مقدمة:
يعتبر مسار الإطارات الجزائرية حافل بالأحداث و المواقف منذ مرحلة الاستقلال إلى يومنا الحالي حيث شهدت
العديد من التحوالت والتغيرات على الصعيد العمومي والخاص مست باملجمل تغيرات في سياسات التسيير
والتنظيم والهيكلة، فمنذ اعتماد االشتراكية كنموذج اقتصادي تبلور في البداية للعام والخاص منحى واتجاه
الدولة في طريقة تسيير مؤسساتها ،وعليه
تشكلت الصورة الذهنية اللطار الجزائري في ضوء امالءات الدولة ونموذج العمل وكيفية التسيير الداخلي
للمؤسسات في جوانبه التنظيمية والفنية، هذه املرحلة التي وافقت نموذج التسيير الذاتي بل و انطبعت بشكل
راسخ خلال مرحلة التسيير الاشتراكي، حيث شهدت هذه املرحلة محأو لة النهوض باالقتصاد الوطني عبر
تفعيل المشاريع الكبرى والضخمة في شتى
القطاعات الاقتصادية من نموذج المركبات الصناعية والثورة الفلاحية وغيرها من السياسات تبعا لنموذج
دوبرنيس. في تلك المرحلة كان التركيز و جل الاهتمام منصبا على الموارد الخام والجانب المادي اكثر من
التركيز على الجانب البشري ولذا يعتبر تسيير الكفاءات ليس أولوية أولى آنذاك نتيجة لسياسات الدولة
الاشتراكية، وهذا ما ترك اثرا رجعيا على الكفاءات البشرية الجزائرية التي عانت التهميش وعدم التمكين وكذا
آليات اتخاذ القرار التي كانت ال تمتلك السلطة وال الحرية في التسيير المفروض عليها تبعا للسلطة املركزية
التي كانت قراراتها ليست قرارات اقتصادية مبنية على خبرة اقتصادية أو على دراسات علمية وانما على
نماذج فردية واساليب مقاربة لبعض الدول الأخرى خاصة الاشتراكية منها المختلفة تماما في التركيبة البشرية
.والاجتماعية عنها
مع دخول الجزائر مرحلة جديدة واالنفتاح على االسواق وبداية تالش ي النظام االشتراكي في كثيرمن الدول
وسيطرة النظام الرأسمالي الذي فرض عدة تغييرات على انظمة الحكم من اجل الدخول في حراك االقتصاد
العالمي وكذا المديونية الكبيرة على الجزائر فرض عليها تغييرخارطتها االقتصادية والتحول نحو اقتصاد
السوق االمرالذي اجبرها على تفعيل القطاع الخاص من جهة اضافة إلى االستثمارفي املوارد البشرية وخاصة الكفاءات منها، لذا يعتبر الكثير من الباحثين انهذه املرحلة تمثل انطالقةمهمةفي اعطاء نفس اقتصادي كبير باالعتماد على االطارات الشبانية والكفاءة التي تلقت تكوينا اكاديميا وعلميا يتوافق مع متطلبات عالم الشغل، الن النظام الحديث فرض على قطاع التعليم
مسايرة متطلبات الاقتصاد و الاحتياجات البشر ية للمؤسسات الفاعلة داخل تراب الوطن، إضافة إلى التغيرات.لمواكبة العصرنةg التي فرضها عالم االستثمار للشركات المتعددة الجنسيات
ان النموذج الحديث التي أصبح مفعال في شتى المؤسسات و المتمحورة حول ادارة الأفراد و الاستثمار في الطاقة البشرية على اعتبار أنها مخزون مستمر غير قابل للنفاد يستدعي تركيز الأ ولوية على العنصر.البشري وهذا طبقا للأبحاث العلمية التي أجريت في عالم التنظيمات المؤسساتية
إن النسق الحديث للتنظيمات الجزائرية يخضع للعديد من المتغيرات الاجتماعية والتنظيمية التي تتحكم في نسق العالقات التنظيمية وهذا ما أشار اليه فضيل الرتيمي في رسالته حول العمل والقرابة مشيرا إلى دور نسق العلاقات القرابة ضمن حقل التنظيم وكيفية تدخل هذه العناصر على القرارات التنظيمية والتي توصل من خلالها إلى عدم وجود استقلاليه تنظيمية في المؤسسات الجزائرية وبالتالي هي تخضع لعوامل بيئية اجتماعية تتحكم فيه.
إن النداء الحديث في عملية التسيير يستدعي مراعاة الجوانب الإنسانية والنفسية للعاملين لفاعلية أكثر داخل
التنظيم من أجل تحقيق أهداف المؤسسة من جهة، إضافة إلى دور الحوافز المادية والمعنوية من أجل كسب
الوالء التنظيمي للعمال تجاه المؤسسة من جهة أخرى، وقد تقيدت العديد من المؤسسات الجزائرية بهذا النمط
المواكب والمساير للعصر الحديث
الإطار: إن مفهوم اإلطار يدل على شخص معين له مكانته داخل التقسيم االجتماعي للعمل، اال أن هذه -1-2
المكانة ال تظهر وال تتضح
:الا من خلال معيارين هما
المعيار العلمي: ويتمثل في الشهادة أو التكوين والكفاءة المتحصل ذاتيا عن طريق الممارسة والخبرة ∙
والترقية داخل
.مؤسسة معينة
المعيار الوظيفي: المنصب الذي يحتله هذا الإطار في المؤسسة، والمكانة الاجتماعية التي يحتلها ذلك ∙
المنصب من ناحية القيمة في المجتمع.ودوره
ويقصد بمفهوم اإلطار أنه اجير يمارس وظيفة مبادرة وقيادة ويقوم بمسؤولياته معينة داخل المؤسسة وهو الي
حصل على تكوين عالي أي لديه شهادة جامعية أو تكوين محصل عليه ذاتيا عن طريق الممارسة والخبرة
ويعمل في ميادين مختلفة، سواء كانت تقنية أو ادارية قانونية تجارية أو مالية... الخ
وتؤكد كاترين ماري ان االطارات يمكن اعتبارهم حملة العقالنية بامتياز، عقالنية اإلنتاج وعقالنية الحياة.
ينظر اليه على انه طريقة إشراك الموظفين في المستويات التنفيذية في Empowerment -2-:التمكين
عملية صنع القرار وإثراء البعد المهاري والخبراتي لديهم وترسيخ الشعور بأهميتهم في بيئة العمل ، اضافةإ
يقوم على تغذية الثقة لدى الموظفين بأنفسهم Construct Motivational لى انه يعتبر مكون دافعية
وقدراتهم ( عبد هلال بن عبد الرحمن البريدي،2012، ص166)، وتعود الفكرة األساسية مفهوم التمكين إلى
افكار مدرسة العالقات اإلنسانية التون مايو كرد فعل لتهميش الجانب االنساني في بيئة العمل ، وقد برز هذا
المفهوم بشكل كبير في نهاية الثمانينات من القرن امالض ي مع زيادة االهتمام بالعنصر البشري في بيئة
العمل االداري، وفي ظل االهتمام المتزايد للمنظمات بالعنصر البشري كمورد للنجاح و لتحقيق الميزة التنافسية
.اصبح مفهوم التمكين احد أهم عناصر الفلسفة الإدارية الحديثة
التهميش: ويقصد به التهميش في مكان العمل في الدراسة الحالية: هو الشعور الذي يعتري املوظفين-3-2
-6أصناف الاطارات:
انطالقا من التعاريف التي اعطيناها لإلطار كفرد ينتمي إلى فئة تدعى االطارات نحأو ل بقدر املستطاع تبيين االصناف التي تندرج ضمن هذه الفئة ألنه وكما نعرف ان االطارات كفئة تختلف فيما بينها من حيث التكوين الذي تلقته ومن حيث مناصب العمل التي تحتلها في إطار التقسيم التقني للعمل داخل املؤسسة.
-1-6االطارات العليا: وهي الفئة التي حصلت على تكوين عال متوج بشهادة سوآءا تم تلقي هذا التكوين في الجامعة، ام في معاهد تقنية عليا، ام تكوين محصل عليه عن طريق التجربة أو الترقية كما هو الحال بالنسبة لبعض االطارات العليا التي تم االعتراف بها، بفضل الوظائف التي تشغلها في املؤسسات االنتاجية ويندرج ضمن هذه الفئة.
-2-6املهندسون:كإطارات املؤسسات االنتاجيةالصناعيةأو الزراعيةيتميزون بامتالكهم لشهادة جامعيةأو من املعاهد العليا، اال انهم في اغلب االحيان يمارسون وظائف إدارية وتجارية ويمكن ادراجهم ضمن االطارات املسيرة. -3-6االطارات التجارية والقانونية: ويحتلون فئة املدراء وفي مجموعهم يمثلون نخبة املؤسسة أو منشطي املؤسسات. -4-6االطارات املتوسطة: هم الذين يقومون بوظيفة المراقبة والتنظيم، لهم نشاط ذو مستوى عالي من وجهة النظرة التقنية.
إن وظائف الإطارات المتوسطة تقام على مستوى أدني من مستوى اتخاذ القرارات التي تقوم بها الإطارات العليا وهرميا فان الإطارات المتوسطة موجودة بين مستوى التنفيذ ومستوى الإطارات العليا.
-5-6التقنيون: وتتميز هذه الفئة بتكوين تقني من مستوى التعليم الثانوي أو شهادة من معهد جامعي أو شهادة تقني سامي من معهد تقني وطني مثل املعاهد التابعة للوزارات في الجزائر دورهم القيادي محدود لكن يقومون بمسؤولية وظيفية، ويأخذون عادة مكانا وسطيا بين فئتي العمال المؤهلين والمهندسين في المؤسسات االنتاجية. )بلحاج وسيلة، ب.س، ص06(
يوجد حسب مرسوم برودي ثالث فئات لإلطارات، املهندسين املتكونين يندرجون في توظيفهم في املستوى األو ل ويتقدمون باستمرارحسب التجربة املهنية إلى املستوى االعلى، في هذا املستوى األو ل ليسوا مجبرين على البقاء بينما عليهم ان يثبتوا كفاءتهم لكي يلتحقوا إلى املستويات العليا، كما ان هناك عمال ليس ليهم شهادات بينما لديهم تكوين تقني باإلضافة إلى التجربة املهنية الطويلة يندرجون حسب املرسوم في فئة اطارات املؤسسة.
يحددكذلك مرسوم برودي في تقسيم عمل االطارات حسب التفويض الذي يمتلكونه، ويصنف االطارات إلى ثال ث فئات االطارات التقنية واالطارات املسيرة واالطارات املسيرة االستراتيجية.
تحتوي فئة االطارات التقنية على االطارات الخبراء يسخرون خبرتهم في املنظمة واطارات االنتاج، باإلضافة إلى الخبراء في التجارة، واطارات االنتاج ينجزون ويبيعون املواد والخدمات تتحدد مهامها حسب معارف كل منهما في اختصاصه. االطارات املسيرة االستراتيجية هم املؤهلين لتحيد استراتيجية العامة للمؤسسة وصياغة متطلبات الزبائن ويقترحون استراتيجيات لصالح املؤسسة، ولذا تتميز االطارات املسيرة بالقدرة على تسييراملوارد والتأطيروالقيادة والتسيير. يحمل مفهوم اإلطار تفسيرات عدة تاريخية وفي علم االجتماع وفي علم النفس االجتماعي حيث يحدد سينسوليو ثالث فئات من االطارات وهي الرؤساء التنفيذين وهم خريجو املدرسة العليا للتجارة ومتعددة التقنيات والكلية الوطنية لإلدارة واالطارات األ و سط وهم خريجو مدارس التجارة أو الجامعات، والإطارات العصاميين الذين لم يستفيدوا من تكوينات عليا، بالنسبة لسان سوليو اإلطار في فرنسا هو موظف خولت له بعض الصلاحيات في المؤسسة إن دراسة فئةاإلطارات، يعني دراسةأحد النخب املهنية التي يزداد فيها االهتمام بها في الوقت الحاضرنظرا للدور الهام الذي تقوم به في املجتمع وفي التنظيم، باعتبار عمليات التغير االجتماعي السياس ي واالقتصادي ترتكز إلى حد كبير إلى مثل هذه النخب وذلك بحكم املوقع الذي تبوؤه فهي تقود وتسيرالعديد من التنظيمات االقتصادية والسياسية واالجتماعية. إن نخبة كنخبة االطارات وخاصة الصناعية منها والتي ارتبطت مسيرتها بما حدث ويحدث في املجتمع نتيجة تغيرات هيكلية عميقة شهدها بالخصوص القطاع الصناعي في الجزائر تجسدت في سياسة االقالع االقتصادي ضمن التوجه االشتراكي الذي تبنته الجزائر بعد االستقالل ، وفي خضم هذا كانت هذه الفئة معرضة للعديد من التحوالت التي ساهمت في صنع اتجاهاتها وتمثالتها عن املجتمع واملؤسسة وكيفية تعاملها مع هذه املتغيرات وباقي الشركاء في املؤسسة وادراكها ووعيها بما يدور حولها، واهم من ذلك لدرجةاستقالليتها في التنظيم وحريتها في اتخاذ القرارات واملبادرة واملبادأة في العمل، وفي احداث عمليات التغير التي تراها مناسبة، ومن هذا املنطلق تناو لنا في هذا الجانب املخصص املقاربات النظرية املختلفة في دراسة اإلطارات,
.1.3 اﻹطﺎ ارت ﻓﻲ اﻟد ارﺴﺎت اﻟﻐرﺒﻴﺔ :
ﻴﻘوﻝ "ش.ﻏﺎدﻴﺎ" ) Gadéa (Ch. أن ﻤﺎ ﻴﻤﻛن ﺘﺴﻤﻴﺘﻪ ﺒـ "ﺴوﺴﻴوﻟوﺠﻴﺎ اﻹطﺎرات" ﻗد
ﺒدأت ﻓﻲ اﻟﺘﺸﻛﻝ ﻓﻲ ﺴﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘرن اﻟﻌﺸرﻴن، وﻗد أﺨذت ﺜﻼﺜﺔ اﺘﺠﺎﻫﺎت رﺌﻴﺴﻴﺔ. اﻷوﻟﻰ، اﻟﺘﻲ ﻴﻌﺘﺒرﻫﺎ اﻷﻛﺜر اﻨﺘﺸﺎرا، ﻫﻲ ﺘﻠك اﻟﺘﻲ ﺘﺤﺘوي ﻋﻠﻰ اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺘﻘوم ﻋﻠﻰ ﻓرﻀﻴﺔ ﻋﺎﻤﺔ ﻤؤداﻫﺎ أن اﻻﻋﺘراف ﺒﺸرﻋﻴﺔ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻻ ﻴﺄﺘﻲ إﻻ ﻤن ﺨﻼﻝ ﺘﺤدﻴد ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻟطﺒﻘﻲ.(1) ﺒﻴﻨﻤﺎ ﺘدرس اﻟﺜﺎﻨﻴﺔ ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻓﻲ إطﺎر ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع اﻟﻤﻬﻨﻲ. أﻤﺎ اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻟﺜﺎﻟث ﻓﻴﺸﻛﻝ ﻓرﻋﺎ ﻤن اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻟﺜﺎﻨﻲ، وﻫو اﻟذي ﻴﻨظر ﻓﻴﻪ أﺼﺤﺎﺒﻪ إﻟﻰ اﻹطﺎرات ﻋﻠﻰ أﻨﻬم دﻟﻴﻼ،
1 - ◌ِCh. Gadéa, Les cadres en France … op. cit. P.
أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻝ ﻤؤﺸر ﻟﻼﺘﺠﺎﻩ اﻟﺘﺎرﻴﺨﻲ اﻟذي ﺘﺄﺨذﻩ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻤﻌﺎﺼرة ﻨﺤو ﻤﺎ ﻴﺴﻤﻰ ﺒﺴﻠطﺔ اﻟطﺒﻘﺔ "اﻟﺘﻛﻨوﻗراطﻴﺔ" ▸.
وﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ ﻫذا اﻟﻌرض، ﻓﺈﻨﻨﺎ ﺴﻨﺘطرق إﻟﻰ اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺒﺤوزﺘﻨﺎ وﻓق ﺘﺼﻨﻴف وﻀﻌﻨﺎﻩ ﺤﺴب اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت اﻟرﺌﻴﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻨرى ﺒﺄﻨﻬﺎ ﺘﻛون اﻹطﺎر اﻟﻨظري اﻟذي ﺘﺴﺘﻨد إﻟﻴﻪ ﺘﻠك اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت، وﻤن ﺜم اﻟﺘﺴﺎؤﻻت اﻟﺘﻲ طرﺤﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺤث اﻟﺴوﺴﻴوﻟوﺠﻲ. وﻗد وﺠدﻨﺎ ﺒﺄن ﻤﺨﺘﻠف اﻟدراﺴﺎت اﻟﺘﻲ ﺠﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﻴﻤﻛن أن ﺘﻘﺴم إﻟﻰ أرﺒﻌﺔ اﺘﺠﺎﻫﺎت. أوﻻ : اﻹطﺎرات ﻓﻲ اﻟدراﺴﺎت اﻟﺴوﺴﻴوﺘﻨظﻴﻤﻴﺔ. ﺜﺎﻨﻴﺎ : اﻹطﺎرات ﻤن وﺠﻬﺔ ﻨظر اﻟﺼراع اﻟطﺒﻘﻲ. ﺜﺎﻟﺜﺎ : اﻹطﺎرات وﻗﻀﻴﺔ اﻟﻬوﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. راﺒﻌﺎ وأﺨﻴرا : اﻹطﺎرات واﻟﺘﻐﻴﻴر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.
.1.1.3 اﻟد ارﺴﺎت اﻟﺴوﺴﻴو-ﺘﻨظﻴﻤﻴﺔ
ﻨﺒدأ اﺴﺘﻌرﻀﻨﺎ ﻟﻺﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺘﻨﺎوﻟت اﻹطﺎرات ﻛﻤوﻀوع ﻟﻠدراﺴﺔ اﻟﺴوﺴﻴوﻟوﺠﻴﺔ ﺒﻤﺎ أطﻠﻘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ "اﻟدراﺴﺎت اﻟﺴوﺴﻴو-ﺘﻨظﻴﻤﻴﺔ." وﻨﻘﺼد ﺒذﻟك ﺘﻠك اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺘﻨﺘﻤﻲ إﻟﻰ ﻤﺎ ﻴﻌرف ﻋﺎدة ﻓﻲ اﻷوﺴﺎط اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺒـ : ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع اﻟﺘﻨظﻴﻤﻲ. وﻟﻌﻝ واﺤدة ﻤن أﻫـم ﻫذﻩ
اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت ﺘﻠك اﻟﺘﻲ ﺘظﻤﻨﻬﺎ ﻤؤﻟف "رﻴﻨو ﺴﺎﻨﺴوﻟﻴو" ) Sainsaulieu (R. اﻟذي أﺸرﻨﺎ إﻟﻴﻪ
ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻝ اﻷوﻝ. ﻟﻘد أﻛد "ﺴﺎﻨﺴوﻟﻴو" ﻋﻠﻰ أن أﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﺄطﻴر واﻹطﺎرات ﻗد ﺒرزت ﻤﻊ ظﻬور اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ واﻹدارﻴﺔ اﻟﺤدﻴﺜﺔ، اﻟﺘﻲ ﺠﺎءت ﺒدورﻫﺎ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﺘطور ﺘﻨظﻴم اﻟﻌﻤﻝ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ. وﺒذﻛر "ﺴﺎﻨﺴوﻟﻴو" ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺼدد، أن اﻷﻨﺸطﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ، واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، وﺤﺘﻰ اﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻗد أﺼﺒﺤت ﺘﺘم ﺤﺘﻤﺎ ﻋن طرﻴق اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت ﻤن أﺠﻝ ﺘﺤﻘﻴق اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ(2). وﻗد أﻛد ﻗﺒﻝ ذﻟك أﻴﻀﺎ ﻋﻠﻰ أن "ﺤﺘﻤﻴﺔ ﺘﺄطﻴر اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت (...) ﻗد ﻏزت ﺘدرﻴﺠﻴﺎ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت واﻹدارة واﻨﺘﻘﻠت ﻤن ﻋﺎﻟم اﻹﻨﺘﺎج اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ إﻟﻰ ﻤﻴﺎدﻴن أﺨرى ﻤﺜﻝ اﻟﺘﻌﻠﻴم واﻟﺼﺤﺔ وﺤﺘﻰ ﻋﺎﻟم اﻟرﻴف واﻟﺘﻌﺎوﻨﻴﺎت واﻟﻤزارع اﻟﻛﺒرى.(3)"
اﻨطﻼﻗﺎ ﻤن ﻗﻨﺎﻋﺔ ﻓﻛرﻴﺔ ﻤؤداﻫﺎ أن اﻟﻌﻤﻝ ﻓﻲ اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت ﻫو ظﺎﻫرة ﺤدﻴﺜﺔ ﻴﻤﻛن أن ﺘﻤﺜﻝ ﻗﺎﻋدة اﻨطﻼق ﻟدراﺴﺔ اﻟﻘﻀﺎﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﻴﻔرزﻫﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر، ﻷﻨﻬﺎ ﻗد اﻨﻌﻛﺴت ﻋﻠﻰ "اﻟﺒﻨﻴﺎت اﻟذﻫﻨﻴﺔ واﻟﻌﺎدات اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﺴﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ"، ﻴﺨﻠص
1 - Ibid., p.9.
2 - R.Sainsaulieu, L’identité au travail, op. cit. P.199.
3 - Ibid., p9.
"ﺴﺎﻨﺴوﻟﻴو" إﻟﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن أﻫم ﻤﺎ ﻴﻤﻴز وﻀﻌﻴﺔ اﻹطﺎرات ﻫو ﺘﻤﺘﻌﻬم ﺒﻤﻛﺎﻨﺔ ﺒﺎرزة ﺘﺴﻤﺢ ﻟﻬم ﺒﺎﺨﺘراق ﻤﺼﺎدر اﻟﺴﻠطﺔ ﻤن ﺨﻼﻝ ﻋدة ﻤﻨﺎﻓذ وﻫو ﻤﺎ ﻴﺴﻤﺢ ﻟﻬم ﺒﺎﻟﺤﺼوﻝ ﻋﻠﻰ وﺴﺎﺌﻝ وٕاﻤﻛﺎﻨﻴﺎت ﺘﺴﺎﻋدﻫم ﻋﻠﻰ ﻓرض اﻻﻋﺘراف ﺒﻬم، ﻟﻴس ﻛﺠﻤﺎﻋﺔ أو ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤﺘﻤﺎﺴﻛﺔ، وٕاﻨﻤﺎ ﻛﺄﻓراد وذﻟك ﻋﻛس اﻟﻔﺌﺎت اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻔﺘﻘد إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻹﻤﻛﺎﻨﻴﺔ. وﻴؤﻛد "ﺴﺎﻨﺴوﻟﻴو" أﻴﻀﺎ، أن اﻻرﺘﻔﺎع اﻟﻤﺴﺘﻤر ﻓﻲ ﻋدد اﻹطﺎرات ﻟن ﻴؤد، ﻛﻤﺎ ﻴﻌﺘﻘد اﻟﺒﻌض، إﻟﻰ ﺒروزﻫم ﻛﻘوة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﺘﻤﺎﺴﻛﺔ وذﻟك ﻷن أﻋﻀﺎء ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻴﺘﻤﺎﻴزون ﻛﺜﻴرا ﻤن ﺤﻴث اﻟﻤواﻗﻊ اﻟﺘﻲ ﻴﺤﺘﻠوﻨﻬﺎ، ﺒﺎﻹﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﺨﺘﻼف اﻟﺘﺄﺜﻴرات اﻟﺨﺎرﺠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻴﺨﻀﻌون ﻟﻬﺎ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎ، وﺜﻘﺎﻓﻴﺎ، وﻋﺎﺌﻠﻴﺎ.
أﻤﺎ "ﺠورج ﺒﻨﻘﻴﻘﻲ" ) Benguigui (G.، ﻓﻘد ﺤﺎوﻝ، ﻓﻲ دراﺴﺔ ﻋﻨواﻨﻬﺎ "اﻨﺘﻘﺎء
اﻹطﺎرات" cadres) des sélection (la، أن ﻴﻛﺸف ﻋن اﻟظروف اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ وﻟﻴس اﻟﻤﻌﻠﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﺘﺤﻛم ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺘوظﻴف اﻹطﺎرات. وﺤﺴب "ﺒﻨﻘﻴﻘﻲ"، ﻓﺈن ﺨﻠف اﻹﺠراءات اﻟﺼﺎرﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻌﺘﻤدﻫﺎ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت أﺜﻨﺎء ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻨﺘﻘﺎء ﻤﺎ ﺘﺤﺘﺎﺠﻪ ﻤن إطﺎرات، ﺘﻘف ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ اﻟﻌدﻴد ﻤن اﻻﻨﺸﻐﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻬﺎ ﺒﺎﻟﺠواﻨب اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺒﻘدر ﻤﺎ ﻫﻲ ذات طﺎﺒﻊ "ﻤؤﺴﺴﺎﺘﻲ." ﺒﻌﺒﺎرة أﺨرى، ﻓﺈن "ﺒﻨﻘﻴﻘﻲ" ﻴﻌﺘﻘد ﺒﺄن اﻟﻤؤﺴﺴﺔ، اﻟﺘﻲ ﻫﻲ "ﺘﻨظﻴم" و"ﻤؤﺴﺴﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ" ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔﺴﻪ، ﺘﻤﻨﺢ أﻫﻤﻴﺔ ﺒﺎﻟﻐﺔ ﻟﻸﺒﻌﺎد "اﻟﻘﻴﻤﻴﺔ"، واﻟﻤواﻗف واﻻﺘﺠﺎﻫﺎت اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وأﻨﻤﺎط اﻟﺘﻔﻛﻴر، ﻟدى اﻟﻤرﺸﺤﻴن ﻟﻠﺘوظﻴف ﻤﺤﺒذة أن ﺘﻛون ﺘﻠك اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت، واﻟﻤواﻗف وأﻨﻤﺎط اﻟﺘﻔﻛﻴر، ﻤﺘﻤﺎﺸﻴﺔ وﻗﻴم اﻟﻤؤﺴﺴﺔ، ﻛﻤؤﺴﺴﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ أﻛﺜر ﻤن اﻫﺘﻤﺎﻤﻬﺎ ﺒﺎﻟﻘدرات واﻟﻤؤﻫﻼت اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺤﺘﻰ وٕان ﻛﺎﻨت ﻟﻬذﻩ اﻟﻛﻔﺎءات ﻤﻛﺎﻨﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘوظﻴف.
