تخطى إلى المحتوى الرئيسي

الكتل

تجاوز التنقل

التنقل

  • الصفحة الرئيسية

    • صفحات الموقع

      • مقرراتي الدراسية

      • الوسوم

      • منتدىإعلانات الموقع

    • مقرراتي الدراسية

    • المقررات الدراسية

      • الكليات

        • ملحقة الطب

        • MIT كلية الرياضيات و الإعلام الآلي و الاتصالات ال...

        • كلية علوم الطبيعة والحياة

        • كلية الحقوق والعلوم السياسية

        • كلية الآداب واللغات والفنون

        • كلية العلوم و التكنولوجيا

        • كلية العلوم اﻹقتصادية ، والتسيير والعلوم التجارية

        • كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية

          • قسم العلوم الانسانية

          • الجذع المشترك -علوم اجتماعية

          • قسم علم النفس وعلوم التربية

          • قسم علم الإجتماع والفلسفة

            • السداسيات الفردية

              • Licence

              • Master

                • M1-فلسفة تطبيقية-S1

                • M2-فلسفة تطبيقية-S3

                • M1-علم اجتماع العمل والتنظيم-S1

                  • الدروس

                    • مجتمع المعرفة

                    • منهجية وتقنيات البحث

                    • علم النفس الاجتماعي للعمل

                    • نظريات التنظيم

                    • تنمية الموارد البشرية

                    • الإحصاء الوصفي والاستدلالي

                    • أنثروبولوجيا اقتصادية

                    • مدخل لعلم اجتماع التنظيم والعمل

                      • عام

                      • الموضوع 1

                      • الموضوع 2

                      • الموضوع 3

                        • درسالعمل في سياق الحداثة 2/2: القرن العشرين (العمل كن...

                      • الموضوع 4

                      • الموضوع 5

                      • الموضوع 6

                      • الموضوع 7

                      • الموضوع 8

                      • الموضوع 9

                      • الموضوع 10

                      • الموضوع 11

                      • الموضوع 12

                      • الموضوع 13

                      • الموضوع 14

                  • أعمال موجهة و تطبيقية

                • M2-علم اجتماع العمل والتنظيم-S3

            • السداسيات الزوجية

      • التكوين في الدكتوراه

      • المرافقة البيداغوجية للأساتذة

logo
هل نسيت اسم المستخدم أو كلمة المرور؟
USMT
  • 📅 Moodle par année
    • Consultez les cours de l'année académique 2025/2026
    • Consultez les cours de l'année académique 2024/2025
    • Consultez les cours de l'année académique 2023/2024
    • CILT
  • العربية ‎(ar)‎
    • English ‎(en)‎
    • Français ‎(fr)‎
    • العربية ‎(ar)‎

مدخل لعلم اجتماع التنظيم والعمل
العمل في سياق الحداثة 2/2: القرن العشرين (العمل كنظام لتوزيع الثروة والمكانات الاجتماعية = دولة الرفاه)

إن تحولات المعرفة والتقنية في العمل (1) على شكل مـوجـات ّ تـحـول كـبـرى، ففي الموجة الـزراعـيـة تراكمت ّ تــطــورت الـمـعـارف الـنـظـريـة والـعـمـلـيـة خــلال المراحل الحضارية الـثـلاث (الـزراعـيـة والصناعية والـمـعـرفـيـة) المعارف ببطء عبر التجارب الشخصية للأفراد والمجتمعات، ّثم ّورثت للأجيال عبر المحاكاة الميدانية والمشافهة الأمـر الـذي جعلها عرضة لـلانـدثـار. كانت عملية تـبـادل المعارف بين المجتمعات شبه منعدمة لنقص الاحتكاك فيما بينها، لكن بعد اختراع الكتابة بـدأت عملية التراكم النوعي للمعارف والتجارب العلمية والعملية تأخذ ً مـسـارا ّمـطـردا، أحدثت نقلة في حجم ونوعية المعارف المتداولة، وأثمرت باكتشاف متراكم لقوانين الطبيعة وكيفية السيطرة (1) حسب ألفين توفلر(Toffler Alvin (  فإن التاريخ قد ّمر على مراحل ّ يحددها طبيعة التقنية في العمل الاقتصادي. فالمرحلة الأولى التي ّمر عليها المجتمع البشري هي الموجة الزراعية التي بدأت مع اكتشاف الزراعة في حضارة بلاد الرافدين قبل أحد عشر ألف سنة؛ حيث كانت الأعمال النمطية هي الـزراعـة والبناء والـحـرف يعتمد فيها على آلات حرفية بسيطة، ثـم قامت الموجة «الصناعية» المحرك البخاري سنة ١٧٥٠ والآلـة الميكانيكية فكانت المهن الأساسية فـي بريطانيا مـع اخـتـراع ّ هي العمل في المناجم والمصانع والتجارة وسكك الحديد... إلخ، ثم الموجة المعلوماتية مع اختراع الحاسوب في الولايات المتحدة وعمالها الأساسيون هم ّ مشغلو الحواسيب والبرمجيون ومصممو الألعاب وصفحات الويب... إلخ. (كورنيش، :2007 50)

 

