وتبقى قاصرة على الرؤية التفاعلية، وجها لوجه بين الممارس
والعميل، الذي يضمر هياكل السلطة الخفية لظاهرة المهن .(42)
المقاربة الصراعية:
يرى الاتجاه الصراعي بأن المهن تحتل ضمن تقسين العمل المكانة الأعلى،
وعليه يصبح الاحتراف )التمهين( عملية تهدف إلى أخذ أو الحفاظ على بعض
السلطات لممارسة مهنة وانتاج المعرفة التي تقوم عليها هذه الممارسة وتوظيف
واعتماد أعضاء. وبهذا تُسهم المهن مباشرة في إعادة إنتاج اللامساواة الاجتماعية.
ويلاحظ البعض أن هذه المقاربة تنقسم إلى تيارين رئيسيين: أحدهما مستوحى من
ماركس Marx واآخخر من فيبر Weber .(43)
ورغم اختلافات الكبيرة فهما يتفقان فيا يخص المكانة التي يمنحاها للتفسير
التاريخي لظاهرة المهن، وتتمحور أبحاثهم على تحليل قوة المهن des pouvoir
.profession
تتبنى هذه المقاربة تعريفا نقديا للمهن، فموضوع: "علم اجتماع المهن لا يتمثل في المفاضلة بين البذرة الجيدة والنبات السيء، ولكن في الاحاطة برهانات المكانة، والألعاب الاجتماعية التي تسمح للمتقدمين )أو المختارين( بالتفاعل مع مجموعة من الشركاء وقهرها أو حمايتها" .(44)
ويتفق الصراعيون مع التفاعليين فيما يخص قولهم بأن المهن مُكونات
اجتماعية، وبالتالي ما يميزها عن غيرها هو الاعتراف الاجتماعي وليس صحة أو
صلاحية المعرفة والمثل الأعلى للخدمة التي تقدمها. ولكنهم يؤكدون بشكل خاص
42 - Ibid.
43 - Bourdoucle, o, cit
44- Paradeise, p. 13
على أهمية "العمليات للسيطرة على السوق وعلى شروط العمل، والتي حصل عليها بفضل مجموعة اجتماعية في لحظة تاريخية معينة .(45)
لنأخذ مفهوم الانغلاق الاجتماعي الذي بلوره فيبر Weber، حيث تحدث
بارادايز Paradeise عن "الأسواق المغلقة للعمل" (1988)، كمواقع ورهانات للمهن
تسعى عبرها إلى تنظيم ظروف السوق لصالحها في مواجهة المنافسة التي تقدمها
الفئات المهنية الأخرى. ومن جانبها، أكدت سرفاتي لرسون Larsons Sarfatti
(1988) من خلال التحليل التاريخي للاحتراف في الغرب والمستوحى من أطروحات فوكو على مراقبة وانتاج المعرفة المهنية.
وفي الواقع، بعيدا عن كونها عملية تاريخية لتراكم وتحسين المعارف والكفاءات
فإن المهنية هي أكثر بداية عملية سياسية لتشديد الرقابة تمارسه مجموعة المهنية
على صور اشتغالها الداخلية وعلى البيئة الاجتماعية التي تعمل فيها سواء بسواء.(46) وبشكل عام، فضحت التحليلات الماركسية بأطيافها الماركسية والفيبرية الطرح
الوظيفي. فالمهن ليست مجالا للمعرفة العالية، حيث يتحرك أعضاؤها المفعمون بروح الخدمة في سبيل الصالح العام؛ فهي بالعكس من ذلك تتعارض مع الصالح العام، وهي من جهة أخرى تعد تعبيرا وأداة في يد الجماعة المهنية: ''أصبحت المهن تاريخيا ضيقة وأكثر استراتيجية وسياسية منها علمية وايثارية، وهي في النهاية غير
(Bourdoncle, 1993, p. 94)''.وضعها عن راضية
ولكن مع ذلك يمكننا أن نتساءل حول الرؤية السلبية للمهن التي تتبناها المقاربة
الصراعية أساسا، من خلال التركيز على القوة، ألا تهمل بذلك حقيقة أن الحفاظ
على مكانتها يجب على أي مهنة أن تثبت باستمرار أهميتها الاجتماعية لا سيما من خلال الفعالية الحقيقية للمعارف التي تتوفر عليها.
45 Bourdoncle, op, cit.
46 - Johnson, T.J. (1972). Professions and Power. London. Macmillan. 1972in Martineau.
الخاتمة:
اتضح لنا من خلال ما سبق أن قدمت المقاربات الثلاث لعلم اجتماع المهن
قدمت إضاءات هامة لفهم ظواهر المهنة، ومع تباعد آرائهم بين هذه المقاربات إلا
أنها تتفق على أن دراسة المهن كما يقول فريدمان ونافيل أصبحت موضوعا خاصا
بالأدبيات الأنجلو ساكسونية، في حين أن أوربا الفرنكوفونية تفضل بدل ذلك علم
اجتماع العمل .(47)
وقد تناول علم الاجتماع البريطاني والأمريكي هذه الظاهرة في المقام الأول
بوصفها مجموعة من الكفاءات ومجموعة مرجعية؛ سواء تمت هذا التناول باعتبارها
تتوفر على سمات تميزها عن الحرف، أو كأداة إيديولوجية واستراتيجية ترمي إلى
الاستحواذ على القوة والاعتراف الاجتماعي؛ وقد ظهرت لنا هذه المعايير الثلاثة
بشكل متكررة في جميع التعريفات التي منحت لموضوع سوسيولوجية المهن.
عموما يبقى هذا الفرع العلمي يسترعي انتباه العلماء، وان كانت الكتابات
التنظيرية حول الموضوع في الكتابات العربية تحتاج إلى جهود أكثر، وعلى الأقل قراءات أكثر للتراث النظري المتاح.
47 - Friedman, G., Naville, P. (éd.) (1961-1962). Traité de sociologie du travail. Paris. Armand Colin. 2, vol. In ; Martineau.