ﻟﻘد رﻛز اﻟﺒﺎﺤث اﻫﺘﻤﺎﻤﻪ اﻨطﻼﻗﺎ ﻤن ﻓرﻀﻴﺘﻴن ▸. : اﻷوﻟﻰ ﻤؤادﻫﺎ أن اﻟﻤؤﺴﺴﺔ، أﺜﻨﺎء
ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻔﺎوض اﻟﺘﻲ ﺘراﻓق إﺠراءات ﺘوظﻴف اﻹطﺎرات ﺘﺴﻌﻰ إﻟﻰ إﺨﻀﺎع ﻫذﻩ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ إﻟﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﻗوة ﺘﻛون ﻓﻲ ﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ﻗدر اﻹﻤﻛﺎن. وﺜﺎﻨﻴﺎ، إن اﻟﺒﻌد اﻟﻤؤﺴﺴﺎﺘﻲ )اﻟﻘﻴم، اﻟﻤﻌﺎﻴﻴر(... ﻫو اﻟذي ﻴطﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻨﺘﻘﺎء، وﻟﻴس اﻟﺠﺎﻨب اﻟﺘﻘﻨﻲ. ﻓـ"ﺒﻨﻘﻴﻘﻲ" ﻴرى أن اﻟﻤؤﺴﺴﺔ ﻻ ﺘﺒﺤث ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻟدى اﻹطﺎر ﻋﻠﻰ ﻤؤﻫﻼت، وﻤﻬﺎرات ﺘﻨظﻴﻤﻴﺔ وﺘﻘﻨﻴﺔ وﻟﻛن ﻋﻠﻰ ﺴﻤﺎت اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻤﻴزﻩ. ﺒﻤﻌﻨﻰ آﺨر، إن اﻟﻤؤﺴﺴﺔ ﺘﺒﺤث، ﻟدى اﻹطﺎر ﻋﻛس ﻤﺎ ﻫو ﺸﺎﺌﻊ، ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻴﺤﻤﻠﻪ ﻤن ﻗﻴم، وﻤدى ﺘﺠﺎﻨس ﺘﻠك اﻟﻘﻴم واﻟﻤﻌﺎﻴﻴر ﻤﻊ ﻗﻴم وﻤﻌﺎﻴﻴر اﻟﻤؤﺴﺴﺔ ذاﺘﻬﺎ.
1 - Georges Benguigui, « La sélection des cadres », Revue de sociologie du travail, 3/81, 23ème année, Juillet / Septembre1981. p.294.
وﺤﺘﻰ ﻴﺘﺴﻨﻰ ﻟﻪ ﺘﺄﻛﻴد ﻤﺎ اﻓﺘرﻀﻪ، ﻴﺸﻴر اﻟﺒﺎﺤث إﻟﻰ "اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت" اﻟﺘﻲ ﺘﻤﻴز ﺸروط اﻟﺘوظﻴف اﻟﻤﻌﻠﻨﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ، وﺸروط اﻟﺘوظﻴف اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ ﺜﺎﻨﻴﺔ. ﻓﺄوﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت، ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎدﻩ، ﺘﻛﻤن ﻓﻲ أن اﻟﻘﺎﺌﻤﻴن ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻨﺘﻘﺎء، ﺴواء ﻛﺎﻨوا ﻤن داﺨﻝ اﻟﻤؤﺴﺴﺔ أو ﻤن ﺨﺎرﺠﻬﺎ، ﻻ ﻴﻌطون ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ أﻫﻤﻴﺔ ﺒﺎﻟﻐﺔ ﻟﻤﺎ ﻴﺤﻤﻠﻪ اﻟﻤﺘرﺸﺤون ﻤن ﺸﻬﺎدات.
أﻤﺎ اﻟﺘﻨﺎﻗض اﻟﺜﺎﻨﻲ، ﻓﺈﻨﻪ ﻴﺘﻤﺜﻝ، ﺤﺴب "ﺒﻨﻘﻴﻘﻲ"، ﻓﻲ اﺘﺴﺎع اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺒﻴن اﻟﺸروط اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺒﺎﻟﻤؤﻫﻼت اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ، وﺤﻘﻴﻘﺔ ﻤﺎ ﻴﺤدث أﺜﻨﺎء ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘوظﻴف ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى. واﻟدﻟﻴﻝ ﻋﻠﻰ ذﻟك، أن اﻻﻨﺸﻐﺎﻻت اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ اﻟﻤرﺘﺒطﺔ ﺒﺎﻟﻤﻬﺎرات، ﻻ ﺘﺤﺘﻝ ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎدﻩ اﻟﻤﻛﺎﻨﺔ اﻟﻤﻌﻠن ﻋﻨﻬﺎ. وﻴﻀﻴف أن اﻟﻤﺸرﻓﻴن ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻨﺘﻘﺎء ﻻ ﻴﻤﺘﻠﻛون ﻓﻲ ﻤﻌظم اﻷﺤﻴﺎن
ﻤﺴﺘوﻴﺎت ﺘﻘﻨﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ. ﺒﻝ إن اﻟﺘرﻛﻲز ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﺠواﻨب ﻻ ﻴﺘم إﻻ ﻓﻲ آﺨر ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﺨﺘﻴﺎر
أي ﺒﻌد اﻨﺘﻘﺎء أوﻟﻲ ﺘﻛون ﻓﻴﻪ اﻟﻐﻠﺒﺔ ﻟﻠﺠواﻨب واﻷﺒﻌﺎد اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ وﻟﻴس اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ(1).
وﻴﺘﻤﺜﻝ اﻟﺘﻨﺎﻗض اﻵﺨر ﻓﻲ ﺼﻌوﺒﺔ اﻟﺘوﻓﻴق ﺒﻴن ﻤﺤﺘوى اﻟﻤﻨﺼب اﻟﻤﻘﺘرح واﻟﺸروط اﻟﺘﻲ ﻴﺠب ﺘوﻓرﻫﺎ ﻓﻲ اﻹطﺎر. إن ذﻟك ﻴﺸﻛﻝ، ﺤﺴب "ﺒﻨﻘﻴﻘﻲ"، ﻤﺸﻛﻠﺔ ﻻ ﺘﻨﺎﻝ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻤؤﺴﺴﺎت ﺒﺎﻟرﻏم ﻤن أﻫﻤﻴﺘﻬﺎ وﻫو ﻤﺎ ﻴؤدي إﻟﻰ أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘوظﻴف ﻻ ﺘﺘم وﻓق اﻟﻤﻌﺎﻴﻴر اﻟﻌﻘﻼﻨﻴﺔ اﻟﻤﻌﻠﻨﺔ. أﻤﺎ اﻟﺘﻨﺎﻗض اﻷﺨﻴر ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘوظﻴف، ﻓﺈﻨﻪ ﻴﻛﻤن ﻓﻲ أن اﻟﻤؤﺴﺴﺔ أو ﻤن ﻴﻤﺜﻠﻬﺎ أﺜﻨﺎء ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﺨﺘﻴﺎر ﺘطﻠب، ﻓﻲ أﻏﻠب اﻷﺤﻴﺎن، ﺸروطﺎ ﻴﺘﻌذر، ﺒﻝ وﻴﺴﺘﺤﻴﻝ ﺘوﻓرﻫﺎ ﻓﻲ ﻨﻔس اﻟﺸﺨص. وﻛﻤﺜﺎﻝ ﻋﻠﻰ ذﻟك، ﻛﺜﻴرا ﻤﺎ ﻴطﻠب ﻤن اﻹطﺎر اﻟﻤﺘﻘدم ﻟﻠﻤﻨﺼب أن ﻴﻛون "ﺸﺎﺒﺎ" و"ذا ﺨﺒرة طوﻴﻠﺔ.(2)"
واﻷﻫم ﻤن ذﻟك، ﻟدى "ﺒﻨﻘﻴﻘﻲ"، ﻫو أن ذﻟك "اﻟﺘﻨﺎﻗض" ظﺎﻫري ﻓﻘط. ﻓﺎﻟﻤؤﺴﺴﺔ، ﺒﺎﻟﻤوازاة ﻤﺎ ﺘﻘوم ﺒﻪ ﻤن أﻋﻤﺎﻝ اﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ، ﻓﻬﻲ ﺘﻘوم أﻴﻀﺎ ﺒﻌﻤﻠﻴﺔ ﺘﺄﺴﻴس اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﺘﺠﺴدﻩ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻏرس وﺘرﺴﻴﺦ اﻟﻘﻴم واﻟﻤﻌﺎﻴﻴر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻌﻤﻝ ﻓﻲ إطﺎرﻫﺎ اﻟﻤؤﺴﺴﺔ ﻓﻲ ﺤد ذاﺘﻬﺎ وﻴﺨﻠص "ﺒﻨﻘﻴﻘﻲ" إﻟﻰ أن اﻟﻛﺜﻴرﻴن ﺒﻤﺎ ﻓﻴﻬم اﻹطﺎرات أﻨﻔﺴﻬم ﻴﺘوﻫﻤون ﺒﺄن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘوظﻴف ﻻﺴﻴﻤﺎ ﺘوظﻴف اﻹطﺎرات، ﺘﻨدرج ﻓﻲ إطﺎر اﻟﻤﻨطق اﻟﺘﻘﻨﻲ ﻓﺤﺴب. واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﻟواﻗﻊ، ﺤﺴب اﻟﺒﺎﺤث ﻨﻔﺴﻪ، ﻟﻴس ﻛذﻟك، ﻷن ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺘوظﻴف اﻹطﺎرات ﺨﺎﻀﻌﺔ ﻟﻤﻨطق اﻟﺘﻨظﻴم ﻛﻤؤﺴﺴﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﻓﺎﻷوﻟوﻴﺔ ﺘﻤﻨﺢ ﻻﺴﺘﻌدادات اﻹطﺎر، اﻟذي ﻴرﻏب ﻓﻲ اﻻﻟﺘﺤﺎق ﺒﺎﻟﻤﻨﺼب اﻟﻤﻘﺘرح،
1 - Ibid., p.297.
2 - Ibid., p.298.
إﻟﻰ ﺘﺒﻨﻲ اﻟﻤﻌﺎﻴﻴر واﻟﻘﻴم اﻟﺴﺎﺌدة ﻓﻲ اﻟﺘﻨظﻴم ﻷﻨﻬﺎ ﺘﻤﺜﻝ اﻟرﻛﺎﺌز اﻟﻌﻘﺎﺌدﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻴﺴﺘﻨد إﻟﻴﻬﺎ وﺠودﻫﺎ ﻛﻤؤﺴﺴﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺘﺴﺎﻫم ﻓﻲ ﺘرﺴﻴﺦ وٕاﻋﺎدة إﻨﺘﺎج اﻟﻨظﺎم واﻟرؤى اﻟﺴﺎﺌدة أﻛﺜر ﻤﻤﺎ ﻫﻲ وﺤدة اﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ.
أﻤﺎ "م.ﺒووار" و"إ.ﻛوﻫن" Cohen) E. et Bauer (M.، ﻓﻘد اﻫﺘﻤﺎ ﺒدورﻫﻤﺎ ﺒﻘﻀﻴﺔ ﻻ ﺘﻘﻝ أﻫﻤﻴﺔ ﻋن ظروف وﺨﻠﻔﻴﺎت ﺘوظﻴف اﻹطﺎرات. إﻨﻬﺎ ﻤﻌﻀﻠﺔ اﻟﺴﻠطﺔ داﺨﻝ اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت
1983
وﺤظ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻌﻤﻠﻴﺔ ﻤﻌﻘدة وذات أﺒﻌﺎد ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ. ﻓﻔﻲ دراﺴﺔ ﻨﺸرت ﺴﻨﺔ
ﺘﺤت ﻋﻨوان "ﺤدود ﺴﻠطﺔ اﻹطﺎرات"، ﺘﺴﺎءﻝ اﻟﺒﺎﺤﺜﺎن ﻋن ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺘﺤدﻴد ﺒﻨﻴﺔ اﻟﺴﻠطﺔ داﺨﻝ ﻤﺠﻤوﻋﺎت ﻗﻴﺎدة اﻟﻤؤﺴﺴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ. ﻟﻘد ﻛﺎن ﻫدﻓﻬﻤﺎ ﻫو ﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻛﺸف ﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎﻨت اﻟﺴﻠطﺔ داﺨﻝ اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت اﻟﻔرﻨﺴﻴﺔ اﻟﻛﺒرى ﺘﺘوﻗف ﻋﻠﻰ ﻤﺠﻤوﻋﺎت "أوﻟﻴﺠﺎرﻛﻴﺔ" ﻀﻴﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﻴﻘﺘرح ذﻟك ﻗﺎﻨون "روﺒرت ﻤﻴﺘﺸﻠز"، أم أن ﻟﻺطﺎرات اﻟوﺴطﻰ واﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن ﺤظ ﻓﻲ ذﻟك. (1)
إن أﻫﻤﻴﺔ ﻫذا اﻟﺘﺴﺎؤﻝ ﺘزداد ﻓﻲ ﻨظر "ﺒووار" و"ﻛوﻫن"، ﺒﺤﻛم أن اﻟﺸرﻛﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، ﺨﺎﺼﺔ اﻟﻛﺒرى، ﻗد أﺼﺒﺤت ﺘﺸﻛﻝ ﻋﺎﻤﻝ ﺘﺄﺜﻴر وﺘﻐﻴﻴر ﻛﺒﻴرﻴن ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﻐرﺒﻲ، وﻫو ﻤﺎ ﻴﺠﻌﻝ ﻤن اﻟﺒﺤث ﻓﻲ طرق ﻤﻤﺎرﺴﺔ اﻟﺴﻠطﺔ داﺨﻝ ﺘﻠك اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت أﻤرا ﺒﺎﻟﻎ اﻷﻫﻤﻴﺔ.(2) إن ﺘﻠك اﻟدراﺴﺔ ﺘﺄﺘﻲ، ﺤﺴﺒﻬﻤﺎ، ﻓﻲ وﻗت زﻋﻤت ﻓﻴﻪ اﻟﻌدﻴد ﻤن اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﻤﻌﺎﺼرة أن اﻟطروﺤﺎت اﻟﻛﻼﺴﻴﻛﻴﺔ اﻟﺒﻴروﻗراطﻴﺔ اﻟﻔﻴﺒرﻴﺔ، وﻛذﻟك اﻷوﻟﻴﻐﺎرﻛﻴﺔ ﻟﻤﻴﺘﺸﻠز ﻟم ﺘﻌد ﻤﻌﺒرة ﻋن ﺤﻘﻴﻘﺔ ﻤﺎ ﻴﺠري داﺨﻝ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت واﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺼرة.
ﻓـ"ﻏﺎﻟﺒرث" (Galbraith) ادﻋﻰ أن ﻗﻴﺎدة اﻟﻤﻨﺸﺂت واﺘﺨﺎذ اﻟﻘرارات ﻓﻴﻬﺎ ﻟم ﺘﻌد ﺤﻛرا ﻋﻠﻰ ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻤن اﻟﻘﺎدة اﻟﻛﺒﺎر ﺒﻝ ﻟﻘد أﺼﺒﺤت ﻓﻲ ﺘﻘدﻴرﻩ ﻤن ﻤﻬﺎم ﻨﺴق واﺴﻊ ﻤن "اﻟﺘﻛﻨرﻗراط" ﻴﺘﺸﻛﻝ ﻤن ﻤﺠﻤوع إطﺎرات اﻟﻤؤﺴﺴﺔ. إن اﻟﻘﺎدة اﻟﻛﺒﺎر ﻟم ﻴﻌودوا ﻗﺎدرﻴن ﻋﻤﻠﻴﺎ إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺼﺎدﻗﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘرارات اﻟﺘﻲ ﺘﺘﺨذ ﻤن ﺨﻼﻝ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﻋدﻴدة وﻤﻌﻘدة ﻓرﻀﺘﻬﺎ طﺒﻴﻌﺔ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺘﺘﺸﻛﻝ ﻤﻨﻬﺎ ﺤﻴﺎة اﻟﻤؤﺴﺴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺼرة وﻛذﻟك اﻻﻋﺘﻤﺎد اﻟﻤﺘزاﻴد ﻋﻠﻰ ﻤؤﻫﻼت اﻟﻴد اﻟﻌﺎﻤﻠﺔ ذات اﻟﻘدرات واﻟﻛﻔﺎءات اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ.
وﻴﺸﻴر "ﺒووار" و"ﻛوﻫن"، ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺴﻴﺎق أﻴﻀﺎ، إﻟﻰ أن اﻟﻌدﻴد ﻤن اﻟﺒﺎﺤﺜﻴن أﻛدوا ﻓﻲ ﻤﻨﺎﺴﺒﺎت ﻛﺜﻴرة، ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻤن اﻟﺼﻌب اﻟﺘﻤﻴﻴز ﻤﺒدﺌﻴﺎ ﺒﻴن اﻟﻘرارات اﻻﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺔ وﻏﻴرﻫﺎ ﻤن
1 - Michel Bauer et Elie Cohen, « Les limites du pouvoir des cadres », Revue de sociologie du travail, 3/80, 22ème année Juillet / Août 1980, p.276.
2 - Ibid., p.277
اﻟﻘرارات اﻷﺨرى، ﺤﺘﻰ ﻴﺘم اﻟزﻋم ﺒﺄن اﻷوﻟﻰ ﺘﻌد ﻤن اﺨﺘﺼﺎص ﻓﺌﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻤن ﻛﺒﺎر اﻟﻤﺴؤوﻟﻴن واﻟرؤﺴﺎء، وأن اﻟﺼﻨف اﻟﺜﺎﻨﻲ ﻴﻤﻛن أن ﻴﺸﺎرك ﻓﻴﻪ ﺒﻘﻴﺔ اﻹطﺎرات. ﻓﻤﺎ ﻴﺴﻤﻰ ﺒﺎﻟﻘرارات اﻻﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺔ ﻓﻲ ﻨظر ﻫؤﻻء اﻟﻤﻌﺘرﻀﻴن ﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺤﻘﻴﻘﺔ اﻷﻤر ﺴوى ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻛﺜﻴرة ﻤن اﻟﻘرارات اﻟﺼﻐﻴرة، ﻏﻴر اﻟﻤﺘﺠﺎﻨﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻴﻤﻛن اﻟﺘﻌرف ﻋﻠﻰ طﺎﺒﻌﻬﺎ اﻻﺴﺘراﺘﻴﺠﻲ إﻻ ﺒﻌد أن ﻴﺘم اﺘﺨﺎذﻫﺎ، ﺒﻝ وﺒﻌد أن ﺘﺘﻀﺢ ﻨﺘﺎﺌﺠﻬﺎ، وﻟن ﻴﻛون ذﻟك إﻻ ﺒﻌد ﻤدة زﻤﻨﻴﺔ ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻤن ﺘﺎرﻴﺦ اﺘﺨﺎذﻫﺎ.
وﻛﻤﺜﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻷطروﺤﺔ، ﻴﺸﻴر "ﺒووار" و"ﻛوﻫن" إﻟﻰ ﻤﺎ اﻗﺘرﺤﻪ ﻛﻝ ﻤن "ﺴﻴﺎرت"
و"ﻤﺎرش" ) March et (Ceyert، ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻤؤﺴﺴﺔ، و"ﻟﻨدﺒﻠوم" ) (Lindblom ﻓﻴﻤﺎ ﺘﻌﻠق
ﺒﺎﻟﻘرارات اﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ. ﻟﻘد رﻓض ﻫؤﻻء، ﺤﺴب "ﺒووار" و"ﻛوﻫن"، اﻻﻋﺘراف ﺒوﺠود ﻓﻌﻠﻲ ﻟﻤﺎ ﻴﺴﻤﻰ ﺒـ "اﻟﻘرارات اﻻﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺔ"، ﺤﻴث ﻴؤﻛدون ﻋﻠﻰ أﻨﻪ ﻤن اﻟﻤﻔﻴد أن ﻨﻠﺢ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﺎﻓﺔ وﺘﻌﻘد اﻟﻌواﻤﻝ اﻟﺘﻲ ﺘﺘﺤﻛم ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﺘﺨﺎذ اﻟﻘرار ﻤن ﺒداﻴﺘﻬﺎ إﻟﻰ ﻨﻬﺎﻴﺘﻬﺎ وﻫو ﻤﺎ ﻴﻔرض ﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻋدد ﻛﺒﻴر ﻤن أﻓراد اﻟﺘﻨظﻴم، ﺨﺎﺼﺔ ﻤن ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات، ﻓﻲ ﺼﻨﻊ ﺘﻠك اﻟﻘرارات. (1)
إﻻ أن ﻤﻼﺤظﺔ ﻤﺎ ﻴﺤدث داﺨﻝ ﻓرق اﻟﻘﻴﺎدة ﻓﻲ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت وﺘﺤﻠﻴﻝ ﺘﻠك اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺘؤﻛد ﺤﺴب "ﺒووار" و"ﻛوﻫن"، أن اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ اﻟﺴﺎﺤﻘﺔ ﻤن اﻹطﺎرات واﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن ﻤﺒﻌدون ﻋن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﺘﺨﺎذ اﻟﻘرار وﻤن اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ، وٕان ﻛﺎن ﺒﻌﻀﻬم ﻴﺘﻤﺘﻊ ﺒﻘدر ﻤن اﻻﺴﺘﻘﻼﻟﻴﺔ وﺒﺸﻲء ﻤن اﻟﺴﻠطﺔ، ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺘﺒﻘﻰ ﺴﻠطﺔ "ﺘﺎﺒﻌﺔ." وﻴﺘوﺼﻝ "ﺒووار" و"ﻛوﻫن" إﻟﻰ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻤؤداﻫﺎ أن ﻫﻨﺎك ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ إﻤﻛﺎﻨﻴﺔ اﻟﺘﻤﻴﻴز، ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻝ اﻟﺴﻠطﺔ واﺘﺨﺎذ اﻟﻘرار ﻀﻤن اﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻟﻘﻴﺎدﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، ﺒﻴن ﻋدة ﻤﺴﺘوﻴﺎت. ﻤﺴﺘوى ﻗﻴﺎدي، وﻴﺘﻀﻤن ﻋدد ﻤﺤدود ﻤن اﻷﻓراد اﻟذﻴن ﻴﺤﺘﻛرون اﻟﻘرارات اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺒوﻀﻊ اﻟﺴﻴﺎﺴﺎت اﻟﻛﺒرى ﻓﻲ اﻟﻤؤﺴﺴﺔ، ﻛﺘﻨﻤﻴﺔ اﻷﻨﺸطﺔ واﻻﺴﺘﺜﻤﺎر، وﻫم ﻴﺴﻴطرون ﻋﻠﻰ ﻤﺠرﻴﺎت ﺘﺤدﻴد اﻟﺘوﺠﻬﺎت اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ ﻤﺠﺎﻻت أﻨﺸطﺔ اﻟﻤؤﺴﺴﺔ. وﻤﺴﺘوى أدﻨﻰ وﻴﺸﻤﻝ اﻟﻐﺎﻟﺒﻴﺔ اﻟﻌظﻤﻰ ﻤن اﻹطﺎرات واﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن اﻟذﻴن ﻴﺴﺎﻫﻤون ﻓﻲ ﺼﻨﻊ اﻟﻌدﻴد ﻤن اﻟﻘرارات ذات اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻨوﻴﺔ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻘرارات اﻟﻤﺴﺘوى اﻟﺴﺎﺒق.
إن ذﻟك ﻴﻌﻨﻲ، ﺤﺴب "ﺒووار" و"ﻛوﻫن"، أن اﻹطﺎرات، ﺒﺎﺴﺘﺜﻨﺎء اﻟﻘﻴﺎدﻴﻴن ﻤﻨﻬم، ﻴﺘواﺠدون ﻓﻲ وﻀﻌﻴﺔ ﺘﺒﻌﻴﺔ ﻷﻋﻀﺎء اﻟﻤﺴﺘوى اﻷوﻝ، وأن ﻨﻤط ﻤﻤﺎرﺴﺔ اﻟﺴﻠطﺔ ﻓﻲ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ اﻟﻛﺒرى، اﻟﻤﺘﺴﻤﺔ ﺒﺎﻟﻠﻴوﻨﺔ، ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﺎﻟﻨﻤط اﻟﺒﻴروﻗراطﻲ اﻟﻛﻼﺴﻴﻛﻲ،
1 - Ibid., p.287.