عليها، ّ فـأدت الاسـتـفـادة مـن هـذه الاكـتـشـافـات إلـى تأسيس العصر الصناعي الـذي استفاد من هذه العلوم المتراكمة، وأدرك رواد الثورة الصناعية أهمية الاستثمار في العلم لتطوير التقنية والاقتصاد، ّ فتوسع الإنفاق لتعميم التعليم ونشر الجامعات ومراكز البحث واكتسابهما وظيفة نسقية. وفـي هـذا العصر الرقمي أدى اخـتـراع الكمبيوتر إلـى ثـورة جـديـدة فـي طـرق المعالجة الآلية للبيانات والمعلومات كامتداد لذكاء الإنسان، وثـورة أخرى بعد اختراع الويب وتبادل المعارف ً عالميا ً ولحظيا عبر الألـيـاف البصرية والأقـمـار الصناعية مـا ّأدى إلـى التضاعف ّسي للمعارف، حيث تظهر انعكاسات تطور المعارف في العملفي أربعة جوانب: ُ الأ ً أولا، التضاعف المستمر لحجم المعرفة الضرورية في العمل مقابل تضاؤل حجم الجهد العضلي البشري، حيث يشير توفلر في كتابه حضارة الموجة الثالثة إلى َّأن من بين ألف (٢) للأجهزة الإلكترونية؛ ّع هيوليت - بـاكـارد (Packard-Hewlett( وسبعمئة عـامـل فـي مجم يـوجـد٤٠ بـالـمـئـة مـن الـعـمـال مـهـنـدسـون ومـبـرمـجـون وإداريــــون (تـوفـلـر، :1999 195). كما انخفضت نسبة عمال الـمصانع إلى 20 ً مليونا يصنعون ً سلعا لـ220 مليون نسمة في الولايات المتحدة، بينما يعمل 65 مليون عامل في مجال الخدمات والمعالجة الرمزية، أي ّأن توافر عـدد قليل من العمال يكفي لسد الحاجات السلعية، بينما ّ تتوجه بقية الطاقة العمالية نحو مـجال آخـر مثل الـخـدمـات (تـوفـلـر، :1990 198). وفـي هـذا الاتـجـاه يشير دوركـايـم إلـى ّأن الوظائف العلمية هي الوحيدة القادرةعلى مجاراة الوظائف الاقتصادية؛ ّ لكنها ستصبح ً رهنا لها؛ أي ّأن وظائف العلم تزداد قيمتها بمقدار ِخدمتها حاجـات العمل، وهو ما سيؤدي إلى تـحـول قيم العمل نحو الربحية؛ إحـدى سـمـات العقلانية الاقـتـصـاديـة الغربية حسب ماكس فيبر. ً ثانيا، ّ تـحـول المعارف العملية إلـى الآلـة، ّ لتعوض ً حجما ً كبيرا مـن العمل البشري؛ فقد قامت الآلـة البخارية والميكانيكية بتعويض أغلب الـجهد العضلي. وتقوم البرمجة الرقمية الآن بتعويض كثير من العمليات العقلية الممكن برمجتها، مثلما حدث مع مشروع الجينوم (3) الـذي ّ تـم فيه برمجة أجـهـزة سلسلة الحمض الـنـووي ّ لـتـعـوض عمل آلاف العلماء الـبـشـري الذين كانوا يعملون في المشروع، وحسب دافيد ريـكـاردو ّ فـإن (اقتصاد المهارات لا يـزال ّ يخلف وراءه الأغلبية، حيث ِّ يخرج النظام التربوي ً أعـدادا كبيرة من الشبان ّ المتعلمين غير القابلين للتشغيل) (سينيت، :2008 110). (généralisé Automatisme(، فقد ناقش جوزيف ستيغلتز قضية إحـلال التكنولوجيا مكان ّ والتحدي الأكبر الذي يواجه البشرية في هذا العصر الرقمي هو الإحلال الشاملللآلة ّن انعكاساتها الخطيرة على البطالة. وفي ورقـة له بعنوان ّال وبي أجـزاء هامة من عمل العم ْد عامل ّن فشل نظرية الابتكار الاقتصادي في َحي «البطالة والإبـداع» (2014 ,Stiglitz(، بي (2) هي الشركة المعروفة ً اختصارا باسم H

الابتكار، حيث تدفع الابتكارات الجديدة العمال ليكونوا أكثر كفاءة فيزيد الإنتاج مع أقل الابتكار، حيث تدفع الابتكارات الجديدة العمال ليكونوا أكثر كفاءة فيزيد الإنتاج مع أقل  ؛ ّ وسـيـحـتـل الإنـسـان الآلـي معظم الـوظـائـف الـحـالـيـة لـيـقـوم بجميع الأعـمـال عـدد مـن الـعـم العضلية وحجم كبير من المهام الذهنية، الأمر الذي ّ سيؤدي إلى موجات كبيرةمن البطالة؛ فارتفاع ّ مـعـدلات البطالة مستمر وكـذلـك ّ الـلاُمـسـاواة الاجتماعية، وهـذا الفشل فـي مواجهة ُعزى حسب ستيغليتز إلى ّأن الابتكارات ّ تتطلب إعادة هيكلة واسعة للاقتصاد ونظم الواقع ي التكوين لحماية العمال غيرالمهرةمن البقاء في البطالة. لقد أعلنت شركة فوكسكون (Foxconn (بالشراكة مع غوغل عن تعويض عمالها بمليون روبوت من نوع (Googlebot(،وقامت شركة أمازون باستخدام٣٠ألفروبوت في المخازن ّه برنارد ستيغلر(Stigler Bernard (إلى بداية العصر الأوتوماتيكي الذي الأمريكية. كذلك نب سينتهي فيه عصر النظام الرأسمالي لأن الوظائف كما أشرنا هي حجر الـزاويـة فيه. كـما ّـه رئـيـس شـركـة ميكروسوفت بيل غيتس إلـى ّأن الـنـاس غافلون عـن حجم الـوظـائـف التي نـب أوكـسـفـورد إلـى ّأن ٤٧ بالمئة مـن الـمـهـن فـي سـوق الـعـمـل الأمـريـكـيـة سـتـكـون فـي المستقبل ّ ستعوضها الروبوتات في العشرين سنة المقبلة. وقـد ّ توصلت إحـدى الـدراسـات في جامعة . (٤) ّال للقيامبها محوسبة ولا تحتاج إلى عم وحسب جـاك أتالي (Attali Jacques (ّ فـإن الـضـرورة ستدفع أغلبية البشر لبذل الجهد فـي تحصيل ّ الـحـد الأدنــى مـن ضــرورات الـعـيـش ً طـوعـا أو ً كـرهـا، بسبب طـول ّمـدة التكوين واستمراره مع سياسة الشركات الكبرى في استغلال العمالة الرخيصة في الـدول الفقيرة. ّماستخدام الإنسان الآلي في الإنتاج الاقتصادي ّ ستحتل مكانة فبعد أن تطغى الأتمتة ويعم وقـت الـفـراغ والـتـعـلـم المستمر مـكـانـة عـالـيـة ً نـظـرا إلـى طبيعة الأعـمـال الـتـي تنتظرهم في المستقبل (أتالي، ٢٠١٠). ً ثالثا، فـي التفاعل بين المعرفة والممارسة فـي العمل بين الانفصال والاتـصـال؛ حيث ّرالطبيعة فحسب، إنما يغير طبيعة يقول ماركس ّ إن تطبيق العملعلى العالمالخارجي لا يغي العامل في الوقت ذاتـه؛ فهو ينمي القوة الكامنة الـراكـدة في داخله (مـاركـس، :1947 ج ،١ تتجسد ببذل الجهد الممارس على الطبيعة وتنعكس ص 134). والعمل بذلك معارف عملية ّ َ ٍم ّال للإنسانية مع الطبيعة وخلق عالـ عليه في تأثير متبادل؛ فالعمل عنده هو ُ التواصل الفع Nicholas Jackson, «Foxconn Will Replace Workers with 1 Million Robots :الـتـالـيـة الـمـقالات انظر) ٤( in 3 Years,» The Atlantic, 31/7/2011, ; Marcus Wohlsen, «Amazon Reveals the Robots at the Heart of Its Epic Cyber Monday Operation,» Wired, 12/1/2014 ; Bernard Stigler, «L’Emploi est mort, vive le travail,» Culture Mobile (14 avril 2014), ; Bill Gates, «People Don’t Realize How Many Jobs Will Soon be Replaced by Software Bots,» Business Insider (March 2014), , and Carl Benedikt Frey and Michael Osborne, «The Future of Employment: How Susceptible are Jobs to Computerisation?,» Oxford Martin Publications (17 September 2013), .