ﻴﻤﻨﺢ اﺴﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻤﺤدودة ﻷﻏﻠﺒﻴﺔ اﻟﻔﺌﺎت اﻟﺘﺄطﻴرﻴﺔ، وٕان ﻛﺎن ﻴﻌطﻲ ﻓﻲ ﺒﻌض اﻷﺤﻴﺎن، ﻟﻺطﺎرات اﻟﻤﺘوﺴطﺔ واﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن اﻹﺤﺴﺎس ﺒﺎﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺘﺤدﻴد اﻟﺴﻴﺎﺴﺎت. وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ، ﻓﻬو ﻴﺴﻤﺢ ﺒﺨﻠق وﻀﻌﻴﺔ ﺘﺴﺎﻋد اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻘﻴﺎدﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺒﺴط ﺴﻴطرﺘﻬﺎ وﻫﻴﻤﻨﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺸراﺌﺢ واﺴﻌﺔ ﻤن اﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻟوﺴطﻰ .(1) وﻫو اﻟﺒﻌد اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻘﻀﻴﺔ ﻗد ﺘﺒدو ﻟﻠوﻫﻠﺔ اﻷوﻟﻰ، ﻗﻀﻴﺔ
ﺘﻨظﻴﻤﻴﺔ ﺒﺤﺘﺔ.
إن ﻤﺎ ذﻫب إﻟﻴﻪ "ﺒووار" و"ﻛوﻫن"، ﻓﻲ اﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺒﻴن ﻓﺌﺎت اﻟﻘﻴﺎدة واﻟﺘﺄطﻴر، ﻴﻘودﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﺴﺎؤﻝ ﻋن اﻨﻌﻛﺎس ﺘﻠك اﻟوﻀﻌﻴﺔ ﻋﻠﻰ وﻋﻲ أﻓراد ﺘﻠك اﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت ﺒﻤواﻗﻌﻬم وطﻤوﺤﺎﺘﻬم. ﻓﻬﻝ ﺘﻠك اﻟوﻀﻌﻴﺔ ﺘؤدي إﻟﻰ ﺘﻨﺎﻤﻲ اﻟوﻋﻲ أو إﻟﻰ اﻟﺤد ﻤﻨﻪ ؟ ﻫﻝ اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ واﻻﻨﻘﺴﺎم ﺘؤدي إﻟﻰ اﻟوﻋﻲ واﻻﻨﺴﺠﺎم وﺘﻘوﻴﺔ اﻟﺸﻌور ﺒﺎﻟﻬوﻴﺔ اﻟﻤﺸﺘرﻛﺔ وﺨﺼوﺼﻴﺎﺘﻬﺎ ؟ أم أن اﻷﻤر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻛس ﻤن ذﻟك ؟ وأﻨﻬﺎ ﺘؤدي إﻟﻰ إﻀﻌﺎف اﻟوﻋﻲ واﻟﺤد ﻤن اﻟطﻤوﺤﺎت وﻤن ﺒروز ﻤﻌﺎﻟم ﻫوﻴﺔ ﻤﺘﻤﻴزة وﺨﺼﺎﺌص اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وﻤﻬﻨﻴﺔ ﻤﻌﻴﻨﺔ ﻟدى ﺘﻠك اﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت وﻫﻲ اﻟﺘﺴﺎؤﻻت اﻟﺘﻲ ﺴﻨطﻤﺢ ﻟﻺﺠﺎﺒﺔ ﻋﻨﻬﺎ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻹطﺎرات اﻟﻤؤﺴﺴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ اﻟﻌﻤوﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺠزاﺌر ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻤرﺤﻠﺔ اﻟﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻤن ﺘطور اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺠزاﺌري اﻟﻤﻌﺎﺼر.
.2.1.3 اﻹطﺎ ارت واﻟﺼ ارع اﻟطﺒﻘﻲ :
ﻤن اﻟﻤﺘوﻗﻊ أن ﻴﻛون ﻤوﻀوع ﻓﺌﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﺜﻝ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻗد ﻨﺎﻝ اﻫﺘﻤﺎم اﻟﺒﺎﺤﺜﻴن اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﻴن، وﻓﻘﺎ ﻟﻠرؤى واﻷطروﺤﺎت اﻟﻌﺎﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻤﻴز ﻫذا اﻟﺘﻴﺎر اﻟﻔﻛري، ﺨﺎﺼﺔ إﺒﺎن اﻟﻔﺘرة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻴﺤﺘﻝ ﻓﻴﻬﺎ ﻤوﻗﻌﺎ ﻫﺎﻤﺎ ﺒﻴن اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت اﻟﻔﻛرﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ. وﻴﻤﻛن ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺼدد، أن ﻨﺸﻴر إﻟﻰ ﻋﻴﻨﺔ ﻤن ﺘﻠك اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت ﻤﺠﺴدة ﻓﻲ ﻤﺤﺎوﻟﺘﻴن، اﻷوﻟﻰ ﻟﺼﺎﺤﺒﻬﺎ "ﺠون دﻟﻤﺎرﻝ" Delmarle) (Jean واﻟﺜﺎﻨﻴـﺔ ﻟﻤﺠﻤوﻋـﺔ ﻤن اﻟﺒﺎﺤﺜﻴن ﺒﻘﻴﺎدة "أ.ﻛﺎزاﻨوﻓﺎ" .(A.Casanova)
ﻟﻘد ﺘﻨﺎوﻝ "دﻟﻤﺎرﻝ" ﻤوﻀوع اﻹطﺎرات ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر ﻓﻲ ﻀوء اﻟﻘﻀﻴﺔ اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﺔ اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ "ﺼراع اﻟطﺒﻘﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ." إذ ﺤﺎوﻝ اﻟﺒﺎﺤث أن ﻴﺤدد ﻤوﻗﻊ ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻓﻲ ﺤرﻛﺔ اﻟﺼراع اﻟطﺒﻘﻲ، ﻤﻌﺘﻤدا ﻓﻲ ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻤؤﺸرات أرﺒﻌﺔ اﻋﺘﺒرﻫﺎ أﺴﺎﺴﻴﺔ ﻟﻺﺠﺎﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴؤاﻝ اﻟﻤطروح وﻫﻲ : وظروف اﻟﺤﻴﺎة، ﻋﻼﻗﺔ اﻹطﺎرات ﺒﺎﻟﺴﻠطﺔ داﺨﻝ اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت، واﻟﻌﻨﺎﺼر اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻤﻴز أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻋن ﻏﻴرﻫم ﻤن أﻓراد اﻟﻔﺌﺎت
1 - Ibid., pp. 298-299.
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻷﺨرى ﻤن ﺤﻴث رؤﻴﺘﻬم ﻟﻠﻌﺎﻟم، وﻗﻀﺎﻴﺎﻩ اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ وأﺨﻴرا : طﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﺸروع اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟذي ﻴﻤﻛن أن ﻴﺸﻛﻝ طﻤوﺤﺎ ﻟﻬذﻩ اﻟﻔﺌﺔ وذﻟك ﻤن ﺨﻼﻝ اﻟﻛﺸف ﻋن طﺒﻴﻌﺔ اﻷﻫداف اﻟﺘﻲ ﻴﺴﻌﻰ أﻓرادﻫﺎ إﻟﻰ ﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ.
ﻓﻲ ﺒداﻴﺔ ﺘﺤﻠﻴﻠﻪ، ﻴﺸﻴر "دﻟﻤﺎرﻝ" إﻟﻰ أن اﻹطﺎرات ﻴﻌﺘﺒرون ﺒﺤق ﻤن ﻤﺤظوظﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻲ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر. واﻟدﻟﻴﻝ ﻋﻠﻰ ذﻟك أن ﺠﻤﻴﻊ اﻹﺤﺼﺎءات اﻟﻤﺘوﻓرة ﺘﺒﻴن أن ﻤﺴﺘوﻴﺎت دﺨﻠﻬم وﺤظوظ اﻟﺘﺤﺎق أﺒﻨﺎﺌﻬم ﺒﺎﻟﺠﺎﻤﻌﺎت واﻟﻤدارس اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻛﺒﻴرة. إﻨﻬم ﻓﻲ رأﻴﻪ، اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻟﻤﻬﻨﻴﺔ اﻷﻛﺜر اﺴﺘﻔﺎدة ﻤن ﻏﻴرﻫﺎ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﺎﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻟﻤﻬﻨﻴﺔ اﻷﺨرى. وﻴؤﻛد "دﻟﻤﺎرﻝ" أﻴﻀﺎ ﻋﻠﻰ أن ﻛﻝ اﻟﻤﻌطﻴﺎت اﻟﻤﺘﺎﺤﺔ ﺘﺸﻴر إﻟﻰ أن اﻹطﺎرات ﻴﺘواﺠدون ﻓﻲ طﻠﻴﻌﺔ ﻤﺴﺘﻬﻠﻛﻲ اﻟﺴﻠﻊ واﻟﺨدﻤﺎت، وﻛﻝ ﻤﺎ ﻴﻨﺘﺠﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻲ. وﻤﻊ ذﻟك، ﻓﺈن اﻟﺒﺎﺤث ﻴﻠﻔت اﻻﻨﺘﺒﺎﻩ إﻟﻰ أن ﻫذﻩ اﻟوﻀﻌﻴﺔ ﻻ ﻴﺠب أن ﺘﺤﺠب ﻋن أﻋﻴﻨﻨﺎ ﺤﻘﻴﻘﺔ أﺨرى ﻻ ﺘﻘﻝ أﻫﻤﻴﺔ ﻋن اﻟﺴﺎﺒﻘﺔ وﻫﻲ : اﻟﺘﻔﺎوت واﻟﺘﺒﺎﻴن اﻟﻤوﺠود ﺒﻴن ﻤﺨﺘﻠف ﻤﺴﺘوﻴﺎت أﻓراد، وﻓﺌﺎت اﻟﺘﺄطﻴر أﻨﻔﺴﻬم.
وﻴؤﻛد "دﻟﻤﺎرﻝ" ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى أن وﻀﻌﻴﺔ اﻹطﺎرات، ﺒﺎﻟرﻏم ﻤﻤﺎ ﻴﻤﻴزﻫﺎ ﻤن إﻴﺠﺎﺒﻴﺎت، ﻟﻴﺴت ﺨﺎﻟﻴﺔ ﻤن اﻟﻤﺸﻛﻼت واﻷزﻤﺎت، اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. إن اﻟﺴﺒب ﻓﻲ ذﻟك ﻴﻛﻤن ﻓﻲ اﺘﺠﺎﻩ اﻟﻨﻤو اﻟﻌﺎم ﻟﻤﺴﺘوى ﻤﻌﻴﺸﺔ ﻛﺎﻓﺔ أﻓراد اﻟﻔﺌﺎت واﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻷﺨرى ﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟرﻓﺎﻫﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻤرة اﻟﺘﻲ ﻋرﻓﺘﻬﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺼرة وﻫو ﻤﺎ أدى، ﻓﻲ رأﻴﻪ، إﻟﻰ اﻨﻌﻛﺎس ذﻟك ﺴﻠﺒﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﻌﺎﻤﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ أﻓراد اﻟطﺒﻘﺎت اﻟوﺴطﻰ وﻤن ﻀﻤﻨﻬﺎ إطﺎرات اﻟﻤؤﺴﺴﺎت. وذﻟك ﺒﻌد أن ﺘﻘﻠﺼت ﻓرص اﻻرﺘﻘﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ أﻤﺎﻤﻬﺎ. وﻗد ﻨﺘﺞ ﻋن ذﻟك أن ﺘراﺠﻊ اﻟﺸﻌور ﺒﺎﻟﻤﻛﺎﻨﺔ واﻟﻬوﻴﺔ اﻟﻤﺘﻤﻴزة اﻟذي ﻛﺎن ﻴﻤﻴز اﻹطﺎرات ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﺎﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻟﻤﻬﻨﻴﺔ اﻷﺨرى. (1)
أﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻴﺘﻌﻠق ﺒﺎﻟﻤؤﺸر اﻟﺜﺎﻨﻲ، اﻟﻤرﺘﺒط ﺒﻌﻼﻗﺔ اﻹطﺎرات ﺒﻤراﻛز اﻟﻘرار داﺨﻝ اﻟﺘﻨظﻴم، ﻴرى "دﻟﻤﺎرﻝ" أن ﻤوﻗﻌﻬم ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻤﺠﺎﻝ ﻗد ﻋرف ﺘﻘﻬﻘرا أﻴﻀﺎ ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﻤﺎ ﻛﺎﻨت ﻋﻠﻴﻪ وﻀﻌﻴﺘﻬم ﻓﻲ اﻟﻤﺎﻀﻲ. ﻟﻘد ﻛﺎﻨوا ﻴﺤﺘﻠون ﻤﻛﺎﻨﺔ ﺒﺎرزة وﻤواﻗﻊ ﻤﺤﺼﻨﺔ ﻓﻲ ﻨﺴق ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺴﻠطﺔ. وﻛﺎن ذﻟك ﻨﺎﺘﺞ ﻋن ﻗرﺒﻬم ﻤن ﻤﺎﻟﻛﻲ وﺴﺎﺌﻝ اﻹﻨﺘﺎج وﻤﺸﺎرﻛﺘﻬم اﻟﻤﺒﺎﺸرة ﻓﻲ ﺼﻨﻊ اﻟﻘرار داﺨﻝ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت. واﻟﺘراﺠﻊ اﻟﻤﺸﺎر إﻟﻴﻪ ﻴﻌود، ﺤﺴب "دﻟﻤﺎرﻝ" إﻟﻰ اﻟﺘطور اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ
1 - Jean Delmarle, Classes et luttes de classes, op. cit. Pp. 86-87.
واﻟﺘﻨظﻴﻤﻲ اﻟذي أدى ﺘدرﻴﺠﻴﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﺼﻝ ﺒﻴن ﻤﻠﻛﻴﺔ وﺴﺎﺌﻝ اﻹﻨﺘﺎج وﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺴﻴﻴر وظﻬور ﻋدد ﻛﺒﻴر ﻤن ﻤﺴﺘوﻴﺎت وﻤﻨﺎﺼب اﻟﺘﺄطﻴر واﻟﻘﻴﺎدة. وﻤن ﺜم ﻟم ﻴﻌد اﻹطﺎر، ﻓﻲ ظﻝ اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺤدﻴﺜﺔ، إﻻ ﻤﺠرد ﻤﻨﻔذ ﻟﻘرارات ﺘﺼﻨﻊ ﻓﻲ ﻤﻌظم اﻷﺤﻴﺎن ﻓﻲ أﻤﺎﻛن ﺒﻌﻴدة ﻋﻨﻪ ودون أﻴﺔ ﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻤﻨﻪ.
وﻴواﺼﻝ "دﻟﻤﺎرﻝ" ﺘﺤﻠﻴﻠﻪ ﺒﺎﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ أن ﻛﻝ ﻫذﻩ اﻟﺘﺤدﻴﺎت ﻗد أدت إﻟﻰ ﺒروز وﻋﻲ ﻟدى اﻹطﺎرات ﺒﺎﻟﺨطر اﻟذي ﺒﺎت ﻴﻬدد ﻤواﻗﻌﻬم وﺘﺠﻠﻰ ذﻟك اﻟوﻋﻲ، ﻓﻲ ﺸﻛﻝ ﺤرﻛﺎت اﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ وﻤطﻠﺒﻴﺔ، ﻤﻤﺎ ﻴﺴﻤﺢ ﺒطرح ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻟﺘﺴﺎؤﻻت ﺤوﻝ طﺒﻴﻌﺔ ﺘﻠك اﻟﺤرﻛﺎت،
وﻗوﺘﻬﺎ، وﺤظوظﻬﺎ، وﺘﺄﺜﻴرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺼراع ﺒﻴن اﻟطﺒﻘﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .(1) وﻟم ﻴﻤﻨﻊ ﻫذا
اﻟﻤوﻗف "دﻟﻤﺎرﻝ" ﻤن اﻟﺘوﺼﻝ إﻟﻰ اﻟﺤﻛم ﺒﺄن أﻏﻠﺒﻴﺔ اﻹطﺎرات ﻛﺎﻨت داﺌﻤﺎ ﺘرﻓض ﻓﻛرة اﻟﺼراع اﻟطﺒﻘﻲ ﻷﻨﻬﺎ ﺘﺤﻤﻝ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬم، ﺘﻬدﻴدا ﺤﻘﻴﻘﻴﺎ ﻟﻼﺴﺘﻘرار واﻟﺘوازن اﻟﺘﻲ ﻴﺤﺒذﻫﺎ اﻹطﺎرات.
إن اﻟﺘﺨوف اﻟذي ﻴﺒدﻴﻪ اﻹطﺎرات ﻤن ﻓﻛرة اﻟﺼراع اﻟطﺒﻘﻲ، ﻴﻌود، ﺤﺴب "دﻟﻤﺎرﻝ"، إﻟﻰ طﺒﻴﻌﺔ ﻤﺎ ﻴﺤﻤﻠوﻨﻪ ﻤن ﻗﻴم وﻤﻌﺎﻴﻴر ذات اﻟﻨزﻋﺔ "اﻟﺒرﺠوازﻴﺔ" اﻟﺘﻲ ﺘﻬﻴﻤن ﻋﻠﻰ أذﻫﺎن وﺘﺼورات أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ، ﻛﻨﺘﻴﺠﺔ ﻤﻨطﻘﻴﺔ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻨﺸﺌﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺨﻀﻌوا ﻟﻬﺎ. وﻫﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻤﻌﻘدة ﺘﺸﺎرك ﻓﻴﻬﺎ، ﺤﺴب رأﻴﻪ، اﻟﻌدﻴد ﻤن اﻟﻤؤﺴﺴﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻴرﺘﻛز ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻐرﺒﻲ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر. إن ﺘﻠك اﻟﻘﻴم ﺘﺘﺠﺴد ﻓﻲ ﺘﻔﻀﻴﻝ اﻹطﺎرات ﻟﻠﻌﻤﻝ اﻟﻔردي ﻋﻠﻰ اﻟﺤرﻛﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﻴﺔ، وﻓﻲ اﺘﺨﺎذﻫم ﻟﻤواﻗف ﻤﻌﺎرﻀﺔ ﻟﻠﺤرﻛﺎت اﻟﻨﻘﺎﺒﻴﺔ اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ.
وﻴﺨﺘم "دﻟﻤﺎرﻝ" دراﺴﺘﻪ ﺒﺎﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ أن ذﻟك ﻟم ﻴﻤﻨﻊ ﻤن ﺘواﺠد ﻋدد، وٕان ﻛﺎن ﻤﺤدودا، ﻤن اﻹطﺎرات اﻟذﻴن "ﺘﻔطﻨوا" إﻟﻰ طﺒﻴﻌﺔ اﻟدور اﻟذي ﺘﻬﻴؤﻫم اﻟﻤؤﺴﺴﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻷداﺌﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻲ اﻟذي ﻴﻨﺘﻤون إﻟﻴﻪ. ﻟﻘد اﻗﺘﻨﻊ ﻫذا اﻟﺠزء ﻤن اﻹطﺎرات، ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎدﻩ، ﺒﺄن ﻤﻬﻤﺘﻬم ﻻ ﻴﻨﺒﻐﻲ أن ﺘﺒﻘﻰ ﻤﺠرد "ﺘﻨﻔﻴذ ﻋﻠﻤﻲ" ﻟﻠﻘرارات اﻟﺘﻲ ﺘﺘﺨذﻫﺎ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻟﻘﻴﺎدﻴﺔ اﻟﻤﻬﻴﻤﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻤﺘﻠك اﻟﺴﻠطﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ اﻟﻘﺎﺌﻤﺔ، ﻓﻲ آﺨر اﻟﻤطﺎف، ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻛﻴﺔ اﻟﺨﺎﺼﺔ ﻟوﺴﺎﺌﻝ اﻹﻨﺘﺎج. وﻫو ﻤﺎ دﻓﻊ ﺘﻠك اﻟﻔﺌﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﺤرك ﻤن أﺠﻝ إﻴﺠﺎد وﺴﺎﺌﻝ وﺴﺒﻝ ﺘﻐﻴﻴر اﻷﺴس واﻟدﻋﺎﺌم اﻟﺘﻲ ﻴﻘوم ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨظﺎم اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻲ ﺒرﻤﺘﻪ، وﻫو ﻤﺎ ﻴؤدي، ﻓﻲ
1 - Ibid., pp.91-92.
ﺘﺼورﻩ، إﻟﻰ ﺘﻘﻠﻴص اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺒﻴن ﻫؤﻻء اﻹطﺎرات واﻟﺤرﻛﺔ اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﻨﺎﻋﺎﺘﻬﺎ
وطﻤوﺤﺎﺘﻬﺎ. ▸..
وٕاﻨطﻼﻗﺎ ﻤن اﻟﻘﻨﺎﻋﺎت اﻟﻔﻛرﻴﺔ ﻨﻔﺴﻬﺎ، ذﻫﺒت ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻟﺒﺎﺤﺜﻴن ﺒﻘﻴﺎدة "أ.ﻛﺎزاﻨوﻓﺎ" Casanova) (A. إﻟﻰ ﻤﺤﺎوﻟﺔ ﺘﺤدﻴد طﺒﻴﻌﺔ اﻟدور اﻟﻤﺘوﻗﻊ أداؤﻩ ﻤن طرف ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺼراع اﻟطﺒﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻔرﻨﺴﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر. وﻗد ﺒدأت ﻫذﻩ اﻟدراﺴﺔ ﺒﺎﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﻤﺜﻘﻔﻴن ﻻ ﻴﺸﻛﻠون ﺸرﻴﺤﺔ ﻤﺘﺠﺎﻨﺴﺔ ﺒﻝ إﻨﻬم ﻋﺒﺎرة ﻋن ﻋدة ﻓﺌﺎت، ﻴﻨﺘﻤﻲ أﻓرادﻫﺎ إﻟﻰ أوﺴﺎط اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺸدﻴدة اﻟﺘﺒﺎﻴن، وﻫم ﻤوزﻋون ﻋﻠﻰ ﻤﺴﺘوﻴﺎت ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. وﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻔرﻨﺴﻲ اﻟذي ﻫو ﻤﻴدان اﻟﻤﻼﺤظﺔ واﻟﺘﺤﻠﻴﻝ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟدراﺴﺔ، ﻴرى "ﻛﺎزاﻨوﻓﺎ" وزﻤﻼؤﻩ أن اﻟﺘﺤوﻻت اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻤﺎ اﻨﻔﻛت ﺘطرأ ﻋﻠﻰ ﻤﻛﺎﻨﺔ اﻟﻤﺜﻘﻔﻴن ﻻ ﻴﻤﻛن ﻓﺼﻠﻬﺎ ﻋن اﻟﺘﺤوﻻت اﻟﻛﺒرى اﻟﺘﻲ ﻤﺴت ﻋﻼﻗﺎت اﻹﻨﺘﺎج، وﺨﺎﺼﺔ ذﻟك اﻟدور اﻟﻤﺒﺎﺸر اﻟذي أﺼﺒﺢ ﻴؤدﻴﻪ اﻟﻌﻠم ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻝ اﻹﻨﺘﺎج واﻟﺘﻨظﻴم واﻻزدﻫﺎر اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ ﺒروز ﺤﺎﺠﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﻛم ﻓﻲ اﻷﺴﺎﻟﻴب واﻟﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﻘﺎﺌﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﻬﺎرات ﺘﺴﺘﻨد إﻟﻰ ﺘﻛوﻴن ﻋﻠﻤﻲ ﻋﺎﻟﻲ.
إن ﺘﻠك اﻟﺘﺤوﻻت ﻫﻲ اﻟﺘﻲ أدت إذا إﻟﻰ ظﻬور اﻟﺤﺎﺠﺔ اﻟﻤﻠﺤﺔ إﻟﻰ ﺸرﻴﺤﺔ ﻤن اﻷﺠراء ﻴﺘﻤﻴزون ﺒﺎﻤﺘﻼك ﻗدرات ﻓﻛرﻴﺔ وﻋﻠﻤﻴﺔ وﺘﻘﻨﻴﺔ ﻤﻨﺎﺴﺒﺔ، ﻷداء ذﻟك اﻟدور اﻟﻀروري واﻟﻘﻴﺎم ﺒﺘﻠك اﻟﻤﻬﺎم واﻟوظﺎﺌف. ﺒﺘﻌﺒﻴر آﺨر، إن اﻟﺤﺎﺠﺔ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﻛم ﻓﻲ ﻤﺎ ﻴﻔرﻀﻪ إدﺨﺎﻝ اﻷﺴﺎﻟﻴب اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻝ اﻹﻨﺘﺎﺠﻲ وﻓﻲ اﻹدارة واﻟﺘﻨظﻴم، ﻫﻲ اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ ارﺘﻔﺎع أﻋداد اﻟﺘﻘﻨﻴﻴن واﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن ﺒﺸﻛﻝ ﻟم ﻴﻌرف ﻟﻪ ﻤﺜﻴﻝ ﻤن ﻗﺒﻝ. وﻗد ﻛﺎﻨت ﺘﻠك اﻷﻋداد ﻤرﺸﺤﺔ داﺌﻤﺎ ﻟﻼرﺘﻔﺎع(2).
وﺘرى اﻟدراﺴﺔ، إﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك، ﺒﺄﻨﻪ وﺒﺎﻟﻤوازاة ﻤﻊ ﺘﻨﺎﻤﻲ اﻟﺤﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﻤﻬﺎرات اﻹطﺎرات ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻝ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﺘﻨظﻴﻤﻲ واﻹﻨﺘﺎﺠﻲ، ﻓﺈن ﻋدد اﻟﻤﺸﻛﻼت اﻟﻤرﺘﺒطﺔ ﺒﺘﻠك اﻟﺤﺎﺠﺔ وﺤﺠﻤﻬﺎ ﻗد ﺘﻨﺎﻤت ﺒدورﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﻝ اﻟﻘطﺎﻋﺎت، وأﺼﺒﺤت ﺒدورﻫﺎ ﺘﺘطﻠب إﻤﻛﺎﻨﻴﺎت وﻛﻔﺎءات ﻤن أﺠﻝ إدارة وﺘﺴﻴﻴر اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.ّ وﻫﻲ اﻷﻨﺸطﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻤﺎ ﻴﻤﺘﻠﻛﻪ اﻹطﺎرات ﻤن ﻤؤﻫﻼت ﺘﻔرﻀﻬﺎ ﻤﺘطﻠﺒﺎت "اﻟﻌﻘﻼﻨﻴﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺔ واﻟﻨﺠﺎﻋﺔ واﻟﺘطور اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺘﻘﻨﻲ." وﻗد أدت ﻫذﻩ اﻟﻤﻘﺘﻀﻴﺎت إﻟﻰ أن اﻛﺘﺴﻰ دور اﻹطﺎرات أﻫﻤﻴﺔ ﻗﺼوى، ﺴواء ﻛﺎﻨوا
1 - Ibid., Pp. 222-223.
2 - A. Casanova, et al., Les intellectuels et les luttes de classes, Paris, éd. sociales, 1970, pp.11-20.
ﻤﻬﻨدﺴﻴن أو ﺘﻘﻨﻴﻴن، أو إدارﻴﻴن. ﻤن ﻫﻨﺎ أﻤﻛن اﻟﻘوﻝ، ﺤﺴب "ﻛﺎزاﻨوﻓﺎ" وزﻤﻼﺌﻪ، أن ﻫذﻩ اﻟﺜورة اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﺘﻛﻨوﻟوﺠﻴﺔ، ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺠﻌﻠت اﻹطﺎرات، ﺴواء ﻓﻲ ﻗطﺎع اﻹﻨﺘﺎج أو ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻝ اﻷﻨﺸطﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻷﺨرى، ﻴﺤﺘﻠون ﻤﻛﺎﻨﺔ ﺒﺎرزة وﻤوﻗﻊ ﺤﺴﺎس ﻻ ﻴﻤﻛن اﻻﺴﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﻪ. وﻟﻘد أﺼﺒﺢ ﻤن اﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻝ "وﻀﻊ أي إﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺔ ﺜورﻴﺔ دون أﺨذ ﻫذﻩ اﻟﺸرﻴﺤﺔ ودورﻫﺎ وﻤﺸﺎرﻛﺘﻬﺎ اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ ﺒﻌﻴن اﻻﻋﺘﺒﺎر.(1)"
ووﻓﻘﺎ ﻟﻬذﻩ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ، اﻋﺘﺒرت ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻟدراﺴﺔ ﻛﻼ ﻤن اﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن واﻹطﺎرات "ﻋﻤﺎﻻ ﻤﺜﻘﻔﻴن" ﻴﺘﻤﻴزون ﺒﺄداء وظﻴﻔﺔ "رﺒط اﻟﺘطور اﻟﻌﻠﻤﻲ ﺒﺎﻹﻨﺘﺎج." وﻴﻌﻨﻲ ذﻟك ﺒﺄن اﻹطﺎرات أﺼﺒﺤوا ﻤﻛﻠﻔﻴن ﺒﺘوﺜﻴق اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴن اﻟﻌﻠوم ﻤن ﺠﻬﺔ، واﻹﻨﺘﺎج وﻛﺎﻓﺔ اﻷﻨﺸطﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
اﻷﺨرى(2) ﻤن ﺠﻬﺔ ﺜﺎﻨﻴﺔ. وﻴﺨﻠص "ﻛﺎزاﻨوﻓﺎ" وزﻤﻼؤﻩ إﻟﻰ اﻟﺤﻛم ﺒﻌدم ﺠدوى اﻟﺘﻤﻴﻴز، ﻋﻨد
ﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﻤﺎ ﻴطرﺤﻪ اﻹطﺎرات ﻤن ﻗﻀﺎﻴﺎ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺒﻴن اﻹطﺎرات اﻟذﻴن ﻴﻨﺸطون ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻝ اﻟﺘﻘﻨﻲ واﻟذﻴن ﻴﻌﻤﻠون ﻓﻲ ﻤﻴﺎدﻴن اﻟﻘﻴﺎدة واﻹدارة، ﻷن ﻫذا اﻟﺘﻤﻴﻴز ﻓﻲ ﻨظرﻫم، ﻤﺼطﻨﻊ ﺒﺴﺒب ﺘداﺨﻝ ﻫذﻴن اﻟﺠﺎﻨﺒﻴن، إﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن اﻟﻤﺴﺎرات اﻟﻤﻬﻨﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻺطﺎرات، ﻛﺜﻴرا ﻤﺎ ﺘﺘﺴم ﺒﺎﻻﻨﺘﻘﺎﻝ ﻤن ﻫذا اﻟﻤﺠﺎﻝ إﻟﻰ ذاك اﻟﻤﺠﺎﻝ، وﻷن طﺒﻴﻌﺔ ﺘﻛوﻴن اﻹطﺎرات ﻓﻲ ﺤد ذاﺘﻪ، ﻴؤﻫﻠﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤوم إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻝ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎﻟﻴن اﻟﺘﻘﻨﻲ واﻹداري(3).
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن أﻨﻪ ﻗد ﺒﺎت ﻤن اﻟﺼﻌب اﻟﺘﻐﺎﻀﻲ ﻋﻤﺎ ﻓﻘدﺘﻪ اﻟﻸطروﺤﺎت اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﺔ ﻤن وزن ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺤﺔ اﻟﻔﻛرﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، ﺒﻌد اﻟذي ﺸﻬدﻩ اﻟﻌﺎﻟم ﻤن ﺘﺤوﻻت وﺘداﻋﻴﺎت ذﻟك ﻋﻠﻰ ﻤﻛﺎﻨﺔ اﻟﻨظرﻴﺔ اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﺔ اﻟﻛﻼﺴﻴﻛﻴﺔ وﻋﻠﻰ ﻤﺼداﻗﻴﺘﻬﺎ، ﻓﺈن ذﻟك ﻻ ﻴﻤﻨﻊ ﻓﻲ اﻟوﻗت ﻨﻔﺴﻪ ﻤن اﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن ﺘﻠك اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت ﻗد ﺴﺎﻋدت ﻋﻠﻰ اﻟﻛﺸف ﻋن ﺠواﻨب ﻛﺜﻴرة وﻤﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﺤﻴﺎة ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻤن ﺤﻴث ﻤوﻗﻌﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﻌواﺌق اﻟﻤوﻀوﻋﻴﺔ واﻟذاﺘﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﺘﺤﻛم ﻓﻲ طﺒﻴﻌﺔ وﻋﻲ اﻹطﺎرات ﺒﻬوﻴﺔ ﺨﺎﺼﺔ، وﺒﺄﻫﻤﻴﺔ ﻫذا اﻟوﻋﻲ ﻋﻠﻰ اﺴﺘﻌدادات أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ وﻤﻛﺎﻨﺘﻬﺎ وطﻤوﺤﺎﺘﻬﺎ.
إﻨﻨﺎ، وٕان ﻛﻨﺎ ﻻ ﻨﺘﻔق ﻤﻊ ﻛﺜﻴر ﻤن ﻤﻘوﻻت اﻷطروﺤﺎت اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﺔ، ﻓﺈن دراﺴﺔ ﻛﻝ ﻤن "دﻟﻤﺎرﻝ" و"ﻛﺎزاﻨوﻓﺎ" ﻗد ﺴﺎﻫﻤت ﻓﻲ ﻤﺎ ﻨﻌﺘﻘد ﻓﻲ اﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ أﻫﻤﻴﺔ ﺘﺤدﻴد اﻟﻬوﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻔﺌﺔ وذﻟك ﻤن ﺨﻼﻝ ﺘﺤدﻴد اﻟدور واﻟﻤﻛﺎﻨﺔ وﺸروط اﻟﺘﻛوﻴن وظروﻓﻪ واﻻﺴﺘراﺘﺠﻴﺎت
1 - Ibid., pp. 22-42.
2 - Ibid., p.45.
3 - Ibid., p.55.
اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ، وﻫﻲ إﻨﺸﻐﺎﻻت ﺘﻠﺘﻘﻲ إﻟﻰ ﺤد ﻛﺒﻴر ﻤﻊ اﻫﺘﻤﺎﻤﺎﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺒﺤث، ﻛﻤﺎ أﺸرﻨﺎ إﻟﻰ ذﻟك، إذا وٕان ﻛﻨﺎ ﻨطﻤﺢ إﻟﻰ رﺒطﻬﺎ ﺒﺨﺼوﺼﻴﺔ ﻤﺠﺘﻤﻌﻨﺎ اﻟﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ.
.3.1.3 اﻹطﺎ ارت واﻟﻬوﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ :
إن أﺒرز ﻤﺎ ﻨﺒدأ ﺒﻪ ﻫو ﻋرض اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﻨرى ﺒﺄﻨﻬﺎ ﺘﻨﺎوﻟت ﺒﺎﻟدراﺴﺔ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات وذﻟك ﺒﺘﺤدﻴد ﻫوﻴﺘﻬﺎ واﻟﺘﺴﺎؤﻝ ﻋن طﺒﻴﻌﺔ ﻫذﻩ اﻟﻬوﻴﺔ ﻓﻲ ظﻝ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻐرﺒﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر، وﻨﺘﺎﺌﺞ ذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻘﺎﺌم ﻫﻲ اﻟدراﺴﺔ اﻟراﺌدة اﻟﺘﻲ ﺘﻀﻤﻨﻬﺎ ﻤؤﻟف "رأﻴت ﻤﻴﻠز" اﻟﺸﻬﻴر "اﻟﻴﺎﻗﺎت اﻟﺒﻴﻀﺎء."
ﻟﻘد اﺴﺘﻌرض "ﻤﻴﻠز" ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻤؤﻟف ﺠﻤﻠﺔ ﻤن اﻷﻓﻛﺎر ﺤوﻝ ظﺎﻫرة ﺒروز اﻹطﺎرات ﻛﺈﺤدى اﻟﻤﻛوﻨﺎت اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ ﻟﻠطﺒﻘﺎت اﻟوﺴطﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷﻤرﻴﻛﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر ﻤﺤﺎوﻻ ﺘﺤدﻴد ﻤﻌﺎﻟم ﻫوﻴﺔ ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻛﻔﺌﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، أﻓرزﺘﻬﺎ ﺤرﻛﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ واﻟﺘطور اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟذي ﻋرﻓﺘﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤدﻴﺜﺔ، وﻋﻠﻰ رأﺴﻬﺎ ﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟوﻻﻴﺎت اﻟﻤﺘﺤدة اﻷﻤرﻴﻛﻴﺔ.
ﻴﺒدأ "ﻤﻴﻠز" دراﺴﺘﻪ ﺒﺎﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻗد أﺼﺒﺤت ﻤن ﻤﻛوﻨﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر، وأن ﺘﺎرﻴﺨﻬﺎ ﻴﺘﻴﻤز ﺒـ "ﻓﻘر" ﻓﻲ اﻷﺤداث، وأﻨﻬﺎ ﺘﺘﺴم ﺒـ "اﻟﺘﺸﺘت" ﺒﺎﻟرﻏم ﻤن وﺤدة ﻤﺼﺎﻟﺢ أﻓرادﻫﺎ. وﻴرى "ﻤﻴﻠز" ﺒﺄن ﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﻻ ﻴﺒدو ﺒﻴن أﻴدي أﻋﻀﺎﺌﻬﺎ. وﻴواﺼﻝ "ﻤﻴﻠز" رﺴم ﺼورة ﻗﺎﺘﻤﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﺒﺎﻟﻘوﻝ أن طﻤوﺤﺎﺘﻬﺎ، "إن ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺒﺎﻟﻔﻌﻝ طﻤوﺤﺎت"، ﺘﺘﻤﻴز ﺒﺎﻟﻤﻴﻝ ﻨﺤو "اﻟوﺴط" وﻫو ﻓﻲ ﺘﻘدﻴرﻩ ﻤﻴﻝ ﻨﺤو ﻨﻘطﺔ أو ﻤوﻗﻊ "وﻫﻤﻲ" ﻻ وﺠود ﻟﻪ ﻓﻲ واﻗﻊ اﻟﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. وﻴؤﻛد "ﻤﻴﻠز" أﻴﻀﺎ أن ﻓﺌﺔ "اﻟﻴﺎﻗﺎت اﻟﺒﻴﻀﺎء" اﻟﺘﻲ ﺘظم اﻹطﺎرات ﺘﻌﺎﻨﻲ ﻤن اﻨﻘﺴﺎم داﺨﻠﻲ وﻤن ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺨﺎرﺠﻴﺔ ﻤن ﻟدن ﺒﻌض اﻟﻘوى اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻷﺨرى. وﻴﺨﺘم "ﻤﻴﻠز" ﻤﻼﺤظﺎﺘﻪ اﻷوﻟﻴﺔ ﻋن ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﺒﺎﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ أن أﻓرادﻫﺎ، إذا أرادوا اﻟﻘﻴﺎم ﺒﺄي
ﺤرﻛﺔ، ﻓﺈن ذﻟك ﻟن ﻴﻛون ﺒﺼﻔﺔ ﻤﻨﺘظﻤﺔ، وٕاﻨﻤﺎ ﺴﻴﻛون ﻓﻲ ﺸﻛﻝ ﻤﺠﻬودات ﻤﺸﺘﺘﺔ .(1) ﻷﻨﻬم ﻻ ﻴﺸﻛﻠون ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎدﻩ "أﻴﺔ ﻗوة ﺴﻴﺎﺴﻴﺔ" ▸..
وﻴرى "ﻤﻴﻠز" أﻴﻀﺎ أن ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﺘﺤﺘﻝ ﻤوﻗﻌﺎ وﺴطﺎ ﻓﻲ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت (3)، وأن ﺘزاﻴد أﻋداد أﻓرادﻫﺎ ﻴﻔﺴر ﺒﺘﻨﺎﻤﻲ اﻟﻤﻨظﻤﺎت اﻟﺨﺎﺼﺔ واﻟﺤﻛوﻤﻴﺔ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻤﺎ أﺼﺒﺤت ﺘﻘﺘﻀﻴﻪ ﺘﻠك
اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت ﻤن "ﺒﻴروﻗراطﻴﺔ" ﻀرورﻴﺔ ﺘﺸرف ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺴﻴﻴر (4)، ﻓﻲ ﻤؤﺴﺴﺎت ﺘﺘﻤﻴز،
أﻛﺜر ﻤن أي وﻗت ﻤﻀﻰ، ﺒﺎﻟﻀﺨﺎﻤﺔ واﻟﺘﻌﻘﻴد. ﺤﻴث وﺒﻌد أن ﺘزاﻴد ﺤﺠم اﻟﻤؤﺴﺴﺎت
1 - W.Mills, Les cols blancs, Paris, Maspéro, 1966. p.5.
2 - Ibid., p.14.
3 - Ibid., p.66.
4 - Ibid., p.89.
وﺘﻤرﻛزت ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻤراﻗﺒﺔ واﻹدارة، ازداد ﻋدد اﻹدارﻴﻴن وأﺼﺒﺢ اﻹطﺎر ﻴﺤﺘﻝ ﻤوﻗﻌﺎ ﺤﺴﺎﺴﺎ
.(1)
ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر .. ▸
وﻗد ﻟﻔت "ﻤﻴﻠز" اﻻﻨﺘﺒﺎﻩ إﻟﻰ أن أﻫم ﻤﺎ ﻴﻌﺘﺒرﻩ ﻤﻴزة ﻟدى ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻫو "ﻋدم اﻤﺘﻼك أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻷﻴﺔ ﺴﻠطﺔ ﻓﻌﻠﻴﺔ." ﺤﻴث، ﻴﻘوﻝ ﺒﺄن "اﻟﺘﺄطﻴر ﻻ ﻴﻌﻨﻲ ﺒﺎﻟﻀرورة اﻟﻘﻴﺎدة." وﻤﺎ ﻴﻤﻴز ﻤوﻗﻊ اﻹطﺎر أﻴﻀﺎ، ﺤﺴب "ﻤﻠﻴز"، ﻫو ﺘﻠك اﻟوﻀﻌﻴﺔ اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ. ﻓﻬو ﻓﻲ ﻨظر اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﻌﻠﻴﺎ : "ﺨطرا" وﻓﻲ ﻨظر اﻟﻤﺴﺘوﻴﺎت اﻟدﻨﻴﺎ : "وﺴﻴﻠﺔ" ﻤن وﺴﺎﺌﻝ اﻵﻟﺔ اﻟﺒﻴروﻗراطﻴﺔ. ﻓﺎﻹطﺎر ﻴﺸﻛﻝ "ﺤﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺴﻠﺴﻠﺔ اﻷواﻤر واﻹﻛراﻫﺎت" ﻴﻘﻊ ﺒﻴن "اﻟذﻴن ﻴﺄﻤرون ﻤن ﺠﻬﺔ واﻟذﻴن ﻴﻨﺘﺠون ﻤن ﺠﻬﺔ ﺜﺎﻨﻴﺔ." ﻓﺎﻹطﺎر اﻟذي ﻴﺤﺘﻝ ﻫذا اﻟﻤوﻗﻊ "اﻟﻐرﻴب" ﻻ ﻴﻤﻛن أن ﻨﺘﺼور اﻟﻨظﺎم اﻹداري اﻟﻘﺎﺌم ﻤن دوﻨﻪ، وﻟﻛن ﻫذا ﻻ ﻴﻤﻨﻊ ﻤن ﻤﻼﺤظﺔ أن ﻤوﻗﻌﻪ ﻫذا ﻴﺒﻘﻰ ﻤوﻗﻌﺎ ﻀﻌﻴﻔﺎ ﻷﻨﻪ ﻻ ﻴﻤﻠك أﻴﺔ ﺴﻠطﺔ ﻓﻌﻠﻴﺔ(2).
وﻴﺨﺘم "ﻤﻴﻠز" ﺘﺤﻠﻴﻠﻪ ﺒﺎﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ أن اﻟﻨظﺎم اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻲ ﻗد ﻨﺠﺢ ﻓﻲ إدﻤﺎج اﻹطﺎر
دﻤﺠﺎ ﻛﺎﻤﻼ، واﺴﺘطﺎع أن ﻴﺠﻌﻝ ﻤﻨﻪ ﻋﻨﺼرا ﻤن ﻋﻨﺎﺼرﻩ .(3) وﻗد ﻴﻛون ﻤﺎ ﻴرﻴد ﻗوﻟﻪ "ﻤﻠﻴز"
ﻫو أن اﻹطﺎر ﻻ ﻴﻨﺘظر ﻤﻨﻪ أداء دور ﺘﻐﻴﻴري، ﺒﻝ إن دورﻩ ﻴﻨدرج ﻓﻲ إطﺎر إداﻤﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻲ اﻟﻐرﺒﻲ، وﺘرﺴﻴﺦ ﻗواﻋدﻩ.
وﻤن اﻟدراﺴﺎت اﻟﺘﻲ أﻤﻛن إدراﺠﻬﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻤﺠﺎﻝ أﻴﻀﺎ، دراﺴﺔ ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻟﺒﺎﺤث
اﻟﻔرﻨﺴﻲ "اﻟﻛﺴﻨدر ﺘﻴك" ) Tic (Alexandre، اﻟﺘﻲ اﻫﺘم ﻓﻴﻬﺎ ﺒﺎﻹطﺎرات ﻛﻔﺌﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ
ﻤﺤﺎوﻻ ﺒدورﻩ ﺘﺤدﻴد ﻤﻌﺎﻟم ﻫوﻴﺘﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. وﻗد اﺴﺘﻬﻝ "ﺘﻴك" دراﺴﺘﻪ ﺒﺎﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ أن اﻹطﺎرات أﺼﺒﺤوا ﻴﺸﻛﻠون ﻤﻴزة أﺴﺎﺴﻴﺔ ﻟﻠﺤﻀﺎرة اﻟﻐرﺒﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺼرة، وأﻨﻬم ﻴﻤﺜﻠون، ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎدﻩ "طﺒﻘﺔ ﺠدﻴدة " ﺤﻴث أﻨﻬم ﻴﺴﺎﻫﻤون ﻓﻲ اﻟﺴﻠطﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ وﻴﻨظﻤون اﻟﻌﻤﻝ وﻫم ﻴطﻤﺤون أﻴﻀﺎ ﻟﻠﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻝ اﻟﺴﻴﺎﺴﻲ، اﻟﻤﺤﻠﻲ واﻟدوﻟﻲ، وﻫم ﻴﻤﺘﻠﻛون ﻗدرة واﺴﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺴﺘﻬﻼك ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ ﻗطﺎﻋﺎت "اﻟﺘرﻓﻴﻪ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ."
إن ﻫوﻴﺔ اﻹطﺎرات ﺘﺘﺤدد ﺤﺴب "ﺘﻴك" ﺒﺎﻟوظﺎﺌف اﻟﺘﻲ ﻴؤدوﻨﻬﺎ واﻟﻤواﻗﻊ اﻟﺘﻲ ﻴﺤﺘﻠوﻨﻬﺎ.(4) وﻴرى ﺒﺄن وظﻴﻔﺔ اﻟﺘﺄطﻴر ﻗد ﺘطورت ﻛﺜﻴرا. ﻓﺒﻌد أن ﻛﺎﻨت ﺘﻤﺜﻝ، ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺘﺎﺴﻊ ﻋﺸر، ﺘﺤﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن ﺘﻘﻨﻴﺎت اﻟﻌﻤﻝ وﻫو ﻤﺎ ﻴﻔﺴر ﺘطﺎﺒق ﻤﻔﻬوم اﻹطﺎر ﻤﻊ
1 - Ibid., p.89.
2 - Ibid., p.p101.102.
3 - Ibid., p.184.
4 - Alexandre Tic, Au bonheur des cadres, Paris, Mame, 1974. p.8.
ﻤﻔﻬوم اﻟﻤﻬﻨدس آﻨذاك، ﻓﺈﻨﻬﺎ ﺒﻌد ﻗرن ﻤن اﻟزﻤن، أﺼﺒﺤت ﺘﺘﻀﻤن ﻤﻬﺎﻤﺎ ﻤﺘﻨوﻋﺔ ﻤﺜﻝ : اﻟﺘﺴوﻴق، واﻟﺘﻤوﻴﻝ، واﻟﺘﻨظﻴم، وﻏﻴرﻫﺎ.
ﻛﻤﺎ ﻴﻌﺘﻘد "ﺘﻴك" أﻨﻪ وﺒﺎﻟرﻏم ﻤن ارﺘﺒﺎط ﺒروز ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﺒﺎﻟﺒرﺠوازﻴﺔ، ﻓﺈن وﻋﻲ اﻻﻨﺘﻤﺎء إﻟﻰ طﺒﻘﺔ ﺠدﻴدة ﻗد ظﻬر ﻟدى اﻹطﺎرات، ﻓﻲ اﻟﻨﺼف اﻷوﻝ ﻤن اﻟﻘرن اﻟﻌﺸرﻴن. وﻗد ﻴﻛون ذﻟك ﺤﺴب ﻨﻔس اﻟﺒﺎﺤث، ﻛردة ﻓﻌﻝ ﺘﺠﺎﻩ ﺒروز اﻟﺤرﻛﺎت اﻟﻨﻘﺎﺒﻴﺔ اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ذﻫﺒت إﻟﻰ ﺤد اﻟﻤﺴﺎس ﺒﺤق اﻟﻘﻴﺎدة ﻓﻲ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت. ﻓﺎﻟوﻋﻲ ﺒﺎﻻﻨﺘﻤﺎء إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ اﻟﺠدﻴدة ظﻬر ﻤن ﺨﻼﻝ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺠدﻟﻴﺔ ﻤﻊ ﺤرﻛﺔ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻤﻴزت ﺒﺼراﻋﺎت ﻗوﻴﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺘرة
اﻟﻤﻤﺘدة ﺒﻴن ﺴﻨوات 1936 و.1947
وﺒﺎﻟرﻏم ﻤن ﻫذا، ﻴﻘوﻝ "ﺘﻴك"، ﻓﺈن ﻤوﻗﻊ اﻹطﺎرات ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻴﺒﻘﻰ ﻏﺎﻤﻀﺎ (1)، ﻛﻤﺎ
أن اﻹطﺎر ﻴﺘﻤﻴز ﻓﻲ ﻨظرﻩ، ﺒﺘﻔﻀﻴﻝ اﻟﻌﻤﻝ ﺒدﻝ اﻟﺘﻔﻛﻴر ﻓﻲ ﻤواﺠﻬﺔ ﻤﺎ ﻴﻌﺘرﻀﻪ ﻤن ﺼﻌﺎب
وﺘﻬدﻴدات.(2) وٕان أﺒرز ﻤﺎ ﻴﻤﺘﻠﻛﻪ اﻹطﺎر ﻓﻲ ﻨﻀرﻩ، ﻫو اﻟﻛﻔﺎءة اﻟﺘﻲ ﻴﻌﺘﻤد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻤن أﺠﻝ
اﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ اﻟوﺠود (3) أﻛﺜر ﻤن اﻋﺘﻤﺎدﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠطﺔ. ﻛﻤﺎ ﻴرى "ﺘﻴك" أن اﻟدراﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم
ﺒﻬﺎ ﺴﻤﺤت ﻟﻪ ﺒﺎﻛﺘﺸﺎف أن أﻏﻠﺒﻴﺔ اﻹطﺎرات ) 70 % ﻤن ﻋﻴﻨﺔ اﻟﺒﺤث( ﻴﺘﻤﻨون اﻻﻨﻀﻤﺎم
إﻟﻰ ﻫﻴﺌﺎت وﺠﻤﻌﻴﺎت ﻤﻬﻨﻴﺔ، ﻓﻲ ﺤﻴن أن ﻨﺴﺒﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ) 28 % ﻤن اﻟﻌﻴﻨﺔ( ﺘﻔﻀﻝ أن ﺘﻛون
ﺘﻠك اﻟﻬﻴﺌﺎت ﻋﻠﻰ ﺸﻛﻝ ﺘﻨظﻴﻤﺎت ﻨﻘﺎﺒﻴﺔ. وأﻛدت ﻨﺘﺎﺌﺞ اﻟدراﺴﺔ ﻓﻲ رأﻴﻪ أن أﻏﻠﺒﻴﺔ اﻹطﺎرات
60) % ﻤن اﻟﻌﻴﻨﺔ( ﻻ ﺘﻛﺘرث ﺒﺄي ﺤزب ﻤن اﻷﺤزاب اﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ اﻟﻤﺘواﺠدة وﻫو ﻤﺎ ﻟم ﻴﺘوﻗﻌﻪ
"ﺘﻴك" ﻓﻲ اﻟﺒداﻴﺔ، وذﻟك ﻷن اﻹطﺎرات ﻴﻌﺘﻘدون ﺒﺄن اﻟﺤزب اﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻻ ﻴﻀﻴف ﺸﻴﺌﺎ ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻝ اﻟﺘﺄﻛﻴد واﻟدﻓﺎع ﻋن اﻟﻬوﻴﺔ(4).