 

لقد أعلنت شركة فوكسكون (Foxconn (بالشراكة مع غوغل عن تعويض عمالها بمليون روبوت من نوع (Googlebot(،وقامت شركةأمازون باستخدام٣٠ألفروبوت في المخازن ّه برنارد ستيغلر(Stigler Bernard (إلى بداية العصر الأوتوماتيكي الذي الأمريكية. كذلك نب سينتهي فيه عصر النظام الرأسمالي لأن الوظائف كما أشرنا هي حجر الـزاويـة فيه. كـما ّـه رئـيـس شـركـة ميكروسوفت بيل غيتس إلـى ّأن الـنـاس غافلون عـن حجم الـوظـائـف التي نـب أوكـسـفـورد إلـى ّأن ٤٧ بالمئة مـن الـمـهـن فـي سـوق الـعـمـل الأمـريـكـيـة سـتـكـون فـي المستقبل ّ ستعوضها الروبوتات في العشرين سنة المقبلة. وقـد ّ توصلت إحـدى الـدراسـات في جامعة . (٤)محوسبة ولا تحتاج إلى عمال للقيام بها

 

وحسب جـاك أتالي (Attali Jacques (فـإن الـضـرورة ستدفع أغلبية البشر لبذل الجهد فـي تحصيل ّ الـحـد الأدنــى مـن ضــرورات الـعـيـش ً طـوعـا أو ً كـرهـا، بسبب طـول ّمـدة التكوين واستمراره مع سياسة الشركات الكبرى في استغلال العمالة الرخيصة في الـدول الفقيرة.مع استخدام الإنسان الآلي في الإنتاج الاقتصادي ّ ستحتل مكانة فبعد أن تطغى الأتمتة ويعمم استخدام الإنسان الآلي في الإنتاج الاقتصادي ّ ستحتل مكانةوقـت الـفـراغ والـتـعـلـم المستمر مـكـانـة عـالـيـة ً نـظـرا إلـى طبيعة الأعـمـال الـتـي تنتظرهم في المستقبل (أتالي، 2010).

 

ثالثا، فـي التفاعل بين المعرفة والممارسة فـي العمل بين الانفصال والاتـصـال؛ حيث  يقول ماركس ّ إن تطبيق العمل على العالم الخارجي لا يغير 

الطبيعة فحسب، إنما يغير طبيعة العامل في الوقت ذاتـه؛ فهو ينمي القوة الكامنة الـراكـدة في داخله (مـاركـس، :1947 ج ،١ ص 134). والعمل بذلك معارف عملية  تتجسد ببذل الجهد الممارس على الطبيعة وتنعكس  عليه في تأثير متبادل؛ فالعمل عنده هو ُ التواصل الفعال ّال للإنسانية مع الطبيعة وخلق عالـم

 

Nicholas Jackson, «Foxconn Will Replace Workers with 1 Million Robots :الـتـالـيـة الـمـقالات انظر) ٤( in 3 Years,» The Atlantic, 31/7/2011, ; Marcus Wohlsen, «Amazon Reveals the Robots at the Heart of Its Epic Cyber Monday Operation,» Wired, 12/1/2014 ; Bernard Stigler, «L’Emploi est mort, vive le travail,» Culture Mobile (14 avril 2014), ; Bill Gates, «People Don’t Realize How Many Jobs Will Soon be Replaced by Software Bots,» Business Insider (March 2014), , and Carl Benedikt Frey and Michael Osborne, «The Future of Employment: How Susceptible are Jobs to Computerisation?,» Oxford Martin Publications (17 September 2013), .

 

جديد بما فيه خلق الإنسان لذاته، حيث تبرز الفعالية العقلية كما اليدوية من خلال العمل جديد بما فيه خلق الإنسان لذاته، حيث تبرز الفعالية العقلية كما اليدوي الـم َنتج) ّ يؤدي (فـروم، :1998 66). ومن ثم ّ فـإن انفصال معارف العامل عن آثـاره (أي عن ُ ّن ماركس طبيعة العلاقة البنيوية بين العامل وأثـره في بالعامل إلى حالة الاغتراب. وقد بي مثال المهندس الغبي الذي يختلف عن أذكى نحلة؛ حيث تقوم النحلة بإعادة تصميمالعمل المتقن نفسه منذ القدم وبشكل مباشر، أما المهندس فيقوم ببناء عمله على الورق قبل أن ِّ يجسده على الأرض.

 

طـرح فيبر فـي كـتـابـه ِ العالم والسياسي إشـكـالـيـة الـفـصـل بـيـن الـكـفـاءة وحـصـول العالم ً شيئا ً باردا ً وجامدا أو ً معلبا داخلالمختبرات والمكاتب الإحصائية كما العمل في المصنع؛ أو ّ والـمدرس على مهنة (فيبر:2011، 149)؛فهنا كفرق بين تصور العلم كوظيفة تـجعل من العلم ً جريا وراء أوثان أوسمة الخبرة وتكوين شخصية علمية مرموقة، وبين العلم بوصفه لحظات الإلـهـام والـخـيـال الـمـبـدع الـتـي يجد ِ الـعـالـم سـعـادتـه فـي ممارستها بنشوة عـارمـة، ولـيـس في الأجـر الـذي يتلقاه مقابل اكتشاف أو إلقاء محاضرة، كما ّأن طبيعة التقادم المعرفي تزيد الـفـجـوة بين الـتـصـوريـن؛ فبينما يعمل الأول لنيل ألـقـاب الـشـهـرة ّ والـتـمـسـك بالمنصب، فإن الثاني يعنيه مدى استفادة الناس من بحثه وإضافته، ويـجعل من التقادم المعرفي ً حافزا للغرق أكثر في البحث، وهو معنى الحرفة لدى «ريتشارد سينيت» باعتبارها ً اختبارا ً وتثمينا ً ذاتيا للقدرة على الإنجاز.