وﻴﺨﻠص "ﺘﻴك" إﻟﻰ أن وﻀﻌﻴﺔ اﻹطﺎرات ﻟم ﺘزدد، ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺼرة، إﻻ ﻏﻤوﻀﺎ وﻗد أﺜﺒﺘت اﻟدراﺴﺔ، ﻓﻲ ﻨظرﻩ، أﻨﻪ ﻛﺎن ﻤن اﻟﺼﻌب ﺘﺤدﻴد ﻫوﻴﺔ ﺠﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﺘﻠك اﻟﻔﺌﺔ. ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻤﻤﻛﻨﺎ اﻟﻘوﻝ ﺒﺄن ﺠزءا ﻤﻨﻬم ﻛﺎن ﺒﺈﻤﻛﺎﻨﻪ ﺘﺸﻛﻴﻝ "طﺒﻘﺔ" ﺒﺎﻟﻤﻔﻬوم اﻟﺴوﺴﻴوﻟوﺠﻲ، ﻓﺈن ﺠزءا آﺨر ﻟم ﻴﻛن ﻴﺸﻛﻝ ذﻟك، وأن اﻟﺘﻤﺎﺴك أو اﻟﺘﺸﺘت، إﻨﻤﺎ ﻴﻛون ﺒﺤﺴب اﻟظروف اﻟﺘﻲ ﻴﻤر ﺒﻬﺎ اﻹطﺎرات ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺘرة أو ﺘﻠك ﻤن ﻓﺘرات ﺤﻴﺎﺘﻬم(5).
1 - Ibid., p.9-11.
2 - Ibid., p.44.
3 - Ibid., pp. 98.
4 - Ibid., p.110-112.
5 - Ibid., p.157.
وﻴﻤﻛن أن ﻨدرج ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻤﺠﺎﻝ أﻴﻀﺎ، دراﺴﺔ ﻟـ "ﻟوك ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" ) Boltanski (Luc
اﻟﺘﻲ ﻴﻤﻛن اﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻤن اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻨﺎوﻟت ﺒﺎﻟدراﺴﺔ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻌﺎت اﻟﻤﻌﺎﺼرة ﻛﻤﺠﻤوﻋﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. ﻟﻘد ﺤﺎوﻝ أن ﻴﺘﺘﺒﻊ ﻓﻴﻬﺎ أﻫم اﻟﻤراﺤﻝ اﻟﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻤرت ﺒﻬﺎ ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤﻨذ ﻨﺸﺄﺘﻬﺎ واﻟﺘطورات اﻟﺘﻲ ﺸﻬدﺘﻬﺎ. وﻗد ﺴﻌﻰ إﻟﻰ ﺘﺤدﻴد اﻟﺨﺼﺎﺌص اﻟﻤﻬﻨﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻤﻴزﻫﺎ، وﻛﺎن ﻴﻬدف إﻟﻰ اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ ﻤﻌﺎﻟم ﻫوﻴﺘﻬﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﺈﺤدى ﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﻔرﻨﺴﻲ اﻟﻤﻌﺎﺼر.
اﺴﺘﻬﻝ "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" ﺘﻠك اﻟدراﺴﺔ ﺒﺎﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن ﻤﻔﻬوم "اﻹطﺎر"، ﻛﻌﺒﺎرة ﺘوﺤد أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻛﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻀﻐط ﺘطﻤﺢ إﻟﻰ ﻓرض اﻻﻋﺘراف ﺒﻬﺎ رﺴﻤﻴﺎ ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻝ اﻟﺼراع اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺴﻴﺎﺴﻲ، ﻻ ﻴﻤﻛن ﻓﺼﻠﻪ ﻋﻤﺎ أﺴﻤﺎﻩ ﺒـ"ﻤﺤﺎوﻻت إﻋﺎدة اﻟﺘﺤﻛم وﺒﺴط اﻟﻬدوء اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺘﻲ
ﻋرﻓﻬﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻔرﻨﺴﻲ ﺒﻌد إﻀراﺒﺎت ."1936 إن ﻟﻔظﺔ "إطﺎرات"، ﻴﻀﻴف "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ"، ﻟم
ﺘﻛن ﺘظﻬر ﻗﺒﻝ اﻟﺜﻼﺜﻴﻨﻴﺎت ﻓﻲ ﻤﺨﺘﻠف اﻷدﺒﻴﺎت وﻻ ﻓﻲ اﻟﻨﺼوص اﻟﻔﻨﻴﺔ ﻤﺜﻝ اﻟرواﻴﺔ أو اﻟﻤﺴرح وﻟم ﻴﻛن اﻹطﺎرات ﻴﺘﻤﺘﻌون ﺒﺄي ﺘﻤﺜﻴﻝ ﻴذﻛر. ﻛﻤﺎ أن اﻹﺤﺼﺎءات ﻟم ﺘﻛن ﺘﺸﻴر إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ إﻻ ﺒﻌد اﻟﺤرب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻨﻴﺔ إذ ﻟم ﻴﻛن ﻟﻺطﺎرات أﺜر ﻓﻲ ﻤﺨﺘﻠف اﻟﻨﺼوص اﻟﻘﺎﻨوﻨﻴﺔ وﻟم ﻴﻛن آﻨذاك أي ﺘﻨظﻴم ﻴﺘﻛﻠم ﺒﺎﺴﻤﻬم.
وﻴﻀﻴف "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" ﺒﻬذا اﻟﺼدد، ﺒﺄن ﻓﺘرة اﻟﺜﻼﺘﻴﻨﻴﺎت واﻷرﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ﻗد ﺸﻛﻠت ﻤﻨﻌرﺠﺎ ﺤﺎﺴﻤﺎ ﻓﻲ ﺒروز اﻹطﺎرات وﺤرﻛﺘﻬم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻀﻤن ﺘطور "ﺒﻨﺎﺌﻲ اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ" ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ وﺜﻴﻘﺔ ﻤﻊ ﻤﺎ أطﻠق ﻋﻠﻴﻪ ﺒـ"ﺤرﻛﺔ اﻟطﺒﻘﺎت اﻟوﺴطﻰ" ﻓﻲ إطﺎر "ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻋﺎدة ﺘﻌرﻴف إﻴدﻴوﻟوﺠﻲ ﻴﺨدم اﻟﺒرﺠوازﻴﺔ، ﻗﺎﻤت ﺒﻬﺎ اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻤﻬﻴﻤﻨﺔ ﻛﻌﻨﺼر ﻤن إﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺔ ﺸﺎﻤﻠﺔ ﻛﺎﻨت ﺘﻬدف إﻟﻰ ﺘرﺴﻴﺦ اﻟﻬﻴﻤﻨﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ." وﻗد ﻛﺎن رﻫﺎن ﺘﻠك اﻻﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺔ، ﺤﺴب "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" اﻟطﺒﻘﺔ اﻟوﺴطﻰ ﻛﻌﻨﺼر "ﺴﻠﻴم" (Sain) و"ﻤﺴﺘﻘر" ﻟـ "اﻷﻤﺔ." وﻫو ﻤﺎ ﻴﻌﻛس اﻟﺘﺼور اﻟﺴﻴﺎﺴﻲ اﻟذي ﻛﺎن ﻴﺘﺸﻛﻝ ﻟدى "اﻟﻴﻤﻴن اﻟﺠدﻴد" "ﻛطرﻴق ﺜﺎﻟث" ﺒﻴن اﻟﻨﻤوذﺠﻴن اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﻴن : "اﻻﺸﺘراﻛﻴﺔ" و"اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ.(1)"
إن ﻤﺎ ﻴﻨﺒﻐﻲ ﻓﻬﻤﻪ ﻤن ﻫذﻩ اﻷطروﺤﺔ ﻫو أن "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" ﻴرى ﺒﺄن ﺤرﻛﺔ اﻟطﺒﻘﺎت اﻟوﺴطﻰ، وﻨﻘﺎﺒﺔ اﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن وﻤن ﺜم ﺒروز اﻹطﺎرات ﻛﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤﺴﺘﻘﻠﺔ، ﻻ ﻴﻤﻛن ﻓﺼﻠﻪ ﻋﻤﺎ ﻴﻌﺘﺒرﻩ ﺤرﻛﺔ ﻤﻀﺎدة ﻟﻠﻴﻤﻴن اﻟﻔرﻨﺴﻲ آﻨذاك وﺒﺨﺎﺼﺔ ﻤﺎ ﻴﻌرف ﺒـ"اﻟﻛﺎﺜوﻟﻴﻛﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ" اﻟﺘﻲ
1 - Luc Boltanski, Les cadres …, op. cit. P.63.
ﻛﺎﻨت ﺘﻬدف ﺤﺴب ﻨﻔس اﻟﺒﺎﺤث إﻟﻰ ﻤﺤﺎوﻟﺔ أﺨذ اﻟﺒرﺠوازﻴﺔ اﻟﺼﻐﻴرة )اﻹطﺎرات( ﻤن أﻴدي اﻟﻴﺴﺎر وﺘﻌﺒﺌﺔ ﺸراﺌﺢ اﻟطﺒﻘﺎت اﻟوﺴطﻰ ﻟﻤواﺠﻬﺔ ﺤرﻛﺔ اﻟﺠﺒﻬﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻨت ﺘﺘﺸﻛﻝ ﻤن ﻋدة ﺘﻨظﻴﻤﺎت ﻴﺴﺎرﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟﻔﺘرة.(1)
ردا ﻋﻠﻰ اﻟﺤرﻛﺔ اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ، ﻴﻘوﻝ "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ"، ﻛﺎن اﻟﻴﻤﻴن اﻟﻔرﻨﺴﻲ ﻴرﻴد ﺒﻌث ﺤرﻛﺔ اﻟطﺒﻘﺎت اﻟوﺴطﻰ اﻟﺘﻲ ﺘﺠﻤﻊ ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺸراﺌﺢ اﻟﻤﺘوﺴطﺔ وﻤﺴﺎﻋدﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺘﺸﻛﻴﻝ ﻫوﻴﺔ، وﺘوﺤﻴدﻫﺎ ودﻋﻤﻬﺎ ﺒﺘﻨظﻴﻤﺎت ﺘﻤﺜﻴﻠﻴﺔ ﻤوﺤدة، وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ "ﺘﺤوﻴﻝ ﺘﻠك اﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻟﺠﺎﻤدة واﻟﻤﺘرددة إﻟﻰ طﺒﻘﺔ ﻗﺎدرة، ﺒﻤﻛوﻨﺎﺘﻬﺎ وﺼﻼﺒﺔ ﺒﻨﻴﺎﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ إﺤداث اﻟﺘوازن ﻓﻲ ﻤﻘﺎﺒﻝ اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ ﺜم اﻻﻨﺘﺼﺎر ﻋﻠﻴﻬﺎ" .(2) وﻟذﻟك ﻓﺈن "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" ﻴرى ﺒﺄن ﺤرﻛﺔ اﻟطﺒﻘﺎت اﻟوﺴطﻰ ﻗد اﻨطﻠﻘت وﺘدﻋﻤت ﻓﻲ اﻟﻘطﺎع اﻟﺨﺎص وﻟﻴس اﻟﻌﻤوﻤﻲ. ▸..
إن ﺘﻠك اﻟظروف اﻟﺘﻲ أﺤﺎطت ﺒﺒروز ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻹطﺎرات ﺘﻔﺴر ﻓﻲ ﻨظر "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" ظﺎﻫرة اﻨﻀﻤﺎم اﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن، وﻫم أﺼﺤﺎب اﻟﺸﻬﺎدات واﻟﻐﻴورﻴن ﻋﻠﻰ ﺘﻤﻴزﻫم، إﻟﻰ ﺠﺎﻨب أﻓراد آﺨرﻴن ﻻ ﻴﺘﻤﺘﻌون ﺒﻨﻔس اﻟﻤﻛﺎﻨﺔ ﻷن ذﻟك ﻛﺎن ﻫو اﻟﺴﺒﻴﻝ إﻟﻰ ﺘﺸﻛﻴﻝ ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﺠدﻴدة، ﻛﺎن
اﻟﻤﻬﻨدﺴون ﻨواﺘﻬﺎ اﻟﺼﻠﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﺠﻤﻌت ﺤوﻟﻬﺎ ﺒﺎﻗﻲ ﻓﺌﺎت اﻟﺘﺄطﻴر اﻷﺨرى .(4) وﻟﻌﻝ ذﻟك ﻫو
اﻟذي دﻓﻊ ﺒﻨﻘﺎﺒﺔ اﻹطﺎرات آﻨذاك إﻟﻰ ﺘﺒﻨﻲ ﺘﻌرﻴﻔﺎ ﻴﺴﻤﺢ ﺒﺠﻤﻊ أﻛﺒر ﻋدد ﻤﻤﻛن ﻤن اﻷﻓراد ﺤﻴث اﻋﺘﺒرت أن اﻹطﺎر "ﻫو ﻛﻝ ﻤن ﻴﻤﺘﻠك ﻗﺴطﺎ ﻤن اﻟﻤﺴؤوﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻤؤﺴﺴﺔ ﻤﻬﻤﺎ ﻛﺎﻨت طﺒﻴﻌﺔ ﺘﻠك اﻟﻤﺴؤوﻟﻴﺔ وﻤﻬﻤﺎ ﻛﺎﻨت ﺒﺴﺎطﺘﻬﺎ.(5)"
وﻴﻌﺘﻘد "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" أﻴﻀﺎ أن اﻟدوﻟﺔ واﻟﻨﻘﺎﺒﺎت اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ ﻫﻤﺎ اﻟﻘوﺘﺎن اﻷﺴﺎﺴﻴﺘﺎن اﻟﻠﺘﺎن ﺘﻬددان اﻹطﺎرات، وأن ﺒروز ﻫؤﻻء ﻛﻘوة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻗد ﺘﺄﺜر ﺒﻤﺎ ﺠرى ﻗﺒﻝ ذﻟك ﻓﻲ اﻟوﻻﻴﺎت اﻟﻤﺘﺤدة اﻷﻤرﻴﻛﻴﺔ ﺤﻴث ﺸﻛﻝ اﻹطﺎرات اﻟﻘوة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﺴﻤﺢ "ﺒﺘﺠﺎوز اﻟﺼراع ﺒﻴن اﻟﺒرﺠوازﻴﺔ اﻟﻛﺒﻴرة واﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻨت ﻓﻲ أوج ﻗوﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺼف اﻷوﻝ ﻤن اﻟﻘرن اﻟﻌﺸرﻴن." ﻟﻘد ﻛﺎن ذﻟك اﻟﺒروز إذا، ﺤﺴب "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ"، ﺒﻤﺜﺎﺒﺔ " إﻋﻼن ﻤﻴﻼد ﻨظﺎم ﺠدﻴد ﺘﻨﺘﻬﻲ ﻓﻴﻪ اﻟﻤواﺠﻬﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ ﺒﻴن اﻟﻤﻠﻛﻴﺔ واﻟﻌﻤﻝ، وﺒﻴن اﻟﻌﻤﻝ اﻟذﻫﻨﻲ واﻟﻴدوي. وﻗد ﺸﻬدت اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت واﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت، ﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎر، رواج ﻤﻔﻬوم ﺠدﻴد ﻫو : "اﻟطﺒﻘﺎت اﻟوﺴطﻰ
1 - Ibid., p.75.
2 - Ibid., p.82.
3 - Ibid., p.98.
4 - Ibid., p.127-128.
5 - Ibid., p.133.
اﻟﺠدﻴدة." اﻟذي ﻴﺸﻴر إﻟﻰ ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻟﺸراﺌﺢ اﻟﻌﺎﻤﻠﺔ اﻟﻤﺘوﺴطﺔ اﻟﻤﺘواﺠدة ﺒﻤﺨﺘﻠف اﻟﻤؤﺴﺴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ وﻫﻲ ﺘﺸﻤﻝ ﺒﺎﻷﺴﺎس : اﻟﺘﻘﻨﻴﻴن، واﻹطﺎرات وذﻟك ﻓﻲ ﻤﻘﺎﺒﻝ اﻟﺤرﻓﻴﻴن واﻟﺘﺠﺎر، وﺼﻐﺎر اﻟﻤﻘﺎوﻟﻴن اﻟذﻴن أﺼﺒﺤوا ﻴﻨﻌﺘون ﺒـ"اﻟطﺒﻘﺎت اﻟوﺴطﻰ اﻟﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ.(1)"
وﻴرى "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" أﻴﻀﺎ أن اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺒﻔﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻤن طرف اﻟﻘوى اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ﻗد ﺘﻤﺜﻝ ﻓﻲ ارﺘﻔﺎع ﻋدد اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت واﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺘﻲ ﺘﺨﺼﺼت، ﻋﻠﻰ ﻏرار ﻤﺎ ﺤدث ﻓﻲ اﻟوﻻﻴﺎت
اﻟﻤﺘﺤدة اﻷﻤرﻴﻛﻴﺔ، ﻓﻲ ﺘﻛوﻴن اﻟﻤؤطرﻴن. وﻴذﻛر أﻨﻪ ﻤﻊ ﺤﻠوﻝ ﺴﻨﺔ 1960، أﺼﺒﺢ ﻫﻨﺎك
150 ﺘﻨظﻴﻤﺎ ﻤﺘﺨﺼﺼﺎ ﻓﻲ ﺘﻛوﻴن اﻹطﺎرات وأن اﻟﻔﺘرة اﻟﻤﻤﺘدة ﺒﻴن ﺴﻨﺘﻲ 1950 و1970 ﻗد
ﺸﻬدت ﻤﻴﻼد ﻋدد ﻛﺒﻴر ﻤن اﻟﻤدارس اﻟﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ ﻤﻴﺎدﻴن اﻟﺘﺴﻴﻴر واﻟﺘﺄطﻴر .(2) وﻴﻌﺘﻘد
"ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" أﻴﻀﺎ أن إدﺨﺎﻝ ﺨطﺎب اﻟﺘﺴﻴﻴر، وٕاﻨﺸﺎء ﻤﺨﺘﻠف اﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻨت ﺘﻬدف إﻟﻰ ﻤﺎ أطﻠق ﻋﻠﻴﻪ ﺒـ"ﺘﺤﻀﻴر اﻟﺒرﺠوازﻴﺔ اﻟﺼﻐﻴرة" إﻟﻰ أداء دورﻫﺎ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﺠدﻴد، ﻗد ﺴﺎﻫم ﺒﻘوة إﻟﻰ ﺠﺎﻨب اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت واﻟﻨﻘﺎﺒﺎت اﻟﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻹطﺎرات، ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ "ﻤوﻀﻌﺔ" (objectivation)، أدت إﻟﻰ ﺒروز ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ. وٕاذا ﻛﺎﻨت ﻓﺌﺔ اﻟﺘﺄطﻴر ﻟم ﺘﻛن، ﺤﺴب رأﻴﻪ، ﻤﺤددة اﻟﻤﻌﺎﻟم ﺒﻌد اﻟﺤرب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻨﻴﺔ ﻤﺒﺎﺸرة، وﻏﻴر ﻤﻌﺘرف ﺒﻬﺎ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎ، ﻓﻘد أﺼﺒﺤت ﺒﻌد ﺨﻤﺴﺔ ﻋﺸرة ﺴﻨﺔ ﻤن ذﻟك ﺘﺤﺘﻝ ﻤوﻗﻌﺎ أﺴﺎﺴﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻤﺴرح اﻟﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وذﻟك ﺒﻌد أن اﻛﺘﻤﻠت ﺸروط ﺘﺸﻛﻴﻝ ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ وﺘواﺠدﻫﺎ(3).
وﻗد أدت ﺘﻠك اﻟﺘطورات، ﺤﺴب "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ"، إﻟﻰ أﻨﻪ ﻟم ﻴﻌد ﻤن اﻟﻴﺴﻴر ﺘﻬﻤﻴش ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻟﺼﺎﻋدة ﻛﻘوة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺴواء ﻤن طرف اﻟﻨﻘﺎﺒﺎت اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ أو ﻤن طرف اﻷﺤزاب اﻟﺘﻲ ﺘﻌﻤﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤوﻗﻊ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﺴﻴﺎﺴﻲ. ﺒﻝ ﻟﻘد أﺼﺒﺢ ﻀم اﻹطﺎرات إﻟﻰ ﺼﻔوﻓﻬﺎ ﻴﺸﻛﻝ ﺠزءا أﺴﺎﺴﻴﺎ ﻤن إﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺎﺘﻬﺎ .(4) وﻗد وﺼﻝ اﻷﻤر إﻟﻰ أن ﺸﻬدت ﺴﻨوات اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت ﺒروز ﻨﻘﺎش ﺤﺎد ﺤوﻝ ﺘﺤدﻴد "طﺒﻴﻌﺔ" ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻹطﺎرات ﻛـ"ﻗوة ﺠدﻴدة" واﻟﻛﺸف ﻋن ﻤوﻗﻌﻬﺎ ودورﻫﺎ وﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ. وﻛﺎن اﻟرﻫﺎن ﻓﻲ رأﻴﻪ، ﻫو ﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻹﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ ﺒﻨﻴﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤن ﺨﻼﻝ ﺘﻘﺴﻴﻤﻪ إﻟﻰ ﻋدة ﻤﺠﻤوﻋﺎت وطﺒﻘﺎت(5).
1 - Ibid., pp. 177-178.
2 - Ibid., pp. 190-192.
3 - Ibid., pp. 232-234.
4 - Ibid., p.239.
5 - Ibid., p.224.
إﻀﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻤﺎ ﺴﺒق ذﻛرﻩ، ﻓﺈن "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" ﻴؤﻛد ﻋﻠﻰ أن ﺘﺼﺎﻋد أﻫﻤﻴﺔ ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻹطﺎرات ﻛﻘوة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻫﺘﻤﺎم ﻋﻠم اﻻﺠﺘﻤﺎع ﺒﻬﺎ ﻟم ﻴﻛن ﺒدواﻓﻊ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺒﺤﺘﺔ، ﻷﻨﻪ ﻴرى ﺒﺄن ﺒروز ﺘﻠك اﻟﻔﺌﺔ ﻓﻲ ﺤد ذاﺘﻪ ﻻ ﻴﻤﻛن ﺘﻔﺴﻴرﻩ ﺒﺎﻟﻌواﻤﻝ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻓﺤﺴب، وﺒﺤﺎﺠﺔ اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ ﻷﻴدي ﻋﺎﻤﻠﺔ ﺘﺄطﻴرﻴﺔ. ﻓﺈذا ﻛﺎن ﺼﺤﻴﺤﺎ ، ﺤﺴب ﺘﻌﺒﻴرﻩ، أن اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺒﺎﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ازداد ﺒﺘزاﻴد ﻋدد اﻹطﺎرات، ﻓﺈن اﻟﺤﺎﺠﺔ ﻟﻨﻤو ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻛﻘوة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ دﻓﻌت إﻟﻰ ﺘﺸﻛﻴﻝ، ﺒﻝ وٕاﻟﻰ "اﺨﺘراع" ﻤﻔﻬوم اﻹطﺎرات وﺘﻤﻴﻴزﻩ ﻤﺎدﻴﺎ واﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﻋن ﻛﺎﻓﺔ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻷﺨرى(1).