ومـا يـؤكـد هـذا المنظور حسب مـاكـس فيبر ّأن الرأسمالية بطبيعتها متماثلة مـع الربح ْ ٍّ ـمـنـي واضــح يـهـدد وجــود َّ أي مـشـروع، فـي ظـل هـذا الـدائـم والـمـتـجـدد، وهـي ذات ٍ نــزوع هـي النظام، لا يبحث عن الربح والمردودية (فيبر، :7 2011)؛ فموضوعات العمل تتحكمبه، أي أن « َ يوجَد العامل من أجل تطور الإنتاج، وليس تطور الإنتاج من أجل العامل» (فروم، :1988 66 - 67)، ولـذلـك يـرى مـاركـس ّأن تـطـور العمل فـي ظـل شـروط الإنـتـاج الـرأسـمـالـي يقصي الإنسان عن قواه المبدعة  وحسب جورج زيـمل(Simmel Georg (هو ما أفقد العمل صفته التعبيرية وصورة الإرادة، مما ّولد ً شعورا بالبؤس والمرض النفسي 

رابعا، في ّ التغير الحاصل في موضوع العمل؛ حيث ّ بين هابرماس ً ناقدا إحدى ّ مسلمات ماركس في اعتباره العمل هو عملية تحويل للطبيعة؛ فيرى ّ أنـه بالرغم من ّ أن العمل والعقل ُبعدان َّ مهمان للحياة الإنسانية، ّ لكن العمل الاقتصادي ّ المنظم ً اجتماعيا ليس ً كافيا َ وحده في تحديد وضع البشر؛ بل ّ أكد هابرماس ّ أن اللغة والتواصل هما العاملان الحاسمان في تحديد الواقع عبر الفعل التواصلي«)،(Action Communicationnelleأما العمل ذو البعد الاقتصادي فلم يهيمن على التشكل الاجتماعي ّ إلا في مرحلة الرأسمالية المبكرة)كريب،.

 

 

وفي تأكيد ماركس ّ أن العمل هو جوهر الإنسان الذي يدرك ذاته الفعلية بوصفها نتيجة لعمله الخاص، نرى وفق هابرماس ّ أن ذلك لا يفسر العلاقة ْ بين التفاعل بين البشر والعمل على الطبيعة بل يختزل الأولـى في الثانية، أي يختصر الفعل التواصلي في الفعل الأداتي، فليس بالضرورة َّ أن التحرر من الجوع والبؤس بالعمل على الطبيعة يعني ً تحررا من العبودية والتبعية )هــابــرمــاس، (41 - 40 :2003؛فالفعل التواصلي هـو ِّ المنظم ُّ لتـمثل الـنـوع البشري

لذاته وللطبيعة المحيطة، حيث العلاقة بين العمل الاقتصادي والنظم الاجتماعية الأخـرى ليست عملية تطور آلية  .

 

وهـذا النقد ّ يبين فصل ماركس ْ بين العمل كظاهرة اقتصادية وعملية التواصل كظاهرة بشرية،رغم ّ أن هذا التواصل ِّ يشكل أحد أسس تحقيق الربح في الاقتصاد المعاصر،ما ِّ يؤكد ما أشرنا إليه ً سابقا وهو الجدل َ الدلالي الذي يكتنفه مفهوم العمل، فقد حصر ماركس العمل في الفاعلية على الطبيعة ً استنادا إلى طبيعة العمل في المرحلة الصناعية؛ لكن تطور شكل العمل الاقتصادي وهيمنته على الظاهرة الاتصالية والتواصلية، نتيجة ُّ تشبع الهيمنة على الطبيعة المادية عن طريق الأتمتة ) (Automatismثم البرمجة ) ،(Programmingوتطور التجارة الإلكترونية التي تجاوزت 200مليار دولار سنة 2011في أمريكا وحدها بعد أن كانت سنة ّ 2010تقدر بـــ 165مليار دولار، كما زادت في فرنسا من 4، 8مليار أورو إلى ٥٧٫٥مليار في سنة .(٥)٢٠١٤وهكذا يتمظهر الفعل التواصلي في شكل اقتصادي جديد ّ يسمى اقتصاد المعرفة؛ يـخرق التصور النمطي للعمل، ويـجعلنا نطرح التساؤل هذه المرة على هابرماس حول الطبيعة المزدوجة لهذه الظاهرة، ً فأحيانا تظهر كشكل من الفاعلية َ البشرية المنتجة للربح والثروة،

 

وتــنــدرج بـالـتـالـي فـي إطـــار التخصيص الـحـداثـي لمفهوم الـعـمـل أي عـمـل تـواصـلـي (Travail) ،Communicationnelleوفي ِ أحاي َ ين أخرى تظهر كنشاط إنساني ذي مـحور أخلاقي ذاتي نابع من القيم والقناعات الشخصية، كالأعمال التوعوية الـمجانية حول الأمراض أو الأخطار البيئية أو التكنولوجية، أو أعـمـال تجمع بين المحورين الاقـتـصـادي والأخـلاقـي مثل التعليم

البيئية أو التكنولوجية، أو أعـمـال تجمع بين المحورين الاقـتـصـادي والأخـلاقـي مثل التعليم والمحاماة والإعلام، وأعمال مؤسسات لاربحية لتشارك المعارف والخبرات مثل ويكيبيديا.

وحسب ميشال مافيزولي ) (Michel Maffesoliهي ظواهر تواصلية رمزية لا تستهدف الإنتاج المعنوي بقدر ما ُيريد أصحابها الخوض في تجربة سياحية للغوص في أعماق الذات والعالم واستكشافهما مـن جديد بعد الأزمـات التي تصيب الاقتصاد والمجتمع الرأسمالي الـمـعـاصـر، ّ مـمـا يسهم بشكل غير مباشر فـي نـشـاط وحـركـيـة واسـعـة لـلأفـكـار، لتفتح بـدورهـا ً آفاقا ومجالات جديدة لعمل ذي طبيعة تواصلية في الـمـجــال العــام العالمي، أي عودة مفهوم الـعـمـل إلـــى دلالـــة الـفـعـل الـبـشـري، كـي يتموضع وفـــق ضــــرورات واقـــع المستقبل. ويـبـرز هـذا التحول العميق الحاجة إلى الوصف والفهم بقدر الأزمات التي ّ تتعرض لها البنية الاقتصادية والمجتمعية الحالية إلى مخارج

 

                                                                                                                   تحولات قيـم العمل

كـــانـــت نـــظـــرة الازدراء لـلـعـمـل فـــي أوروبــــــا سـائـدة فـــي مـرحـلـة مـــا قـبـل الــمــيــلاد والـقـرون الوسطى، و»حسب التقاليد اليهودية - المسيحية ُنظر إليه كنوع من اللعنة والرحمة، أو كنوع من العقاب والتكليف الإلهي في آن واحد. [...] وحسب نصوص الإصلاحيين كان ُيقرأ بين السطور ما يـدل على ّ أن العمل عقاب. ُ ويقصد بذلك ّ أن العمل الشاق هو نـوع من ّ الكفارة عـن خطيئة الإنــســان بـمـبـدأ »الـعـمـل بـعـرق الـجـبـيـن« )كــوكــا، ،(2006هـكـذا ّ يـعـبـر يـورغـن كوكا ) (Jürgen Kockaعن طبيعة الدافع الماورائي للعمل. وقـد ذكـر عــلاء الدين الأعرجي على لسان الجاحظ ّ أن »العرب لم يكونوا ً تجارا ولا ّ صن ً اعا ولا أطباء ولا ّ حس ً ابا ولا أصحاب فلاحة ِّ فيكونوا مهنة«، كما كانت تعتبر مقولة »يا ابن الصانع« ُس ّبة )الأعرجي، .(152 - 151 :2010 ّ وتحدث ابـن خلدون عن التراتبية الهرمية لـدى الفرس في العمل، فيشترطون فيمن يكون ملكهم أن »لا يتخذ صنعة ّ فيضر بجيرانه، ولا يتاجر ّ فيحب غلاء الأسعار في البضائع، وألا يستخدم العبيد فإنهم لا يشيرون بخير ولا مصلحة« )ابن خلدون، ،(348 :2001هذا الازدراء المشترك للعمل في ثقافات مختلفة ّ متعلق بالعمل لتوفير الحاجات الأساسية .