وﻤن أﻫم اﻟﻨﺘﺎﺌﺞ اﻟﺘﻲ ﺘوﺼﻝ إﻟﻴﻬﺎ "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" أﻴﻀﺎ، أن ارﺘﻔﺎع ﻋدد اﻹطﺎرات ﻗد ﻴﻛون أﺤد اﻷﺴﺒﺎب اﻟرﺌﻴﺴﻴﺔ ﻓﻲ إﻀﻌﺎف اﻟﺘﺠﺎﻨس ﻓﻲ ﺼﻔوف ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ وأن أﻓرادﻫﺎ ﺒﺎﺘوا ﻴﺸﻛﻠون ﻋدة ﻓﺌﺎت ﻤﺘﻔرﻗﺔ ﺘﺘﺒﺎﻴن ﻤن ﻋدة ﺠواﻨب، ﻛﻤﻨﺎﺼب اﻟﻌﻤﻝ، وﻤﺎ ﻴرﺘﺒط ﺒﺘﻠك اﻟﻤﻨﺎﺼب ﻤن ﻤﻛﺎﻨﺎت، وﻤزاﻴﺎ، واﻟﺸﻬﺎدات اﻟﺘﻲ ﻴﺤﻤﻠﻬﺎ ﻛﻝ واﺤد واﻷﺼﻝ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻛﻝ ﻤﻨﻬم. وﻴﺨﻠص "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" إﻟﻰ أن ذﻟك ﻟم ﻴﻤﻨﻊ ﻤن ﺘواﺠد ﻤﻌﻴن ﻟﻬذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ وأن اﻟﺘﻤﺜﻼت اﻟﻤﺘﺸﺎﺒﻬﺔ ﻻ ﺘﻛﻔﻲ ﻟﺘﻔﺴﻴر اﻟﺘﻤﺎﺴك اﻟذي ﻴطﺒﻊ ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻹطﺎرات وﻋدم اﻨﻔﺠﺎرﻫﺎ اﻟﻛﻠﻲ إﻟﻰ ﻋدة ﻓﺌﺎت، ﺒﻝ إن ذﻟك ﻴﻌود ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎدﻩ، إﻟﻰ ﻛون اﻹطﺎرات ﻻ ﻴﺸﻛﻠون ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﺴوى "ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻏﺎﻤﻀﺔ"، دون ﻤﻌﺎﻴﻴر اﻨﺘﻤﺎء واﻀﺤﺔ، وﻤﻌﺘرف ﺒﻬﺎ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺎ وٕاﻟﻰ أن ﺤدودﻫﺎ ﻟﻴﺴت واﻀﺤﺔ، وﻷن اﻟﻨﺴق اﻟﻤؤﺴﺴﺎﺘﻲ اﻟذي ﺘﺴﺘﻨد إﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺘواﺠدﻫﺎ، ﻫو ﻨﻔﺴﻪ ﻴﺘﺸﻛﻝ ﻤن ﻋدة ﻤﺠﻤوﻋﺎت ﻤﺘداﺨﻠﺔ ﻴﻤﻛن ﻟﻠﻔﺎﻋﻠﻴن )اﻹطﺎرات( ﻤن اﻻﻨﺘﻘﺎﻝ ﻤن واﺤدة إﻟﻰ أﺨرى، واﻻﻋﺘﻘﺎد ﺒﺈﻤﻛﺎﻨﻴﺔ اﻻرﺘﻘﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ. وﺒﻌﺘﺒﻴر آﺨر، إن "ﺒﻠﺘﻨﺴﻛﻲ" ﻴﻌﺘﻘد، ﻓﻴﻤﺎ ﻴﺒدو، أن ﺴﺒب ﺘﻤﺎﺴك ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻓﻲ ظﻝ ﻤﺎ ﺘﻌﻴﺸﻪ ﻤن ﺘﺸﺘت، ﻫو ذﻟك اﻟﻐﻤوض اﻟﻤﺤﻴط ﺒﻤواﻗﻊ أﻓرادﻫﺎ وﻤﻛﺎﻨﺎﺘﻬم، وﻛﻝ ﻤﺎ ﻴﻬدد ﺒزواﻝ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻛﻛﺎﺌن ﺠﻤﺎﻋﻲ، ﻨظرا ﻻﺨﺘﻼف اﻟﻤﻛﺎﻨﺎت، وﺘﺒﺎﻴن اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ وﺘﻨﺎﻗﻀﻬﺎ. إن اﺴﺘﻤرار ﺘواﺠد ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻴﻔﺴر ﻓﻲ رأﻴﻪ، ﺒﻐﻤوض
اﻟﻤﻛﺎﻨﺔ واﻟﺨوف ﻤن ﻓﻘدان اﻟﺤد اﻷدﻨﻰ ﻤن ﺘﺠﺎﻨس أﻓرادﻫﺎ .(2) ﻷن اﻟﻐﻤوض اﻟﻨﺴﺒﻲ، وﻋدم
وﻀوح اﻟﺤدود، ﻫو اﻟذي ﻴﻔﺴر اﺴﺘﻤرارﻴﺔ أداء ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻟوظﻴﻔﺔ "اﻟﺤد ﻤن اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت وﻤن اﻟﺼراع اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.(3)"
1 - Ibid., pp. 248-249.
2 - Ibid., p.477.
3 - Ibid., p.482.
.4.1.3 اﻹطﺎ ارت واﻟﺘﻐﻴﻴر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ :
ﻤن اﻟﻘﻀﺎﻴﺎ اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺜﻴرت ﺤوﻝ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻨﺠد أﻴﻀﺎ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺘﻐﻴﻴر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ، وﻤدى ﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻓﻴﻪ. وﻫﻲ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ﻗﻀﻴﺔ ﻴﻤﻛن أن ﺘرﺘﺒط ﺒﻤوﻀوع اﻟﻬوﻴﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﺜﺎرة ﺴﺎﺒﻘﺎ، إذا اﻋﺘﺒرﻨﺎ أن ﻤﺎ ﻴﻘوم ﺒﻪ اﻟﻔﺎﻋﻝ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻤن ﺤرﻛﺔ ﺘﻐﻴﻴر ﺠزءا ﻤن ﻫوﻴﺘﻪ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﺠﺎء ﻓﻲ ﺘﺤدﻴدﻨﺎ ﻟﻬذا اﻟﻤﻔﻬوم. وﻴﻤﻛن أن ﻨﺸﻴر ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺼدد ﺒﺎﻟذات إﻟﻰ دراﺴﺘﻴن : اﻷوﻟﻰ ﺘﺒﺤث ﻓﻲ اﻟدور اﻟﻤﺤﺘﻤﻝ اﻟذي ﻴﻤﻛن أن ﻴؤدﻴﻪ اﻹطﺎرات ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻐﻴﻴر ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻐرﺒﻴﺔ اﻟﻤﺼﻨﻌﺔ واﻟﺜﺎﻨﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت "اﻟﻨﺎﻤﻴﺔ."
ﻟﻘد ﻗﺎﻤت ﺒﺎﻟدراﺴﺔ اﻷوﻟﻰ "ﻤوﻨﻴك داﻨﻴو" ) Dagnaud (Monique اﻟﺘﻲ اﺴﺘﻬﻠﺘﻬﺎ
ﺒﺎﻹﺸﺎرة إﻻ أن اﻟﻤﺠﻤوﻋﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺼﺒﺤت ﺘﻐذي ﺨﻼﻝ اﻟﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت ﻤﺨﺘﻠف اﻟﺤرﻛﺎت اﻻﺤﺘﺠﺎﺠﻴﺔ وﻤﺤﺎوﻻت اﻟﺘﻐﻴﻴر اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، ﻗد ﺘﺤددت ﻤﻌﺎﻟﻤﻬﺎ وﻗد اﺤﺘﻝ ﻓﻴﻬﺎ اﻹطﺎرات، إﻟﻰ ﺠﺎﻨب أﺼﺤﺎب اﻟﻤﻬن اﻟﺤرة، ﻓﻲ ﺘﻘدﻴرﻫﺎ، ﻤوﻗﻌﺎ ﻤﻬﻤﺎ. وﻴﻌود ذﻟك إﻟﻰ ﺘزاﻴد وظﺎﺌف اﻟﺘﺄطﻴر واﻟﺒﺤث ﻤن ﺠﻬﺔ وﺤﺠم اﻟﺨدﻤﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ ﺜﺎﻨﻴﺔ. ﺒﺘﻌﺒﻴر آﺨر، ﻟﻘد ﻻﺤظت "داﻨﻴو" ﺒﺄن أﻓراد ﻓﺌﺎت اﻟﺘﺄطﻴر، ﻗد أﺼﺒﺤوا، ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟﻔﺘرة، ﻴﺤﺘﻛرون ﻤواﻗﻊ اﻟﻘﻴﺎدة واﻟﺘﺄطﻴر ﻟﻤﺎ أﺴﻤﺘﻪ ﺒـ : "اﻟﺤرﻛﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺠدﻴدة" وﻛذﻟك اﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
وﺘواﺼﻝ "داﻨﻴو" طرح ﻓﻛرﺘﻬﺎ ﻫذﻩ ﺒﺎﻟﻘوﻝ أن ﺘﻠك اﻟﻔﺌﺎت أﺼﺒﺤت ﺘﻘﻴم ﻛﺜﻴرا ﻤن اﻻﺘﺼﺎﻻت ﺒﻴن أﻓرادﻫﺎ، ﺨﺎﺼﺔ ﻋﻠﻰ ﻤﺴﺘوى اﻟﻌﻤﻝ اﻟﺴﻴﺎﺴﻲ اﻟﻤﺤﻠﻲ، وﺘرﺴم ﻤﻌﺎﻟم اﻻﺘﺠﺎﻫﺎت اﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، وأﺼﺒﺤت ﺘﻌﺒر ﻋن ﻨﻤﺎذج ﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ذات ﻟون ﺨﺎص. ﻛﻤﺎ ﺘﻼﺤظ ﺒﻬذا اﻟﺼدد أﻴﻀﺎ، أن اﻷﻋﻤﺎﻝ اﻟﺴوﺴﻴوﻟوﺠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻨت ﺘﻬﺘم ﺒﺘﻠك اﻟﻔﺌﺎت ﻛﺎﻨت ﺘﻨظـر إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺘﺸﻛﻝ "ﺒـرﺠوازﻴﺔ ﺼﻐﻴرة" ﻤﺜﻝ ﻤﺎ ﻫو اﻟﺤﺎﻝ ﻋﻨد "ﺒوﻟﻨﺘزاس" ) (Poulantzas أو ﻋﻠﻰ أن أﻓرادﻫﺎ ﻴﺘﻤﻴزون ﺒﺎﻟﺘذﺒذب واﻟﻐﻤوض ﻓﻲ اﻨﺘﻤﺎءاﺘﻬم وﻤواﻗﻔﻬم اﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، أو ﻋﻠﻰ أﻨﻬﺎ ﺘﻌﺒر ﻋن ﺒروز ﺸﻛﻝ ﺠدﻴد ﻤن اﻟﻤﺜﻘﻔﻴن اﻟذﻴن ﻴﻌﺒرون ﻋن طﻤوﺤﺎت اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻤﻠﺔ ﻤﺜﻝ ﻤﺎ ﻫو ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺸﺄن ﻋﻨد ﻛﻝ ﻤن "ﻏورﺘز" (A.Gortz) و"س. ﻤﺎﻟﻴﻴﻪ" Mallet) .(S.
إن ﻤﺎ ﺘﻌﻴﺒﻪ "داﻨﻴو" ﻋﻠﻰ اﻟدراﺴﺎت اﻟﺴﺎﺒﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻨﺎوﻟت اﻹطﺎرات أﻨﻬﺎ ﻛﺎﻨت ﺘؤﻛد ﻋﻠﻰ ﺨﺼوﺼﻴﺔ اﻟﻨﻤوذج اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻟﺘﻠك اﻟﻔﺌﺔ، دون أن ﺘرﺒط ذﻟك ﺒﻨظرة ﺸﺎﻤﻠﺔ ﻓﻲ
إطﺎر إﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﺒﻬﺎ، ﻛﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﻗﺎﺌﻤﺔ ﺒذاﺘﻬﺎ، وﻟﻴﺴت ﺘﺎﺒﻌﺔ ﻹﺤدى اﻟﻘوى اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ. وﻤن ﻫﻨﺎ، ﺘﺘﺴﺎءﻝ اﻟﺒﺎﺤﺜﺔ ﻋن اﻷﺴﺒﺎب اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺒﺎﻹطﺎرات ﻛﺸراﺌﺢ ﻫﺎﻤﺸﻴﺔ وﺘﺎﺒﻌﺔ ﻟﻐﻴرﻫﺎ، إﻤﺎ ﻟﻠﻌﻤﺎﻝ أو ﻟﻠﺒرﺠوازﻴﺔ. ﻓﻠﻤﺎذا، ﺘﺴﺄﻝ "داﻨﻴو"، ﻟم ﺘﺘم دراﺴﺔ ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ وأﻓرادﻫﺎ ﻛﺤﺎﻤﻠﻴن ﻟﺘطﻠﻌﺎت وﻤﺼﺎﻟﺢ ﺘﻌﺒر ﻋن ﻤﺸروع ﻓﺌﺔ إﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ "ﻓﻲ ذاﺘﻬﺎ" و"ﻟذاﺘﻬﺎ"، ﻴﺴﻌﻰ أﻓرادﻫﺎ، ﻤن ﺨﻼﻝ ﻤﺎ ﻴﺸﺎرﻛون ﻓﻴﻪ ﻤن ﺤرﻛﺎت، إﻟﻰ اﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ ﻫوﻴﺘﻬم اﻟﺨﺎﺼﺔ وﻤواﻗﻌﻬم ﻛﻔﺎﻋﻠﻴن اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﻴن ﻤﺴﺘﻘﻠﻴن ﻋن ﻏﻴرﻫم ؟(1)
وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺴﻴﺎق ﺘﻘﺘرح "داﻨﻴو" ﻋرﻀﺎ ﻟﺒﻌض اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺘﻨﺎوﻟت ﺒﺎﻟدراﺴﺔ ﻤوﻀوع اﻹطﺎرات ﻓﺘؤﻛد ﻋﻠﻰ أن أﺼﺤﺎﺒﻬﺎ اﻨطﻠﻘوا ﻤن ظﺎﻫرة ﺘزاﻴد أﻋداد أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، واﻟﺘﺴﺎؤﻝ ﻋﻤﺎ ﻴﻤﻛن أن ﺘﻘوم ﺒﻪ، ﻀﻤن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺼراع اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ. وﺘرى "داﻨﻴو" أن ﻤﺎ ﻤﻴز ﺘﻠك اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت، ﻫو ﻤﺤﺎوﻟﺘﻬﺎ اﻟﻛﺸف ﻋن اﻟظروف اﻟﺘﻲ ﻤﻴزت ﻤﺴﻴرة اﻟﻔﺌﺎت اﻟﺘﺄطﻴرﻴﺔ ﻟﻼﺴﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﻤﻘﺎﻟﻴد اﻟﺴﻠطﺔ ﻛطﺒﻘﺔ ﻓﻲ طور اﻟﺘﺸﻛﻝ، وﻋن طﺒﻴﻌﺔ ﻤﺎ ﺘﺤﻤﻠﻪ ﻛﻤﺸروع اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ.
ﻤن ﻫﻨﺎ ﺘطرﻗت ﻫذﻩ اﻟﺒﺎﺤﺜﺔ إﻟﻰ ﻨظرﻴﺔ "أ.ﻏوﻟدﻨر" ) Gouldner (A. ﺤﻴث ﺘﻌﺘﺒرﻫﺎ
اﻟﺘﺼوﻴر اﻷﻛﺜر اﻛﺘﻤﺎﻻ ﻟﻠﻘﻀﻴﺔ اﻟﻤطروﺤﺔ. ﻓﻘد إﻨطﻠق "ﻏوﻟدﻨر"، ﺘﻘوﻝ "داﻨﻴو"، ﻤن ﺘﺄﻛﻴدﻩ ﻋﻠﻰ أن اﻟدور اﻷﺴﺎﺴﻲ ﻟﻤﺎ ﺴﻤﺎﻩ ﺒـ"اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﺠدﻴدة" ﻓﻲ اﻟﺤرﻛﺔ اﻟﺘﻐﻴﻴرﻴﺔ، ﻛﺜﻴرا ﻤﺎ ﻴﺘم اﻟﺘﻐﺎﻀﻲ ﻋﻨﻪ ﺨﺎﺼﺔ ﻤن طرف اﻟﺒﺎﺤﺜﻴن اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﻴن، وﻻ ﻴﺘم ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺒﻝ اﻟﺘرﻛﻴز إﻻ ﻋﻠﻰ دور اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻤﻠﺔ. وﺘﻀﻴف "داﻨﻴو" ﺒﺄن "ﻏوﻟدﻨر" ﻴرى أن اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﺠدﻴدة "ﻫﻲ ﺘﻠك اﻟﺘﻲ ﺘﻀم اﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن وﻗﺎدة اﻟﻤؤﺴﺴﺎت وأﺴﺎﺘذة اﻟﺘﻌﻠﻴم اﻟﻌﺎﻟﻲ وﻛﺒﺎر اﻟﻤوظﻔﻴن. وﻴرى أﻴﻀﺎ ﺒﺄن اﻟﻤﻨظوﻤﺔ اﻟﺘرﺒوﻴﺔ اﻟﻌﻤوﻤﻴﺔ وﻋﻠﻰ رأﺴﻬﺎ اﻟﻤؤﺴﺴﺔ اﻟﺠﺎﻤﻌﻴﺔ، ﻫﻲ اﻟوﺴﻴﻠﺔ اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ ﻟﺘﺸﻛﻴﻝ ﻫذﻩ اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﺠدﻴدة، ﻷﻨﻬﺎ ﻻ ﺘﻤﻨﺢ ﻟﻬﺎ ﻤﺼدر ﺴﻠطﺘﻬﺎ ﻓﺤﺴب، وﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻗدرﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻻﺴﺘﻘﻼﻟﻴﺔ واﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ ذاﺘﻬﺎ، وٕاﻨﻤﺎ ﻟﻛوﻨﻬﺎ ﺘﻔﺘﺢ ﻟﻬﺎ ﻤﺠﺎﻻت ﻫﺎﻤﺔ ﻟﻠﺘﺸﻐﻴﻝ.
وﺘﺸﻴر "داﻨﻴو" أن "ﻏوﻟدﻨر" ﻴؤﻛد ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺴﻴﺎق أﻴﻀﺎ، ﻋﻠﻰ أن اﻟﻤﻨظوﻤﺔ اﻟﻤدرﺴﻴﺔ واﻟﺠﺎﻤﻌﻴﺔ، ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺘﻘوم ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺤدﻴﺜﺔ، ﺒﺘرﺴﻴﺦ ﻨﻤط ﺠدﻴد ﻤن اﻟﺨطﺎب، ﻴﺤﺘوي ﻋﻠﻰ ﻨوع ﻤن اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻨﻘدﻴﺔ ﻛﺄﺤد اﻟﻌواﻤﻝ اﻷﺴﺎﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻤﻴز ﻛﺎﻓﺔ أﻓراد
1 - Monique Dagnaud, « La classe d’alternative . Réflexion sur les acteurs du changement social dans les sociétés modernes », Sociologie du travail, 4/81, 23ème année, Octobre –Décembre, 1981p.385.
ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ أو "اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﺼﺎﻋدة." وﺒﻨﺎء ﻋﻠﻰ ذﻟك، ﻴﺨﻠص "ﻏوﻟدﻨر" إﻟﻰ أن ﻤﺎ ﻴؤدي إﻟﻰ ﺘﺸﻛﻴﻝ ﻫذﻩ اﻟطﺒﻘﺔ ﻫو ﺒﺎﻷﺴﺎس : ﻨﻤط اﻟﺘﻛوﻴن اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ اﻟذي ﺘﺨﻀﻊ ﻟﻪ، وﻛذﻟك اﻟﻤوﻗﻊ اﻟﺨﺎص اﻟذي ﺘﺤﺘﻠﻪ ﺒﻌد ذﻟك ﻓﻲ اﻟﺒﻨﺎء اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ اﻟﻌﺎم(1).
وﻓﻲ ﺴﻴﺎق ﺘﻌﻠﻴﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻓﻛﺎر "ﻏوﻟدﻨر"، ﺘذﻫب "داﻨﻴو" إﻟﻰ أن ﻫذا اﻷﺨﻴر ﻗد أﻋطﻰ أﻫﻤﻴﺔ ﻗﺼوى ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻛوﻴن اﻟﺘﻲ ﺘﻠﻌب اﻟدور اﻟﺤﺎﺴم، ﻟﻴس ﻓﻘط ﻓﻲ ﺘﺸﻛﻴﻝ ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ، وٕاﻨﻤﺎ أﻴﻀﺎ ﻓﻲ إﻋطﺎﺌﻬﺎ وﺠودا وطﺎﺒﻌﺎ ﻋﺎﻟﻤﻴﻴن، ﻛﻨﺨﺒﺔ ﻓﻛرﻴﺔ وﺘﻘﻨﻴﺔ، ﺘﺘﻤﻴز ﺒﻨوع ﻤن اﻟﺘﻀﺎﻤن اﻟدوﻟﻲ، ﻷن أﻓرادﻫﺎ ﻤﺘﺸﺒﻌون ﺒﻨﻔس اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻔﻛرﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ، ﺒﻐض اﻟﻨظر ﻋن اﻟﺘوﺠﻬﺎت اﻷﻴدﻴوﻟوﺠﻴﺔ اﻟﻤﺘﺒﺎﻴﻨﺔ ﻟﻤﺨﺘﻠف اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺤدﻴﺜﺔ. ﻛﻤﺎ أن "ﻏوﻟدﻨر" ﻴﻌﺘﺒر أن أﻫم ﻤﺎ ﻴﻤﻴز ﻤﺠﻤوﻋﺔ اﻹطﺎرات ﻫو ﻤﺎ ﺘﻤﺘﻠﻛﻪ ﻤن "رأﺴﻤﺎﻝ" ﺨﺎص ﺒﻬﺎ ﺘﺴﺘﻨد ﻤﺸروﻋﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻗدرة ﺘطوﻴر اﻹﻨﺘﺎﺠﻴﺔ واﻟرﻓﻊ ﻤن ﻤﺴﺘواﻫﺎ. إن اﻟرأﺴﻤﺎﻝ اﻟﺨﺎص ﻫذا ﻫو اﻟذي ﻴﻔﺘﺢ ﻟﻺطﺎرات ﻓﻲ ﺘﻘدﻴرﻩ اﻟﻤﺠﺎﻝ ﻻﺤﺘﻼﻝ ﻤواﻗﻊ ﻫﺎﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﺤدﻴث، وﺘوﺴﻴﻊ آﻓﺎق طﻤوﺤﺎﺘﻬم. ﻛﻤﺎ أﻨﻪ، وﻤن ﺨﻼﻝ ﻨﺸﺎط ﻤﻛﺜف، ﺘﻤﻛن اﻹطﺎرات ﻤن ﺘﺜﻤﻴن ﻤﺎ ﻴﻤﺘﻠﻛون ﻤن ﺸﻬﺎدات وﺤﻤﺎﻴﺘﻬﺎ، ﻋﺒر ﺘﺸﻛﻴﻝ أﻨﻤﺎط ﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻤن اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت واﻟﺠﻤﻌﻴﺎت اﻟﻤﻬﻨﻴﺔ واﻟﻌﻤﻝ ﻋﻠﻰ إرﺴﺎء ﻗواﻋد "ﺒرﺠوازﻴﺔ ﺜﻘﺎﻓﻴﺔ" ﺘﺴﻌﻰ إﻟﻰ إﻋطﺎء ﻤﻌﺎرﻓﻬﺎ وﻛﻔﺎءاﺘﻬﺎ ﻤوﻗﻌﺎ ﻫﺎﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺴوق ﺘﻤﺎﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻴﻔﻌﻝ أي رأﺴﻤﺎﻟﻲ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺎ ﻴﻤﺘﻠﻛﻪ ﻤن أﻤواﻝ.
وﻴﺨﻠص "ﻏوﻟدﻨر"، ﺤﺴب "داﻨﻴو"، إﻟﻰ أن ﺘﺸﻛﻴﻝ ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻟﻤﺜﻘﻔﻴن ﺘﻀم اﻹطﺎرات واﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن، ﻻ ﻴﻌود ﻓﻘط إﻟﻰ وﺤدة اﻟﺘﻤﺜﻼت اﻷﻴدﻴوﻟوﺠﻴﺔ واﻟﺘﻛوﻴن اﻟﻤﺸﺘرك، ﺒﻝ وﻛذﻟك إﻟﻰ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ إﻨﺸﺎء وﺘﺴﻴﻴر "ﺴوق" ﻤﺎ أﺴﻤﺎﻩ ﺒـ "اﻟرأﺴﻤﺎﻝ اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ" اﻟذي ﻴﻤﻴز اﻹطﺎرات. وﺒﺎﻟرﻏم ﻤن ﻫذا، ﺘﻘوﻝ "داﻨﻴو"، ﻓﺈن "ﻏوﻟدﻨر" ﻴرى ﺒﺄن طﻤوﺤﺎت ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻓﻲ اﻻرﺘﻘﺎء واﻟﺘﺤﻛم ﻓﻲ ﺘوﺠﻴﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺘﺼطدم ﺒﻤﻘﺎوﻤﺔ اﻟﻌدﻴد ﻤن اﻟطﺒﻘﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘرﻓض اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋن ﻤواﻗﻌﻬﺎ ﺒﺴﻬوﻟﺔ، وﻤن ﻫﻨﺎ ﻨﺸﺄ ﻤﺎ ﻴﻤﻴز اﻹطﺎرات ﻤن ﺸﻌور ﺒﺎﻟﺘﻨﺎﻗض ﺒﻴن ﻤﺎ ﻴؤﻫﻠﻬم ﻟﻠﻘﻴﺎدة ﻤن إﻤﻛﺎﻨﻴﺎت ﻓﻛرﻴﺔ وﺘﻘﻨﻴﺔ وﺒﻴن ﻤﺎ ﺘﻤﺘﻠﻛﻪ ﻓﻌﻼ ﻤن ﻤﺴﺘوى ﻓﻲ اﻟدﺨﻝ وﻤن ﻨﺼﻴب ﻤﺤدود ﻤن اﻟﺴﻠطﺔ، وﻫو ﻤﺎ أﻨﺘﺞ ﻟدى أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﺸﻌورا ﺒﺎﻹﺤﺒﺎط.
واﻟﺠدﻴر ﺒﺎﻟذﻛر، أن ﻫذا اﻟﺘﻨﺎﻗض ﻨﺠد ﺠذورﻩ، ﺤﺴب "ﻏوﻟدﻨر"، إﻟﻰ ﺤد ﻛﺒﻴر ﻓﻲ طﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻛوﻴن ﻨﻔﺴﻪ. إن ﻫذا اﻟﺘﻛوﻴن ﻫو اﻟذي ﻴؤدي، ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎدﻩ، ﺒﺎﻹطﺎرات ﻤن ﺠﻬﺔ، إﻟﻰ
1 - Ibid., p.386.