 

كما ارتبطت قيم العمل في المجتمع ما قبل الصناعي حسب إيميل دوركايم بقيم الريف مثل الرابط العاطفي مع الأرض والتعاون والحماسة في العمل، وهي قيم لا يمكن فهمها إلا بعلاقتها مع تنظيم إنتاجي ّ معين، حيث تؤدي ً دورا في الحفاظ عليه وتأمين شروط ُّ تجدده، لـضـرورة هـــذه الـقـيـم فـي الأعـمـال ّ الـحـرة ً خـصـوصـا، ولـكـن كـي يستطيعوا الـبـقـاء والاسـتـمـرار عليهم أن يتقبلوا وتيرة متواصلة وقاسية من العمل، ُ فهم يفرضون هذه الوتيرة على أنفسهم بواسطة القيم دون أن يكون هناك وعـي لذلك )إبـراهـيـم، (111 :2006؛ فلا ينفصل العمل عن الأدوار العائلية، ّ لأن الأب في الوقت نفسه هو رب العمل ومعلم المهنة بينما الإبن هو فـي الـوقـت نفسه عـامـل ومـتـمـرن )إبـراهـيـم، ّ .(112- 111 :2006أمـــا الأعـمـال ذات الطبيعة التواصلية والذهنية مثل التعليم والقيادة والفن والقضاء فلم تكن تعتبر ضمن دائرة العمل

 

لممكن لعامة الناس كما هو عليه الحال الآن، بل أدوار يختص بها فئة قليلة تحوم حولها هالة من القداسة الرمزية؛ كالمعلم الصيني، وطبقة البراهما الهندية، والفيلسوف اليوناني، والشاعر العربي.

وقد أبرز فيبر َ دور الدين كمصدر ّ محدد لتفعيل قيم العمل وتوجيهها، من خلال دراسته الحالة البروتستانتية ودورها، حيث ّ بينت الإحصاءات في بلدان متعددة الطوائف الدينية ّ أن »رجـال الأعمال وأصحاب الحيازات الرأسمالية وكذلك ُمـمثلي الشرائح العليا ّ المصنفة من اليد العاملة، وفوق ذلك ّ الملاك التقنيون والتجاريون ذوو الثقافة الرفيعة في المؤسسات الـحـديـثـة، هـــم بـأغـلـبـيـة كـبـيـرة مـــن الـطـائـفـة الـبـروتـسـتـانـتـيـة« )فـيـبـر، ّ ،(16 :1990لـتـمـيـز هـذا المذهب بتقديس العمل وبذل الجهد، واعتباره العمل وكسب الرزق عبادة، ما ّ أسس للربحية الرأسمالية، وأدى إلى حدوث التطور الذي عرفته المهن والوظائف الاقتصادية في القرنين السابع عشر والثامن عشر بشكل لم تعرفه البشرية من قبل، وجعلها ّ تـحتـل المقام الأول في التأثير والأهمية الاجتماعية ُم ِ قابل الوظائف الحربية والإداريــــة والدينية، ّ مـما زاد قيمتها وأزال عنها طابع الاحتقار ْ وترِكها للطبقات الدنيا.

وفـــــي مـــقـــارنـــة بـــيـــن الـمـنـظـور الـبـروتـسـتـانـتـي والإســـــلامـــــي يـــــرى طــــه عـــبـــد الـــرحـــمـــان ّ أن الـبـروتـسـتـانـتـيـة قــد اخـتـصـرت مـعـنـى الـعـبـادة فــي الـعـمـل كـرهـبـانـيـة دنـيـويـة ربـطـت المسيحية بـالـواقـع، واعـتـبـرت ّ أن الـفـوز فـي الـحـيـاة الأخــرويــة مرتبط بـالـفـوز فـي الـحـيـاة الـدنـيـويـة، ثـم ظــهــرت الـرأسـمـالـيـة لـتـسـتـفـيـد مـــن الـدفـع الـقـيـمـي الـبـروتـسـتـانـتـي فـــي الـعـمـل لـتـحـريـك عجلة الاقتصاد، أما المنظور الإسلامي فقد نقل المعاملة إلى مستوى العبادة، بتوسل المعاملات »الشغل والـعـمـل« ِّ للتقوي على الـعـبـادات )عبد الـرحـمـن، ،(٢٥ :٢٠١٢واعـتـبـار نية العمل هي المجال الأولي لبذل الجهد.

كما يـرى إصلاحيو البروتستانت ّ أن العامل يشارك الإلـه في خدمة الإنـسـان، حتى يبلغ غاية الشبه به )عبد الرحمن، ،(٢٦ :٢٠١٢وبالتالي ُي ِ ـحدث الاستغناء عنه ويسقط العبودية من خلال العمل، عكس المنظور الإسلامي الذي يرى في العمل ً إقرارا ً فعليا للعبودية. ولعل ما وصلت إليه التأويلات المسيحية ٌ ناتج ً أساسا من المنظور اليوناني التراتبي الذي يفصل بين الفعل ّ التأملي والفعل العضلي مع رفع الأول على الثاني في علاقة عمودية تراتبية، حيث يكون الترقي في نوع الجهد المبذول من العضلي إلى العقلي؛ موازاة مع التعالي الصوفي نحو الذات الإلهية، َ عكس المنظور الإسلامي الذي ّ يؤكد العلاقة الأفقية ِ الوصالية ْ بين الفعل التأملي والعضلي إذ يزداد »رضى الله على العبد العامل« ّ كلما كانت ّ نيته بذلك العمل الصالح ً قـربـانـا ولـيـس ّ لـمـجـرد الـعـمـل بـذاتـه، وذلـك مـا يفهم مـن أحـــد أشـهـر الأحـاديـث الـنـبـويـة »إنـمـا الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى« )النووي، .(٥ :١٩٨٣

ولــم ْ يـع ِـن الإصـــلاح الـديـنـي الـذي ّ تـعـرضـت لـه الكنيسة َ غـيـاب سلطتها على واقـــع الحياة اليومية، بل ّ تـحول إلى شكل جديد من النفاذ والرقابة على الفرد، خاصة في الكالفينية التي ُتعتبر من ّ أشـد الطوائف البروتستانتية ً تزمتا و»أكـثـر أشكال الرقابة الكنسية إزعـاجـا للفرد