رﻓض طﺒﻴﻌﺔ اﻟﻨظﺎم اﻟﻘﺎﺌم، وﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى، إﻟﻰ ﺘﺒﻨﻲ ﻤواﻗف إﺼﻼﺤﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﻴﻨﻌﻛس ذﻟك ﻓﻲ ﻤواﻗﻔﻬم اﻟﺘﻲ ﺘﺘﺴم ﻫﻲ أﻴﻀﺎ ﺒﺎﻟﺘﻨﺎﻗض. ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻹطﺎرات ﻴﺒدون ﻤﺴﺘﻌدﻴن ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺒﺄدوار ﺘﻐﻴﻴرﻴﺔ، ﻓﺈﻨﻬم، ﻛﺠزء ﻤن اﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﻤﺜﻘﻔﺔ، ﻴﻤﻴﻠون ﻋﺎدة إﻟﻰ اﺤﺘﻛﺎر ﻤﺼﺎدر اﻟﺜروة واﻻﻤﺘﻴﺎزات اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. وﻤﻊ ذﻟك ﻓﺈن "ﻏوﻟذﻨر" ﻴﻌﺘﺒر ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ أو اﻟطﺒﻘﺔ ﻤن أﻛﺜر اﻟطﺒﻘﺎت ﻤﻴﻼ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴر ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﻐرﺒﻴﺔ وأﻨﻬﺎ ﺘﻤﺜﻝ ﻓﻲ ﺘﻘدﻴرﻩ، "ﻤﺼدر ﻛﻝ ﺘﺤرر إﻨﺴﺎﻨﻲ
ﻤﻤﻛن ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻝ اﻟﻘرﻴب" .(1) واﻟﺴﺒب ﻓﻲ ذﻟك ﻴﻌود، ﻓﻲ اﻋﺘﻘﺎدﻩ، ﻟﻤﺎ ﻴﻤﺘﻠﻛﻪ أﻓرادﻫﺎ ﻤن
ﻤﻌﺎرف ﻋﻠﻤﻴﺔ وﺘﻘﻨﻴﺔ ﻀرورﻴﺔ ﻟﻌﻤﻝ ﻗوى اﻹﻨﺘﺎج اﻟﻌﺼري إﻀﺎﻓﺔ ﻟﻤواﻗﻔﻬم اﻹﻴﺠﺎﺒﻴﺔ ﺘﺠﺎﻩ اﻟﻘﻀﺎﻴﺎ اﻷﻴﻛوﻟوﺠﻴﺔ وﻤواﺠﻬﺘﻬم ﻟﻛﻝ أﺸﻛﺎﻝ اﻟرﻗﺎﺒﺔ واﻟﺘﻌﺴف، وﻟﻘدرﺘﻬم ﻋﻠﻰ ﺒﻠورة ﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻤن اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ذات طﺎﺒﻊ ﻋﺎم ﻻ ﺘرﺘﺒط ﺒطﺒﻘﺔ ﻤﻌﻴﻨﺔ دون ﻏﻴرﻫﺎ.
ﺒﻌد ﻫذا اﻟﻌرض، ﺘﻨﺘﻘﻝ "داﻨﻴو" إﻟﻰ ﺘﻘدﻴم ﻤﺴﺎﻫﻤﺔ أﺨرى ﺘﻨﺎوﻟت ﻗﻀﻴﺔ اﻹطﺎرات. وﺘرى ﺒﺄﻨﻬﺎ ﺘﻘﺘرب ﻫﻲ ﺒدورﻫﺎ ﻤن ﺘﺴﺎؤﻻت "ﻏوﻟدﻨر." وﻫﻲ دراﺴﺔ ﺘﻌﻠﻘت ﺒﺈطﺎرات ﻤﺎ ﻛﺎن ﻴﻌرف آﻨذاك ﺒﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻻﺸﺘراﻛﻴﺔ ﻷورﺒﺎ اﻟﺸرﻗﻴﺔ. إﻨﻬﺎ اﻟﺘﺴﺎؤﻻت اﻟﺘﻲ أﺜﺎرﻫﺎ "زﻴﻠﻴﻨﻲ" (I.Szeliny) اﻟذي ﻗﺎم ﻓﻲ اﻟﺒداﻴﺔ ﺒﺘطﺒﻴق ﻨﻤوذج ﺘﺤﻠﻴﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﺴﻤﺘﻪ "داﻨﻴو" ﺒـ "اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺒﻴروﻗراطﻴﺔ" اﻟﺸرﻗﻴﺔ، ﺜم ﺤﺎوﻝ ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد ﺘطﺒﻴﻘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐرﺒﻴﺔ، ﺒﻌد أن اﺴﺘﻘر ﺒﻪ اﻟﻤﻘﺎم ﻓﻲ إﺤدى ﺘﻠك اﻟدوﻝ. ﻟﻘد أﺒرز "زﻴﻠﻴﻨﻲ"، ﺤﺴب "داﻨﻴو" اﻫﺘﻤﺎﻤﺎ ﺒﺎﻟظروف اﻟﺘﻲ أﺤﺎطت ﺒظﻬور اﻹطﺎرات، وﻛﻴف أﺼﺒﺤوا ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد ﻴﺤﺘﻠون ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺸرﻗﻴﺔ ﻤواﻗﻊ ﺴﻤﺎﻫﺎ "زﻴﻠﻴﻨﻲ" ﺒـ "ﻤواﻗﻊ إﻋﺎدة اﻟﺘوزﻴﻊ اﻟﻌﻘﻼﻨﻲ" اﻟﺘﻲ أﺼﺒﺤوا ﻴﻘوﻤون ﻤن ﺨﻼﻟﻬﺎ ﺒﺄﻨﺸطﺔ "اﻟﺘﺨطﻴط" و"اﻟﺘﻨظﻴم" وﻛذﻟك ﺒـ "إﻋﺎدة اﻟﺘوزﻴﻊ اﻟﺘﻲ ﺘﺘم ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ ﻤﺴﺘوﻴﺎت أﺠﻬزة اﻟدوﻟﺔ وﻤؤﺴﺴﺎﺘﻬﺎ، ﺒﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ اﻟﻌﻤوﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﺸﻛﻝ اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺘﻲ ﻴﺴﺘﻨد إﻟﻴﻬﺎ وﺠود ﺘﻠك اﻟﻔﺌﺎت(2).
ﻤن ﻫذا اﻟﻤﻨظور ﺘرى "داﻨﻴو" ﺒﺄن "زﻴﻠﻴﻨﻲ" ﻴﻌﺘﺒر ﺒﺄن ﻤﺜﻘﻔﻲ اﻟﺒﻠدان اﻟﺸرﻗﻴﺔ، ﻛﺎﻨوا ﻴﺘﻤﻴزون آﻨذاك ﻋﻠﻰ ﻨظراﺌﻬم ﻓﻲ اﻟدوﻝ اﻟﻐرﺒﻴﺔ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ﻤن ﻨﺎﺤﻴﺘﻴن : ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻫؤﻻء ﻓﻲ اﻟﻐرب، ﻗد دﻋﻤوا ﻤواﻗﻌﻬم وﻨﻔوذﻫم ﺒﺎﺴﺘﺨدام ﻤﻬﺎراﺘﻬم اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻛﻤﺎ ذﻛر "ﻏوﻟدﻨر" ﻓﺈن أوﻟﺌك، ﻓﻲ اﻟﺸرق، ﻗد ﺤﻘﻘوا ﻤﺎ ﺤﻘﻘوﻩ ﻤن ﺨﻼﻝ ﺴﻌﻴﻬم اﻟدؤوب إﻟﻰ اﺤﺘﻛﺎر ﻤﺎ ﺴﻤﺎﻩ ﺒـ : اﻟﻤﻌرﻓﺔ
1 - Ibid,. p.387.
2 - Ibid., p.388.
"اﻟﻐﺎﺌﻴﺔ" ﺤﻴث اﻛﺘﺸﻔوا ﺘدرﻴﺠﻴﺎ اﻻﻤﺘﻴﺎزات اﻟﺘﻲ ﻴﻤﻨﺤﻬﺎ ﻟﻬم ﺘﺄﻛﻴدﻫم ﻋﻠﻰ اﻻﻟﺘزام اﻟﻌﻘﺎﺌدي ﻟﻠﺴﻴﺎﺴﺔ اﻟﻘﺎﺌﻤﺔ. وﻴﻼﺤظ "زﻴﻠﻴﻨﻲ"، ﺘﻘوﻝ "داﻨﻴو"، أن ﺠﻬﺎز اﻹدارة ﻓﻲ اﻟدوﻝ اﻟﻐرﺒﻴﺔ، ﻻ ﻴوﻓر اﻟﺤﻤﺎﻴﺔ ﻟﻠﻤﺜﻘﻔﻴن، وﻻ ﻴﺜﻤن إﻤﻛﺎﻨﻴﺎﺘﻬم ﺒﻨﻔس اﻟطرﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻴﺘم ﺒﻬﺎ ذﻟك ﻓﻲ دوﻝ ﺸرق أورﺒﺎ آﻨذاك، أي ﻗﺒﻝ اﻟﺘﺤوﻝ اﻷﻴدﻴوﻟوﺠﻲ اﻟﻛﺒﻴر اﻟذي ﺤدث ﻓﻲ أواﺨر ﺜﻤﺎﻨﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘرن اﻟﻤﺎﻀﻲ. ﻓﺎﻟﻤﺜﻘﻔون، ﻴﻘوﻝ "زﻴﻠﻴﻨﻲ"، ﻴﻤﺜﻠون ﻓﻲ اﻟدوﻝ اﻟﺸرﻗﻴﺔ طﻼﺌﻊ ﻟﻠطﺒﻘﺔ اﻟﻤﺴﺘﻐﻠﺔ اﻟﺠدﻴدة، ﻛﻤﺎ أﻨﻬم أﺼﺒﺤوا ﻴﺘﻤﺘﻌون ﺒﺎﻟوﺤدة واﻟﺘﺠﺎﻨس ﻛطﺒﻘﺔ واﺤدة، وﻴؤﻛد ﻋﻠﻰ أن "اﻟﺘﻌﻠﻴم"، وﻤﺎ ﻴﻤﻨﺤﻪ ﻤن "ﺸﻬﺎدات" ﺠﺎﻤﻌﻴﺔ، ﻴﻠﻌب دورا ﻛﺒﻴرا ﻓﻲ ﺘوﻓﻴر ﻤﻨﺎﺼب اﻟﻘﻴﺎدة ﻷﻓراد ﺘﻠك اﻟﺸرﻴﺤﺔ. وﻤﻊ ذﻟك، ﺘﻀﻴف "داﻨﻴو"، ﻓﺈن "زﻴﻠﻴﻨﻲ"، ﻋﻠﻰ ﻏرار "ﻏوﻟدﻨر"، ﻴﺼﻝ إﻟﻰ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﻘوﻝ ﺒﺄن ﻫذﻩ اﻟطﺒﻘﺔ، ﻗد ﺘﺼﺒﺢ طﺒﻘﺔ "ﺘﺤرﻴرﻴﺔ" ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺸرﻗﻴﺔ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟﺤﻘﺒﺔ وﻟﻛن إذا ﺘﺤﺎﻟﻔت ﻤﻊ اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻤﻠﺔ(1).
واﻟﻤﻼﺤظ، ﻛﻤﺎ ﺘؤﻛد ﻋﻠﻰ ذﻟك "داﻨﻴو" أن ﻫﺎﺘﻴن اﻟدراﺴﺘﻴن ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن اﻨﺘﻤﺎء ﺼﺎﺤﺒﻴﻬﻤﺎ إﻟﻰ ﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻤﺘﺒﺎﻴﻨﺔ، ﻓﺈن ذﻟك ﻟم ﻴﻤﻨﻌﻬﻤﺎ ﻤن اﻻﻟﺘﻘﺎء ﻓﻲ ﻋدة ﻤﺴﺎﺌﻝ، ﻟﻌﻝ أﺒرزﻫﺎ اﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ وﺤدة ﻤﺼﺎﻟﺢ أﻓراد ﺸرﻴﺤﺔ اﻹطﺎرات، واﺸﺘراﻛﻬم ﻓﻲ ﺨﻠﻔﻴﺔ ﻋﻘﺎﺌدﻴﺔ واﺤدة، وﺘﺸﺎﺒﻪ ﻤﺴﺎراﺘﻬم اﻟﺘﻛوﻴﻨﻴﺔ، وﻤﺴﻴراﺘﻬم اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ، وﺘﻤﻴزﻫم ﻋن اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻤﻠﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ وﻋن طﺒﻘﺔ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﺴؤوﻟﻴن واﻟﻤﺎﻟﻛﻴن ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى. ﻛﻤﺎ أن ﻛﻼ ﻤن "ﻏوﻟدﻨر" و"زﻴﻠﻴﻨﻲ" ﻗد أﺜﺎرا ﻗدرة ﺘﻠك اﻟطﺒﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺤرﻛﺎت اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻤن أﺠﻝ ﺘﻐﻴﻴر اﻷوﻀﺎع اﻟﺴﺎﺌدة، ﻴﻛون اﻟﻬدف ﻤﻨﻬﺎ ﺘﺤرﻴر اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻤن ﻗﺒﻀﺔ اﻟﻘوى اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﻬﻴﻤﻨﺔ.
ﺒﻌـد ﻫذا ﺘطرﻗت "داﻨﻴو" إﻟـﻰ دراﺴﺔ أﺨرى ﻻ ﺘﻘﻝ أﻫﻤﻴـﺔ ﻋن اﻟدراﺴﺘﻴن اﻟﺴﺎﺒﻘﺘﻴـن وﻫﻲ
ﺘﻠك اﻟﺘـﻲ ﻗﺎم ﺒﻬﺎ اﻟزوﺠـﺎن "ﺒـرﺒرا" و"ﺠون إﻴراﻨراﻴش" ) Ehrenreichs J. et (B. اﻟﻠذان
اﻋﺘﺒرﺘﻬﻤﺎ اﻟﺒﺎﺤﺜﺔ ﻴﻨﺘﻤﻴﺎن إﻟﻰ اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻟرادﻴﻛﺎﻟﻲ ﻓﻲ اﻟدراﺴﺎت اﻟﺴوﺴﻴوﻟوﺠﻴﺔ اﻷﻤرﻴﻛﻴﺔ. ﻟﻘد
اﻫﺘﻤﺎ ﻓﻲ دراﺴﺘﻬﻤﺎ ﺘﻠك ﺒﺎﻹطﺎرات وأطﻠﻘﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﺌﺘﻬم اﺴﻤﺎ ﺨﺎﺼﺎ وﻫو : " Professionnel
class "Monogenal اﻟﺘﻲ ﺘﺘﺸﻛﻝ ﺤﺴﺒﻬﻤﺎ ﻤن اﻹطﺎرات واﻟﻤﻬﻨدﺴﻴن، وأن ظﻬورﻫﺎ ﻗد ارﺘﺒط ﺒﺒروز ﺤﺎﺠﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت إﻟﻰ ﻤن ﻴﻘوم ﺒﻤﻬﻤﺔ ﺠدﻴدة ﻟم ﺘﻛن ﻤوﺠودة ﻤن ﻗﺒﻝ، وﻫﻲ "ﺘﻨظﻴم اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴن اﻟﺒرﺠوازﻴﺔ ﻤن اﻟﺠﻬﺔ واﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻤﻠﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى."
1 - Ibid., p.389.
إن ﻫذﻩ اﻟﻤﺠﻤوﻋﺔ ﻓﻲ ﻨظر "ب و ج. إﻴراﻨراﻴش" ﺘﺴﺎﻫم ﻓﻲ ﻤﺎ ﺴﻤﻴﺎﻩ ﺒـ : "إﻋﺎدة إﻨﺘﺎج اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻘﺎﺌﻤﺔ." ﻓﻬﻲ ﺘﻘوم إذا وﻓﻘﺎ ﻟﻬذا اﻟﺘﺼور ﺒوظﻴﻔﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ )ﻤﺤﺎﻓظﺔ( ذات أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴرة ﺘﺘﻤﺜﻝ، ﺤﺴﺒﻬﻤﺎ، ﻓﻲ ﺤﻤﺎﻴﺔ ﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﺒرﺠوازﻴﺔ وﻛذﻟك ﻓﻲ "ﺘﻔﻛﻴك ﺘﻀﺎﻤن اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻤﻠﺔ"، وذﻟك ﺒﺎﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ وﺴﺎﺌﻝ ﻤﺘﻨوﻋﺔ أﻫﻤﻬﺎ : اﻟﻤﻨظوﻤﺔ اﻟﺘرﺒوﻴﺔ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ، وﻤﺎ ﺘﻘوم ﺒﻪ اﻟﻤؤﺴﺴﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻷﺨرى ﻤﺜﻝ اﻹﻋﻼم وﻏﻴرﻩ.
ﻟﻛن وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﻫذا اﻟﻤوﻗف اﻟرادﻴﻛﺎﻟﻲ، ﻓﺈن "ب. وج. "إﻴراﻨراﻴش"، ﻛﻤﺎ ﺘﻼﺤظ "داﻨﻴو"، ﻴﺘدارﻛﺎن اﻷﻤر ﺒﺎﻟﻘوﻝ أن ﻤﺼﻠﺤﺔ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﺴرﻋﺎن ﻤﺎ ﺘدﺨﻝ ﻓﻲ ﺘﻨﺎﻗض ﻤﻊ ﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﻴن أﻨﻔﺴﻬم، ﺤﻴث ﺘﺘﻌرض طﻤوﺤﺎﺘﻬم ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎدة إﻟﻰ رﻏﺒﺔ أﺼﺤﺎب رأس اﻟﻤﺎﻝ ﻓﻲ اﻹﺒﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻤﺘﻴﺎزاﺘﻬم وﻤواﻗﻌﻬم. إن أﻓﻛﺎر اﻹطﺎرات اﻹﺼﻼﺤﻴﺔ، ودﻋوﺘﻬم ﻻﺤﺘرام ﻤﺒﺎدئ اﻟﻌﻘﻼﻨﻴﺔ، وﻤطﺎﻟﺒﺘﻬم ﺒﺎﻻﺴﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺘدﺨﻠﻬم ﺤﺘﻤﺎ ﻓﻲ ﺘﻌﺎرض ﻤﻊ طﺒﻘﺔ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﻴن ﻛطﺒﻘﺔ ﻤﺴﻴطرة وﻤﺤﺎﻓظﺔ. وﻴرى "ب. وج. إﻴراﻨراﻴش" ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى، أن إﻤﻛﺎﻨﻴﺔ ﻤﺴﺎﻫﻤﺔ اﻹطﺎرات ﻓﻲ اﻟرﻓﻊ ﻤن ﻤﺴﺘوى اﻹﻨﺘﺎج، واﻟﻤطﺎﻟﺒﺔ ﺒﻌداﻟﺔ أﻛﺜر ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺘوزﻴﻊ ﺜﻤﺎر اﻟﻌﻤﻝ، ﻴزﻴد ﻻ ﻤﺤﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺘﻌﻤﻴق اﻟﻬوة ﺒﻴﻨﻬم وﺒﻴن طﺒﻘﺔ اﻟﺒرﺠوازﻴﻴن. وﻗد ﺤﺎوﻟت ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات، ﻓﻲ ﻨظرﻫﻤﺎ، اﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ ﻤﻛﺎﻨﺘﻬﺎ واﻟﻌﻤﻝ ﻋﻠﻰ ﺘدﻋﻴﻤﻬﺎ ﻋن طرﻴق إﻨﺸﺎء اﻟﺘﻨظﻴﻤﺎت اﻟﻤﻬﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﺴﺘﻨد ﻓﻲ ﻤواﻗﻔﻬﺎ وﻨﺸﺎطﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﻴﻤﺘﻠﻛﻪ أﻓرادﻫﺎ ﻤن ﻤﻬﺎرات وﻤﻌﺎرف ﻤﺘﺨﺼﺼﺔ، اﻟﻤدﻋﻤﺔ ﺒﺎﻟﻤﺴﺘوﻴﺎت اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، وﻋﻠﻰ وﻀﻌﻬﺎ ﻟﻤﺒﺎدئ ﻤﻤﺎرﺴﺔ ﻤﻬﻨﻴﺔ ﺘﻬدف إﻟﻰ اﻟﻤطﺎﻟﺒﺔ ﺒﺎﺴﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻋن ﻤﺨﺘﻠف ﻤراﻛز اﻟﻘوة اﻟﺨﺎرﺠﻴﺔ ﻋﻨﻬﺎ(1).
وﺘذﻛر "داﻨﻴو" أن "ب.و.ج إﻴراﻨراﻴش" ﻗد ﺘوﺼﻼ ﻓﻲ دراﺴﺘﻬﻤﺎ إﻟﻰ أن ﺜﻘﺔ ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻓﻲ إﻤﻛﺎﻨﻴﺎﺘﻬﺎ وﻗوﺘﻬﺎ ﻗد ﺴﺎﻫم ﻓﻲ دﻓﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﻴﺎم ﺒﺎﻟﻌدﻴد ﻤن اﻟﺤرﻛﺎت اﻟﺘﻲ وﺼﻔﺎﻫﺎ ﺒـ "اﻟﺘﻘدﻤﻴﺔ" و"اﻟرادﻴﻛﺎﻟﻴﺔ" ﻓﻲ أﻤرﻴﻛﺎ اﻟﻘرن اﻟﻌﺸرﻴن، وﻫو ﻤﺎ ﻴؤﻛد ﻓﻲ رأﻴﻬﻤﺎ، ﺴﻌﻲ اﻹطﺎرات
إﻟﻰ ﻛﻝ ﻤﺎ ﻴدﻋم ﻤواﻗﻌﻬم وﻤﻛﺎﻨﺎﺘﻬم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .(2) وﻫﻛذا، ﺘﻀﻴف "داﻨﻴو"، ﻓﺈن ﻛﻼ ﻤن
"ب.و.ج. إﻴراﻨراﻴش" و"ﻏوﻟدﻨر" ﻴﻠﺘﻘون ﻓﻲ ﻨﻘطﺔ أﺴﺎﺴﻴﺔ وﻫﻲ أن ﺤﺎﺠﺔ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ إﻟﻰ ﻛﻔﺎءة ودور اﻹطﺎرات ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺴﺎﻫﻤت ﺒطرﻴﻘﺔ ﻋﻛﺴﻴﺔ ﻓﻲ أﻀﻌﺎف دﻋﺎﺌم اﻟﻨظﺎم اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻲ
ﺒرﻤﺘﻪ(3).
1 - Ibid., p.390.
2 - Ibid., p.391.
3 - Ibid., p.392.
ﺒﻌد ﻫذا اﻟﻌرض، ﺘﻌود "داﻨﻴو" إﻟﻰ طرح وﺠﻬﺔ ﻨظرﻫﺎ، ﺒﺎﻟﺘﺄﻛﻴد ﻋﻠﻰ أن ﺘطور ﻤﺎ ﺘﺴﻤﻴﻪ ﺒـ "طﺒﻘﺔ اﻟﺘﻛﻨوﻗراط واﻟﺘﻘﻨﻴﻴن"، وﺘزاﻴد ﺘﺄﺜﻴرﻫﺎ ﻟﻴﺴت ﻤوﻀوﻋﺎ ﺠدﻴدا. ﻟﻘد أدت ﻫذﻩ اﻟﻔﻛرة، ﻛﻤﺎ ﺘﻀﻴف، إﻟﻰ أن ﺘﻛون ﻤﺤور اﻟﻌدﻴد ﻤن اﻟدراﺴﺎت اﻟﺘﻲ ارﺘﺒطت ﺒﻤوﻀوع "اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻤﺎ ﺒﻌد اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ"، وﻨﺎﻟت اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻌدﻴد ﻤن اﻟﻤﻔﻛرﻴن اﻟﻐرﺒﻴﻴن وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺴﻴﺎق،
ﺘﺸﻴر "داﻨﻴو" إﻟﻰ دراﺴﺎت ﻛﻝ ﻤن "ﻏﺎﻟﺒرﻴث" ) (Galbraith و"د.ﺒﺎﻝ" ) (D.Bell اﻟﻠذﻴن
اﻋﺘﺒرا أن أﻫﻤﻴﺔ ﻨﺨﺒﺔ اﻟﺘﻘﻨﻴﻴن ﻓﻲ "ﻤﻨظوﻤﺔ اﻟﺘﺴﻴﻴر واﻟﻘرار" ﻗد أﺼﺒﺤت ﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻴﻤﻛن إﻨﻛﺎرﻫﺎ، وذﻟك ﻓﻲ ﻛﻝ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﻤﻌﺎﺼرة. ﻛﻤﺎ أﻛدا ﻋﻠﻰ أن ﻤﺎ ﻴﻤﻴز ﻫذﻩ اﻟطﺒﻘﺔ ﻫو ﺘﺤﺎﻟﻔﻬﺎ ﻤﻊ طﺒﻘﺔ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﻴن ﺜم اﻟﺴﻌﻲ إﻟﻰ اﻻﺴﺘﺤواذ ﻋﻠﻰ ﻤﻛﺎﻨﺔ ﻫذﻩ اﻟطﺒﻘﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ، وﻤﺤﺎوﻟﺔ زﺤزﺤﺘﻬﺎ ﻋن ﻤواﻗﻊ اﻟﻘﻴﺎدة واﻟﺴﻴطرة، وأﺨذ ﻤﻛﺎﻨﻬﺎ ﺘﺤت ﺸﻌﺎر اﺤﺘرام
ﺴﻴﺎدة وﻤﺒﺎدئ اﻻﺴﺘﺤﻘﺎق ) méritocratie (La، وذﻟك ﻤن أﺠﻝ إﻗﺎﻤﺔ ﻤﺸروع اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ
ﺠدﻴد ﻴﻌﺘﻤد ﺒﺎﻷﺴﺎس ﻋﻠﻰ ﻤﺒﺎدئ اﻟﻌﻘﻼﻨﻴﺔ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ.