بالمطلق« كما يـقـول مـاكـس فيبر )فـيـبـر، ،(17 :1990مـا يعني حـضـور الـديـن كــوقــود ّ محرك للحياة الصناعية بأشكال تختلف عن نظيرتها الكاثوليكية. ذكر فيبر مقولة مارتن أوفنباشر

)» حزينMartin Offenbacherالكاثوليكي هـو أكثر ً هـدوءا وهـو مسكون بعطش قليل ً جـدا إلى

الكسب، ويفضل حياة آمنة، ولو مع مدخول ضئيل ً جدا، على حياة إثارة ومجازفة ولو ِّ وفرت . له الثروات والأمجاد. حيث تقول الحكمة الشعبية بطرافة: ّ إما أن تأكل ً جيدا أو تنام ً جيدا فـي الحالة الـحـاضـرة ِّ يفضل البروتستانتي ْ أن يـأكـل ً جـيـدا بينما ّ يفضل الكاثوليكي أن ينام ً هـادئـا« )فيبر، .(21 - 18 :1990ويقصد بـذلـك ارتـفـاع قيمة بـذل الجهد لـدى البروتستانت مقارنة بالكاثوليك.

وحسب التقليد الكالفاني) (٦المقتبس من التوراة؛ الذي ِّ يمكن من صعود هرم المجتمع والـــخـــروج مـــن إطــار الـعـبـوديـة؛ أشــــار فـيـبـر إلـــى ِ حـــــوار رمــــزي جـــرى بـيـن بـنـيـامـيـن فرانكلين

) (Benjamin Franklinوأبـيـه الـذي ّ ردد عـلـى مسامعه وهـــو طـفـل صغير ّ نـص ًـا مـن الـتـوراة

مـفـاده: »هـل رأيـت ً إنسانا ً مــاهــرا في عمله؟ فسوف ُ يدخل في خدمة الملوك، ولا يبقى في خدمة الأشخاص المغمورين« فكسب المال، ضمن الحدود المشروعة لذلك هو في النظام الاقتصادي الحديث، نتيجة المثابرة والكفاءة المهنية )فيبر، ،(٢٩ :١٩٩٠وقـد طــور مارتن

لوثر ) (Martin Lutherالفكرة القائلة ّ بأن ِّ تخطي المرء قيم الحياة الدنيا بالتقشف الرهبني

ليس هو الوسيلة الوحيدة للعيش بطريقة ترضي الله. بل تكمن الوسيلة في أن يقوم المرء بواجباته في الحياة بما يتوافق مع موقعه الاجتماعي )فيبر، .(٥٢ :١٩٩٠وكذلك يقول فيبر أن الكالفيني لا يؤمن بأي أشكال المواساة أو طلب الغفران من الكنيسة فــ » ّ رب الكالفينية لا يطلب ً أعـمـالا صالحة مـعـزولـة، بـل حـيـاة ملؤها العمل الصالـح ً مـنـدرجـا فـي نـظـام معين« )فـيـبـر، ،(٧٧ :١٩٩٠وحـسـب مـاكـس فيبر ّ أن فـكـرة الـواجـب الـذي ّ تـطـبـق مـن خـــلال ممارسة مهنة أو وظيفة هـي فـكـرة رأسـمـالـيـة بـامـتـيـاز، وأن الـمـعـانـاة الأسـاسـيـة للفرد داخـــل المجتمع الرأسمالي هي التي تتعلق بنشاطه المهني )فلوري، ،(٣٠ :٢٠٠٨والعمل نواة لتحقيق الذات وحق من حقوق الإنسان )كوكا، .(٢٠٠٦من هنا يعتبر ميشال مافيزولي قيمة العمل إحدى ركـائـز الحداثة إضـافـة إلـى الفردانية والعقلانية والنفعية والتركيز على المستقبل) ،(٧مثلما أشار دوركايم إلى تركيز قيمة بذل الجهود البروتستانتية في سبيل تحقيق مفهوم الاقتصاد ) ،(Household and Manageأي إدارة البيئة من أجل الاكتفاء في المستقبل.

وفـي تحليله الرأسمالية ّ تـحـدث كـارل مـاركـس فـي كتابه رأس المال عـن القيمة الذاتية للعمل ّ والمولدة لقيمة الاستعمال، كون المعمول عليه ّ يتضمن ً عمـلا ً إنسانيا، فيقول: » ّ إن الشيء الـنـافـع ذو قيمة لأنـه يتضمن ً عمـلا ً إنـسـانـيـا [...]، والـذي يخلق جـوهـر القيمة عمل إنساني متجانس أي بذل قوة عمل متجانسة« )ماركس، ،(٥ - ٤ :١٩٤٧أي إنتاج قيمة استعمالية يمكن أن ّ تتحول إلى قيمة تبادلية بين القيم الاستعمالية التي تحملها المنتجات، ما يعني أن القيمة

) (٦نسبة إلى جين كالفن ) (Jean Calvinمؤسس الكالفينية إحدى الطرق الأكثر ّ تشد ً دا لدى البروتستانت.

Claire Bouleau, «Les Conseils innovants du sociologue Michel Maffesoli aux créateurs de start up,» (٧) <http://www.challenges.fr/economie/20140324.CHA1903/les-conseils-decapants-du-sociologuemichel-maffesoli-aux-createurs-de-start-up.html>; (visité le 26/3/2014).

التبادلية هي قيمة ثانوية معتمدة على القيمة الاستعمالية الصادرة عن القيمة الذاتية للعمل . كونه ً عمـلا ً إنسانيا

ً ونظراإلىحجمالتبادلاتالتجاريةالتيأنتجتهاالثورةالصناعية،فقدشاعاستعمالالقيمة الرمزية للنقود لتسهيل هذه العملية؛ فما ّ يؤسس قيمة الغرض حسب جورج زيـمل هو ما ِ يوجب ُ بذله للحصول عليه، وهكذا فإن الغرض لا يكتسب ً ثمنا في نظر شخص ّ إلا إذا كان ً قريبا إلى حد ٍ كاف كي ِّ يحرض الرغبة، ّ مـما أضفى صفة الموضوعية على القيمة المتبادلة بين النقود والجهد )كـابـان ودورتـيـه، ،(٧٥ :٢٠١٠وبـذلـك فـإن هـذه النقود التي تجعل ّ كـل الأشـيـاء تقبل المقارنة بين بعضها البعض ّ عـززت أثـر التسوية بين القيم )كابان ودورتـيـه، ،(٧٧ :٢٠١٠ما ّ مهد لمركزية الربح ّ وعلوها ً تدريجيا على كل القيم الأخرى وتسطيحها في الوقت نفسه. كما ّ أن استخدام النقود حسب زيمل قد ّ شجع على ظهور استعدادات نفسية خاصة مثل الجشع والبخل والتبذير والفقر والـعـوز. والحالتان اللتان يـرى زيمل ّ أنهما أكثر ً توافقا مع عصره هما حالة ْ الكلبي ) (٨)(Cyniqueالـذي يضع ً طوعا كل القيم بالـمستوى نفسه؛ وحالة َّ السئم الذي لـم ُ يع ْد ً واعيا بالفروق بين القيم، حيث تتوارى القيم الأصلية للعمل وراء لمعان القيمة الرمزية للنقود.