وﺘﻀﻴف "داﻨﻴو"، أن اﻟﺤرﻛﺎت اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘﺸﺎرك ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات واﻟﺘﻘﻨﻴﻴن ﻫﻲ ﺘﻌﺒﻴر ﻋن ﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻨﻘد، اﻟﺘﻲ ﺘﻤﻴز أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻤﺎ ﺘﻠﻘوﻩ، طﻴﻠﺔ ﻤﺴﺎرﻫم اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ، ووﻋﻴﻬم ﺒﺎﻟﻤﻛﺎﻨﺔ اﻻﺴﺘراﺘﻴﺠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻴﺤظون ﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﺒﻨﻴﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﺤدﻴث. وﺘرى "داﻨﻴو" أﻴﻀﺎ، أن ﻤوﻗف اﻟﻌﻤﺎﻝ ﻤن اﻹطﺎرات ﻫو ﻋﺒﺎرة ﻋن "ﻤزﻴﺞ ﻏرﻴب" ﻤن اﻻﺤﺘرام واﻟرﻏﺒﺔ واﻟﻌداوﻨﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﺘرى أن ﻤﺎ ﻴﻤﻴز اﻹطﺎرات ﻛذﻟك ﻫو رﻓﻀﻬم ﻟﻠﻤﻘوﻻت اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﺔ. وﺒدﻻ ﻤن أن ﺘﻌﺘﺒر اﻹطﺎرات ﺤﻠﻴﻔﺎ ﻤﻤﻛﻨﺎ ﻟطﺒﻘﺔ اﻟﻌﻤﺎﻝ، ﻛﻤﺎ ﻴرى ﻤﻌظم اﻟﺒﺎﺤﺜﻴن اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﻴن، ﻓﺈن "داﻨﻴو" ﺘؤﻛد ﺨﻼﻓﺎ ﻟذﻟك ﻋﻠﻰ وﺠود وﻋﻲ ﻟدى أﻓراد ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﺒﺨﺼوﺼﻴﺎﺘﻬﺎ وﻤﺼﺎﻟﺤﻬﺎ اﻟﺨﺎﺼﺔ(1).
وﺘﺨﻠص اﻟﺒﺎﺤﺜﺔ إﻟﻰ أن اﻫﺘﻤﺎﻤﻬﺎ ﺒﺎﻹطﺎرات ﻟم ﻴﻛن ﻴطﻤﺢ إﻟﻰ ﺘﻘدﻴم أدﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺘﺸﻛﻴﻝ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻟطﺒﻘﺔ ﺠدﻴدة، أو ﻋﻠﻰ ارﺘﺒﺎطﻬﺎ وﺘﺒﻌﻴﺘﻬﺎ ﻟﻐﻴرﻫﺎ ﻤن اﻟطﺒﻘﺎت اﻟﺘﻘﻠﻴدﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﺤﺎوﻝ اﻟﻘﻴﺎم ﺒﻪ اﻟﻌدﻴد ﻤن اﻟﺒﺎﺤﺜﻴن. ﺒﻝ إﻨﻬﺎ ﻛﺎﻨت ﺘرﻴد ﺘوﻀﻴﺢ ﻗﻀﻴﺔ أﺨرى وﻫﻲ أن ﻤوﻗﻊ اﻹطﺎرات وﺤرﻛﺎﺘﻬم إﻨﻤﺎ ﻴﻨدرج ﻓﻲ إطﺎر ظﺎﻫرة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺘﺄﺨذ ﺸﻛﻝ ﺒروز ﺘﻴﺎر ﻴﻤﻛن إدراﺠﻪ ﻓﻴﻤﺎ أطﻠﻘت ﻋﻠﻴﻪ ﺒـ"ﺤرﻛﺔ اﻟﻴﺴﺎر اﻟﺠدﻴد" اﻟذي ﻴﺘﻤﻴز ﺒﺎﻻﺒﺘﻌﺎد ﻋن اﻟﻔﻛر اﻟﺸﻴوﻋﻲ. ﻫذا اﻟﻴﺴﺎر اﻟذي ظﻬر ﻓﻲ ﺘﻘدﻴرﻫﺎ، ﻤﻨذ ﺴﺒﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘرن اﻟﻤﺎﻀﻲ، ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻻت ﻤﺘﻌددة وﻫﻲ
1 - Ibid., p.393.
ﺤرﻛﺔ ﺘﺤﺎوﻝ إرﺴﺎء ﻗواﻋد ﻟﻨﻤوذج اﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﺒدﻴﻝ ﻴﺨﺘﻠف ﻋن ذﻟك اﻟذي ﻛﺎﻨت ﺘﺒﺸر ﺒﻪ اﻟﻠﻴﻨﻴﻨﻴﺔ، ﻷﻨﻪ، وﻋﻠﻰ ﺨﻼف ﺘﻠك اﻟﻨﻤﺎذج، ﻓﺈن اﻷﻓﻛﺎر اﻟﺘﻲ ﻴرﻓﻊ ﻟواءﻫﺎ اﻹطﺎرات ﺘﺴﺘﻨد إﻟﻰ ﻤﺸروع ﺜﻘﺎﻓﻲ ﺠدﻴد ﻻ ﻴﺴﻌﻰ أﺼﺤﺎﺒﻪ )اﻹطﺎرات( ﺒﺎﻟﻀرورة إﻟﻰ اﻻﺴﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ ﻤؤﺴﺴﺎت اﻟدوﻟﺔ واﻟﻘﻴﺎدة(1).
وﺘﺨﺘم "داﻨﻴو" دراﺴﺘﻬﺎ ﺒﺎﻟﺘﺴﺎءﻝ ﻋﻤﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﺸﻌور ﺒﺎﻟﺘﺠﺎﻨس اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟدى أﻓراد ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات ﻤﻬددا ﺒﺤﻠوﻝ اﻷزﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻴﺸﻬدﻫﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻔرﻨﺴﻲ ﻓﻲ ﺘﻠك اﻟﻔﺘرة، ﻛﻨﻤوذج ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻐرﺒﻴﺔ، ﻷن ﺘﻨﺎﻤﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﻗد ﻴﻛون ارﺘﺒط ﺒﻔﺘرة اﻻزدﻫﺎر اﻟذي ﻋرﻓﻪ اﻟﺘﺸﻐﻴﻝ ﺒﻌد اﻟﺤرب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ اﻟﺜﺎﻨﻴﺔ ﻀﻤن ﻤﺎ ﻋرﻓﻪ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻐرﺒﻲ ﻤن ﻨﻤو إﺒﺎن ﻤرﺤﻠﺔ إﻋﺎدة اﻟﺒﻨﺎء وﻤﺸروع ﻤﺎرﺸﺎﻝ. وﺘﻌﺘﻘد "داﻨﻴو" ﻓﻲ ﺼﺤﺔ اﻷطروﺤﺎت اﻟﺘﻲ ﺘؤﻛد ﻋﻠﻰ ﺒروز ﻤﺎ ﻴﻌرف ﺒـ "اﻟطﺒﻘﺎت اﻟﺠدﻴدة" ذات اﻟوﻋﻲ اﻟﻤﺸﺘرك ﻷن ذﻟك ﻴﻌﻛس ﺤﻘﻴﻘﺔ ﺴوﺴﻴوﻟوﺠﻴﺔ ﻻ ﻴﻤﻛن إﻨﻛﺎرﻫﺎ، وٕان ﻛﺎن ذﻟك ﻻ ﻴزاﻝ ﻴﺤﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﻤزﻴد ﻤن اﻷدﻟﺔ اﻟﻤﻴداﻨﻴﺔ(2).
وﻤن اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﻴﻤﻛن إدراﺠﻬﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻤﻘﺎم أﻴﻀﺎ، دراﺴﺔ اﻫﺘﻤت ﺒدور اﻹطﺎرات اﻟﻤﺤﺘﻤﻝ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻐﻴﻴر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻨﺎﻤﻴﺔ. إﻨﻬﺎ
A. Zanotti-) et
(G. Bottazi
ﻤﺤﺎوﻟﺔ ﻛﻝ ﻤن "ج. ﺒوﺘﺎزي " و"أ. زاﻨوﺘﻲ ﻛﺎرب" )
.(Karp ﻴﺒدأ "ﺒوﺘﺎزي" و"زاﻨوﺘﻲ" دراﺴﺘﻬﻤﺎ ﺒﺎﻹﺸﺎرة إﻟﻰ أن ﻤﺸﻛﻠﺔ اﺴﺘﻌﻤﺎﻝ ﻤﻔﻬوم "اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ" وﻀرورة ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺘﻲ ﺘﺴﺘﻬدف اﻟﺘﻐﻴﻴر اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻲ ﻤن ﺠﻬﺔ واﻨﻌﻛﺎﺴﺎت اﻟﺘطور اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺘﻘﻨﻲ ﻤن ﺠﻬﺔ ﺜﺎﻨﻴﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﺠد ﻫﺎﻤﺔ. وﻗد أﺼﺒﺢ ﻤن اﻟﻤﺘﻔق ﻋﻠﻴﻪ ﺤﺴﺒﻬﻤﺎ، أﻨﻪ ﻟﻴس ﻫﻨﺎك ﺘواﻓق ﻓﻲ اﻷدﺒﻴﺎت اﻟﺴوﺴﻴوﻟوﺠﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻴﺘﻌﻠق ﺒـ اﻟﻤﻌﺎﻴﻴر اﻟﻤﺤددة ﺒﺼﻔﺔ دﻗﻴﻘﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ واﻟﻌﺼرﻨﺔ، وﻫﻲ إﺸﻛﺎﻟﻴﺔ ﺘﺠﻌﻝ ﻤن اﻟﺼﻌب ﻋﻠﻰ اﻟدوﻝ اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﺘﺤدﻴد ﻤﻌﺎﻟم اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟذي ﻴﻤﻛن أن ﺘطﻤﺢ إﻟﻴﻪ. وﻗد ﺤﺎوﻟت اﻟﻤﻘﺎرﺒﺎت اﻟﻛﻼﺴﻴﻛﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﻴﻀﻴف "ﺒوﺘﺎزي" و"زاﻨوﺘﻲ"، ﺠﻌﻝ اﻟدوﻝ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ ﻨﻤوذﺠﺎ ﻷي ﻤﺸروع ﺘﻨﻤوي. إﻻ أن ﻫذﻩ اﻟﻔﻛرة ﺘﻌرﻀت إﻟﻰ اﻨﺘﻘﺎدات ﻛﺜﻴرة، ﻛﺎن اﻟﻬدف ﻤﻨﻬﺎ اﻟﺘﺨﻠص ﻤن ﻫﻴﻤﻨﺔ ﻫذﻩ اﻟﻨظرة وﺤﻛﻤﻬﺎ اﻟﻤﺴﺒق، واﻗﺘراح ﺒداﺌﻝ أﺨرى ﻴﻤﻛن أن ﺘﻘدم ﻛﺤﻝ ﻤﻨﺎﺴب ﻟﻤﻌﻀﻠﺔ اﻟﺘﺨﻠف.
1 - Ibid., p.395.
2 - Ibid., p.405.
اﺴﺘﻨﺎدا إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ، اﻋﺘﻘد "ﺒوﺘﺎزي" و"زاﻨوﺘﻲ" ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺒﻝ أن اﻟﻤﻘﺎرﺒﺔ، اﻟﻤﺎرﻛﺴﻴﺔ، ﺨﺎﺼﺔ ﺘﻠك اﻟﺘﻲ ﺴﻤوﻫﺎ ﺒـ"اﻟﺠدﻴدة" ﻗد ﻛﺎﻨت ﻓﻲ ﻨظرﻫﻤﺎ أﻛﺜر ﺤظﺎ ﻓﻲ إﻋطﺎء ﺘﻔﺴﻴر ﻤﻛﺘﻤﻝ اﻟﺠواﻨب ﻟواﻗﻊ اﻟﺘﺨﻠف ﻤن ﺨﻼﻝ رﺒطﻬﺎ اﻟﺠدﻟﻲ ﺒﻴن اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ واﻟﺘﺨﻠف. وﻛذﻟك ﻤن ﺨﻼﻝ ﺒﺤﺜﻬﺎ، ﻤن أﺠﻝ ﺘﺤدﻴد اﻟﺨﺼﺎﺌص "اﻟﺠدﻴدة" ﻟﻺﻤﺒرﻴﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺘﻬﺎ ﺒﺎﻟﺘﺒﻌﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘرﺒط اﻟدوﻝ اﻟﻨﺎﻤﻴﺔ ﺒدوﻝ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺜﺎﻟث. وﻤن ﻫﻨﺎ اﻋﺘﻘد أﺼﺤﺎب اﻻﺘﺠﺎﻩ اﻟﻤﺎرﻛﺴﻲ ﺤﺴب "ﺒوﺘﺎزي" و"زاﻨوﺘﻲ"، أن اﻟدوﻝ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ذاﺘﻬﺎ ﻗد أﻋطت ﻤوﻗﻌﺎ ﻫﺎﻤﺎ إﻟﻰ ﻤﺎ ﻴﺴﻤﻰ ﺒـ "اﻟﺒرﺠوازﻴﺔ اﻟوطﻨﻴﺔ" ﺤﻴث أوﻛﻠت ﻟﻬﺎ ﻤﻬﺎم اﻟﻘﻴﺎم ﺒﺎﻟﺜورة ﻋﻠﻰ اﻷوﻀﺎع اﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ ﺤﺘﻰ أﺼﺒﺤت ﻓﻴﻤﺎ ﺒﻌد وﺴﻴﻠﺔ ﻟﺘرﺴﻴﺦ وﺘﻌﻤﻴق اﻟﺘﺒﻌﻴﺔ ﻟﻠدوﻝ اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻤﻬﻴﻤﻨﺔ.
واﻟﻤﻬم ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻨﺎ ﻫﻨﺎ، ﻫو أن "ﺒوﺘﺎزي" و"زاﻨوﺘﻲ" ﻴؤﻛدان ﻋﻠﻰ أن اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻴﺸﻛﻝ ﻋﻨﺼرا أﺴﺎﺴﻴﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻷﻨﻪ ﻫو اﻟذي ﻴﺘﺼدى ﻟوﻀﻌﻴﺔ اﻟﺘﺨﻠف. وﻴﻌﻨﻲ ذﻟك، ﺤﺴﺒﻬﻤﺎ، أن ﺘﺤﺴﻴن اﻹﻨﺘﺎج ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻝ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﻫو أﺤد اﻷﻫداف اﻟﺘﻲ ﻻ ﺒد ﻤن ﺘﺤﻘﻴﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻝ ﺴﻴﺎﺴﺔ ﺘﻨﻤوﻴﺔ. وﻤن اﻟﻤؤﻛد أن ﻫذا ﻴﺘطﻠب، ﻛﻤﺎ ﻴﻀﻴﻔﺎن، ﻋﻨﺼرﻴن أﺴﺎﺴﻴﻴن ﻫﻤﺎ اﻟﻌﻠم واﻟﺘﻛﻨوﻟوﺠﻴﺎ، وذﻟك ﻤﻨذ أن أﺼﺒﺢ اﻟﻌﻠم ﻓﻲ ﺨدﻤﺔ اﻟﺘطور اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ أي ﻤﻨذ اﻟﺜورة اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ، وﻫو ﻤﺎ أدى إﻟﻰ ﺒروز اﻟﺤﺎﺠﺔ ﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻌﻘﻼﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻤﺠﺎﻻت اﻟﺤﻴﺎة وﻤن ﺜم ﺒروز ﻓﺌﺔ اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻴﻤﻛن أن ﻨطﻠق ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻴﻘوﻝ "زاﻨوﺘﻲ" و"ﺒوﺘﺎزي"، ﻤﺠﻤوﻋﺔ "اﻟﻤﺜﻘﻔﻴن - اﻟﺘﻘﻨﻴﻴن" اﻟذﻴن ﻴﺘﺸﻛﻠون ﻓﻲ ﻨظرﻫﻤﺎ ﻤن ﺸرﻴﺤﺔ ﻴﺘﺸﺒت أﻓرادﻫﺎ ﺒوﻫم ﻤؤداﻩ أﻨﻬم ﻴﻤﺜﻠون "ﺠﺴﻤﺎ" ﻤﺘﻤﻴزا ﻀﻤن ﺴﻴرورة اﻟﻌﻤﻝ. وٕان ﺤﺎﺠﺔ اﻟدوﻝ اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﺸرﻴﺤﺔ، ﺤﺴب "ﺒوﺘﺎزي" و"زاﻨوﺘﻲ"، ﻓﻲ ﺘزاﻴد ﻤﺴﺘﻤر ﻤن أﺠﻝ إﻨﺠﺎح ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ، ﻷن اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻴﺸﻛﻝ ﺒدورﻩ ﺴﻴرورة اﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﺴﻌﺔ ﺘﺘﻌدى ﺒﺎﻟﻀرورة ﺤدود اﻟﻤﺼﺎﻨﻊ ﻟﺘطﺎﻝ ﺠﻤﻴﻊ ﻤﻴﺎدﻴن اﻟﺤﻴﺎة اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻛﻤﺎ ﺘؤﻛد ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺘﺠرﺒﺔ اﻟدوﻝ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ أﻴن ﺘﻌدى ﻤﻨطق "اﻟﻌﻘﻼﻨﻴﺔ" ﻤﺠﺎﻝ اﻟﻤﻨﺸﺂت واﻟﻤﺼﺎﻨﻊ ﻟﻴﺠﺘﺎح ﻛﻝ اﻟﻔﻀﺎءات واﻷﻨﺸطﺔ اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻷﺨرى، اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻨت ﺘﺒدو ﺒﻌﻴدة ﻋن ﻤﻴدان اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ واﻟﺘﻨظﻴم اﻟﻌﻘﻼﻨﻲ.
وﺒﻤﺎ أن اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ، ﻓﻲ ﻨظر "ﺒوﺘﺎزي" و"زاﻨوﺘﻲ"، ﻟن ﻴﺘم ﻓﻲ اﻟﺒﻠدان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﺒﻨﻔس اﻟطرﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺘم ﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻠدان اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺘزاﻤﻨت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﻤﻊ اﻟﺒﺤث ﻋن اﻟرﺒﺢ اﻟﻔردي ﻛﻘوة ﻤﺤرﻛﺔ ﻟﺴﻴرورة اﻟﺘﻘدم اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ واﻟﺘﻐﻴر اﻟﺴوﺴﻴو-اﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ واﻟﺴﻴﺎﺴﻲ، وذﻟك ﻟﻐﻴﺎب ﻨﻔس اﻟﺸروط اﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ، واﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ واﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻫذا إﻀﺎﻓﺔ ﻟﺘواﺠد اﻟدوﻝ
اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ، وﻫو أﻤر ﺸدﻴد اﻷﻫﻤﻴﺔ ﻟﻔﻬم وﻀﻌﻴﺔ اﻟﺘﺨﻠف وﺴﺒﻝ اﻟﺨروج ﻤﻨﻬﺎ، ﻓﻲ ﻤوﻗﻊ ﺘﺒﻌﻴﺔ ﺘﺠﺎﻩ اﻟدوﻝ واﻟﺴوق اﻟرأﺴﻤﺎﻟﻴﺔ، ﻓﺈﻨﻪ ﻴﺘوﺠب ﻋﻠﻴﻨﺎ طرح ﺘﺴﺎؤﻝ ﻋن إﻤﻛﺎﻨﻴﺔ إﻴﺠﺎد طرق ﺘﻨﻤﻴﺔ ﺒدﻴﻠﺔ. وﻤن ﻫﻨﺎ ﺘﺄﺘﻲ أﻫﻤﻴﺔ ﺘدﺨﻝ اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ وﻛذﻟك ﻀرورة اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻤن طرف أﻓراد ﻴﺘﺤﻤﻠون ﻤﺴؤوﻟﻴﺔ ﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻤن ﺨﻼﻝ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ إﻨﺠﺎح ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻤﻊ ﻋدم اﻟﻤطﺎﻟﺒﺔ ﺒﺄﻛﺒر ﻗدر ﻤﻤﻛن ﻤن اﻟﻌواﺌد، ﺨﺎﺼﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤدى اﻟﻘﺼﻴر. وﻫﻨﺎ ﻴرى "ﺒوﺘﺎزي" و"زاﻨوﺘﻲ"، أن "اﻟﻤﺜﻘﻔﻴن - اﻟﺘﻘﻨﻴﻴن"، وﻫم ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﺌﺔ اﻹطﺎرات، ﻤدﻋوون ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺒﻬذﻩ اﻟﻤﻬﻤﺔ وﺒﻬذا اﻟدور اﻟﻬﺎم، وﺘﻘدﻴم ﺘﻠك اﻟﺘﻀﺤﻴﺎت ﻷﻨﻬم ﻫم اﻟذﻴن ﻴﻤﺘﻠﻛون اﻹﻤﻛﺎﻨﻴﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﻤن ﺠﻬﺔ، وﻷﻨﻬم ﻫم اﻟذﻴن ﻴﺘﻤﺘﻌون ﺒﺎﻟوﻋﻲ، أﻛﺜر ﻤن ﻏﻴرﻫم، ﺒﺤﺎﺠﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ إﻟﻴﻬم وٕاﻟﻰ ﻗدراﺘﻬم وﻛﻔﺎءاﺘﻬم ﻤن ﺠﻬﺔ أﺨرى.
إن اﻹطﺎرات ﻤطﺎﻟﺒون إذا، ﻓﻲ ﻨظرﻫﻤﺎ، ﺒﺎﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﻓﻲ رﺒط ﻫﻤوﻤﻬم وﺘطﻠﻌﺎﺘﻬم ﺒﻬﻤوم وﺘطﻠﻌﺎت ﻤﺠﺘﻤﻌﻬم. وﺤﺘﻰ ﻴﺘﻤﻛﻨوا ﻤن ذﻟك ﻓﺈن ﻋﻠﻴﻬم اﻟﻘﻴﺎم ﺒﺘرﺠﻤﺔ ﻋﺎدات وﻗﻴم ﻫذا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺒﻌد اﺴﺘﻴﻌﺎﺒﻬﺎ اﺴﺘﻴﻌﺎﺒﺎ ﺠﻴدا، واﻟﻘﻴﺎم ﺒﺎﻟوﺴﺎطﺔ ﺒﻴن ﺘﻠك اﻟﻘﻴم واﻟﻌﺎدات وﻗﻴم اﻟﻌﻘﻼﻨﻴﺔ اﻟﺘﻘﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻴﺤﺘﺎﺠﻬﺎ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ. وذﻟك ﻴﻌﻨﻲ ﺒﺒﺴﺎطﺔ أن اﻹطﺎرات ﻤدﻋوون ﻤن ﺨﻼﻝ أداء ذﻟك اﻟدور اﻟطﻼﺌﻌﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ واﻟﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﻓﻲ إﻗﺎﻤﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺼﻨﻊ ﻋﻠﻰ أﻨﻘﺎد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺘﺨﻠف(1).
.2.3 اﻹطﺎ ارت ﻓﻲ اﻟد ارﺴﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ :
ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻤن ﻨدرة اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺒﻤوﻀوع اﻹطﺎرات ﻓﻲ اﻟدراﺴﺎت اﻟﺴوﺴﻴوﻟوﺠﻴﺔ ﻓﻲ
ﺒﻼدﻨﺎ، ﻤﻘﺎرﻨﺔ ﺒﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻐرﺒﻴﺔ، ﻓﺈن ﻫﻨﺎك ﺒﻌَض ا ﻹﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﻘﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﺜﺎرت ﻤﺠﻤوﻋﺔ
ﻤن اﻟﻘﻀﺎﻴﺎ، ﺤوﻝ ﻫذﻩ اﻟﻔﺌﺔ ﺨﺎﺼﺔ ﻓﻲ ﻓﺘرات ﺘﺎرﻴﺨﻴﺔ ﺴﺎﺒﻘﺔ. وﻨﺠد أﻨﻪ ﻤن اﻟﻤﻔﻴـد اﻟﺘﻌرض ﻟﻬﺎ واﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ ﺒﻌض ﺘﺴﺎؤﻻﺘﻬﺎ، ﻷن ذﻟك ﺴﻴﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺒﺎﻹﺤﺎطﺔ ﺒﺠواﻨب وأﺒﻌـﺎد اﻟﻤوﻀوع اﻟذي ﻨرﻴد دراﺴﺘﻪ وﺘﻌﻤﻴق ﺘﺴﺎؤﻻﺘﻪ ﺒﺸﻛﻝ أﺤﺴن. وﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻷﻤر ﻟدى ﺘﻌرﻀﻨﺎ ﻟﻠدراﺴﺎت اﻟﻐرﺒﻴﺔ، ﻨﻘوم، ﻋﻨد طرﺤﻨﺎ ﻟﻺﺴﻬﺎﻤﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ، ﺒﺘﻘدﻴم ﻫذﻩ اﻹﺴﻬﺎﻤﺎت وﻓق ﻤﺤـﺎور اﻫﺘﻤﺎﻤﺎﺘﻬﺎ. وﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈﻨﻨﺎ ﺴﻨﻌرض ﻫذﻩ اﻟدراﺴﺎت ﺘﺤت ﻋﻨواﻨﻴن ﻓرﻋﻴﻴن ﻫﻤﺎ :
1 - Gianfranco Bottazi et Angela Zanotti-Karp, Le rôle de l’intellectuel technicien. Modernisation et transformation sociale, in. MESRS, 34ème congrès international de sociologie, Alger du 25 au 30 Mars 1974, OPU. P.1115.