ومما أشار إليه يورغن كوكا ّ أن القرن العشرين حمل معاناة كبيرة لعمال الصناعة أكثر من الرغبة في العمل، حيث غابت القيمة الذاتية للعمل ً تدريجيا تحت ضغط القيمة الرمزية للنقود، كما تحدث عن آمـال العمال بمزيد من وقـت الفراغ وبـحالة اقتصادية تسمح ببقاء الزوجة في البيت ً بدلا من الذهاب إلى العمل )كوكا، ً ،(٢٠٠٦مبرزا تراجع قيمة بذل الجهد التي تأسس عليها المشروع الرأسمالي.

وقد ّ مثل ظهور تقسيم العمل والاقتصاد النقدي ووفرة الإنتاج للاستهلاك ّ تحر ً را ً صوريا للإنسان الغربي من ضغوط المجتمعات التقليدية، ْ لكن نشأ عن ذلك اصطدام ذاتية الفرد بـالأشـكـال الـتـي اكتسبت صفة الموضوعية فـي المجتمع؛ فالعامل مفصول عـن ثـمـرة عمله، والعالـِم مبتعد عن مثال الرجل الشريف، ولم تتجنب النقود عند جعلها قيمتها موضوعية أن تطغى على الثقافة والجسد والكرامة البشرية )كابان ودورتيه، ّ ،(٧٨ :٢٠١٠مـما جعلها تفتح ً مجالا لانقلاب الأثـر المقصود من التحرير والتعاون ّ الـخـلاق بفعل الموضوعية التبسيطية الناتجة من المادية المفرطة لقيمة الربحية السائدة في العمل. وبما ّ أن الحداثة حسب فيبر هي إزالـة السحر وتأجيل البهجة؛ فقد برز َ تعارض القيم الربحية مع الضرورات الوجودية والاجتماعية، حيث اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وانحصار الفردوس الموعود في فئة محتكرة للثروة بنيويا؛ ما ّ أدى إلى تراجع دوافـع بذل الجهد في العمل مقابل ّ تأجج متزايد للبهجات والمتع الروحية والمادية، ومن ّ ثم عودة البهجة للعالم.

) (٨نسبة إلـى الـمـذهـب الـكـلـبـي ) (Cynicismهـي مـذهـب فلسفي أسـسـه فـي الـقـرن الـرابـع قـبـل الميلاد

الفيلسوف أنتيستنيس، أحد أتباع الفيلسوف اليوناني سقراط.

 

 

وخــــلال سـنـة ١٩٩٨وحـسـب دراســـــة مـتـعـلـقـة بـالـقـيـم الـعـالـمـيـة قـــام بـهـا رونـــالـــد إنـغـلـهـارت

) ،(٩)(Ronald Inglehartتغطي أكثر من أربعين ً مجتمعا يمثلون ٧٠بالمئة من سكان العالم،

طرحت الأسئلة فيها على ألـف شخص من كل بلد. أوضحت هـذه الـدراسـة ّ أن الأجـر يحظى بأهمية ظـاهـريـة تتعاظم لـــدى فـئـة الأصـغـر ً سـنـا وتـمـيـل إلـــى الـتـنـاقـص مـع ارتــفــاع المستوى العلمي ّ إلا في كندا، مما يفيد ّ بأنه قـدر ما يرتفع المستوى العلمي يتضاءل اهتمام العامل بجوانب العمل الـمـاديـة مكان إتاحته فرصة تحقيق الـذات )بــــودون، .(٢٨٤ :٢٠١٠وهـذا ما ّ يؤكد الاتجاه نحو تجاوز الهدف الربحي مقابل غايات أخـرى. ويـرى ميشال مافيزولي ّ أن قيمة العمل بدأت تتهاوى في العقود الأخيرة بالتوازي مع التحولات الكبرى إلى قيم ما بعد الـحـداثـة؛ وهـو مـا ّ يلخصه ً رمـزيـا ّ بالتحول مـن الأسـطـورة »بروميثيوس« الإلـه الـجـاد والعامل إلـــى الأســـطـــورة »ديـــونـــيـــزوس« إلـــه الـعـربـدة والـشـبـقـيـة؛ ّ فـتـحـولـت قيمة التفكير فـي المستقبل نحو الراهنية والآنية، ّ وتحولت الفردانية نحو الجماعية والتشاركية، والنفعية نحو الجمالية، والتركيز على الجسد وصحته وكماله بدل عقلانية بذل الجهد، ّ وتحولت قيم العمل بالتالي

نحو المتعة، هـذه الأخـيـرة بــرزت مـن خـلال عـدة مـؤشـرات منها ) (Do It Yourselfأي ميل

. (١٠) المستهلكين لصنع حاجاتهم بأنفسهم بطريقة فنية ممتعة ّ لكن برنارد ستيغلر ينفي انتهاء العمل بل نهاية الشغل وانفصال الأول عن الثاني، فيعتبر

ّ أن ما يشارف على الانتهاء هو الشغل وليس العمل، والفرق بينهما ّ أن شغل الوظائف هو عمل

مفصول عن المعارف النظرية والعملية )(Prolétariser؛ بينما العمل في حقيقته جهد إرادي

منفتحعلىمحيطهيفكرويبدعفيه ّ ويغيره،وبالتالي ّ فإنالمتعةفيالعمل شرط لا يتنافىمع بذل الجهد والتعب، وبذلك ّ تحول العمل إلى شغل وظائف ّ محددة لخدمة الآلة البيروقراطية للرأسمالية وبقائها؛فبعد الأزمـة الاقتصادية العالمية سنة ُ ،١٩٢٩د ِفـع الأجـر للموظفين ليس مقابل الإنـتـاج وإنـمـا بـهـدف الاسـتـهـلاك، مـا ّ حـــول الاقـتـصـاد الصناعي ً تدريجيا إلــى اقتصاد غريزي )(١١)(Pulsionnelle؛ يراكم الثروة النقدية، ولا ّ يغذي القيم الأصلية لروح الرأسمالية أي بذل الجهد، وهو ما ظهر ً جليا في الأزمة المالية العالمية في تشرين الأول/أكتوبر .٢٠٠٨

<http://www.worldvaluessurvey.org/wvs.jsp>;.

حزين للاطلاع على أعماله، انظر٩)

Bouleau, «Les Conseils innovants du sociologue Michel Maffesoli aux créateurs de start up».

(١٠)

Bernard Stigler, «L’Emploi est mort, vive le travail!.» (Réinventer le travail à l’ère de l’automatisation, (١١) culturemobile.net, 14 avril 2014), http://www.culturemobile.net/system/files/pdf/culture_mobile_ visions_bernard-stiegler.pdf

 

نخلص هنا إلـى ّ أن روح الرأسمالية المرتبطة بالفكرة الرهبانية البروتستانتية قامت على الفصل البنيوي بين قيمة بذل الجهد ُ والـمـتع في عالم منزوع البهجة، ما أتـاح إمكان استغلال الآلة البيروقراطية الرأسمالية لطاقة بذل الجهد واستنفادها من العمال، والاستفادة من تراكم الثروة النقدية لصالح طبقة محدودة، ّ مما ّ أدى بالعمال إلى استعجال المتع أي تراجع روح الرأسمالية. ومنه ّ فـإن الآلـة الرأسمالية الحالية تواجه حتمية عـودة البهجة إلى العالم لكن عبر طريقين ممكنين؛ ّ فـإمـا ُ الاسـتـمـرار بالغرق فـي الاقتصاد الـغـرائـزي والـروح الاستهلاكية، أي استمرار استبدال قيمة المتعة دون جهد )الـروح الغرائزية لديونيزوس في الميثولوجيا الإغريقية( َ بـدل ْ بـــذ ِل الجهد وتأجيل المتعة )بروميثيوس(، أو بعث روح نقدية للحضارة الغربية ّ تجدد فيها تأويل العلاقة بين بذل الجهد والمتعة؛ أو سيادة نماذج حضارية مفارقة في مقاربتها لهذه العلاقة كالنموذج الإسلامي أو الصين         تحولات ُ السلطة في   العمل 

من خلال مقارنة تفضيلات العمل في الثقافات والممارسات الشعبية؛ تبين في ما سبق أن هناك ً نوعا من التراتبية ُ الـم ِ حتقرة لما هو عمل يدوي وجهد عضلي، فكان يمارس على أصحابه ً ضغطا ً ماديا ً وتصنيفا ً اجتماعيا ً واضطهادا ً رمزيا؛ بسبب العوائد القليلة ِ لتلك المهن مقارنة بتكاليفها ِ الـجسمانية، سواء في بناء الأهرامات والقصور أو حمل البضائع مقابل حد أدنـى مـن شـروط الحياة القاعدية، مـع كونهم القاعدة الأساسية لدفع العجلة الاقتصادية، حيث كـانـت سلطة ّ مـلاكـهـم عليهم ُمطلقة. أمــا الـحـرفـيـون وأصـحـاب المهن الـيـدويـة فكانوا يعتبرون مهنهم رأس مال ً رمزيا َّ يورث، فكانوا ّ يتكتلون في أحياء ٍ ونواد ونقابات يحمون فيها ميراثهم حرية واستقلالية نسبية مقابل دفـع الـضـرائـب، كآلية تضمن لهم مكانة اجتماعية أفضل من العبيد والخدم.

ّ لكن الأمر ّ تغير ً نسبيا بعد قيام الثورة الصناعية حيث انتقل العبيد والخدم إلى المصانع، وتخلى أغلب الحرفيين وأصـحـاب المهن الـحـرة عـن أعمالهم التي لا تستطيع مجابهة الآلـة الرأسماليةوقدراتهاالتقنية والإدارية،الأمر الذي كان له انعكاساته اللاحقةعلى جميع النظم الاقتصادية في العالم. ويعتبر ماكس فيبر شغل وظيفة ما ً عبورا من نظام اجتماعي تقليدي إلى نظام اجتماعي يرتبط فيه ُ وضع ّ كل ٍ واحد بالمهام التي يقوم بـها، ُ وتخصص لـهم تعويضات ً وفقا لـمعايير عقلانية للكفاءة والتخصص )بودون ّ وبوريلو، .(546 :1986كما برز ُ فصل العمل المنزلي عن العمل في المؤسسة والمحاسبة العقلانية المرتبطة به، حيث يعمل هذا الفصل على العقلنة البيروقراطية للعمل في المجتمع الحديث، ويسهم بذلك في وضع تراتبية هرمية للسلطة الناظمة لـه، ومـنـه ُ اعتبر تقسيم العمل ِ الـمجهري فـي أوروبــــا الحديثة؛ أي الموظف المتخصص حجر الزاوية في الدولة والاقتصاد الحديثين في الغرب )فيبر، .(10 - 6 :1990

وفـــي هـــذا الـوضـع تـــراوحـــت الـعـلاقـة بـيـن الأجــــور المنخفضة والإنـــتـــاج الـمـرتـفـع منطقية، وأصبحت القاعدة »الأجور المنخفضة منتجة« قاعدة متداولة لمدد طويلة، وهذا ً استنادا إلى أصل كالفاني يشير إليه ماكس فيبر على لسان بيتر دولاكور ) ّ » حزينPieter de la Courtألا يعمل

الشعب ّ إلا إذا كان ً فقيرا وطالما بقي ً فقيرا« )فيبر، .(٣٣ :١٩٩٠وخلال هذه التحولات العميقة فـي بنية المجتمع الأوروبـــــي طـفـت عـلـى الـسـطـح نــزاعـــات الـمـصـالـح الـتـي تـمـزق المجتمعات الصناعية خاصة بين العمال وأرباب العمل وفق ثنائية متعارضة بين الحرية التي يطالب بها

العمال والأجر لتوفير الحاجات الأساسية للحياة، فيقول فريدريش إنغلز )(Friedrich Engels

ّ إن »مملكة الحرية تبدأ على هامش العمل المأجور الضروري« )كوكا، ،(٢٠٠٦كما كان يرى ماركس في سلطة العمل الجديدة علاقة تبعية متبادلة، مصدرها » َ استخدام قوة العمل ومن يشتري الأخير يـحمل بائعها على العمل« )مـاركـس، ،(١٣٤ :١٩٤٧ولكي ينسجم عمله في سلع يتعين عليه قبل كـل شـيء أن يجعل هـذا العمل ً متمثـلا بقيم استعمالية أي فـي أدوات قـادرة على قضاء حاجات من نـوع أو آخـر. وعلى ذلـك فالرأسمالي يحمل َ العامل على إنتاج قيمة استعمالية، ّ تحول إلى قيمة تبادلية أي إلى رأسمال مقابل أجر غير مكافئ، ومنه ّ تتحول القوة من العامل إلى رب العمل بعد تحويل القيمة الاستعمالية إلى قيمة تبادلية.

ويـــرى مـاركـس ضـــرورة تعطيل هـذه الآلـيـة الأوتـومـاتـيـكـيـة - لـتـراكـم السلطة لـدى مالكي وسائل الإنتاج - من خلال ثورة الطبقة الكادحة لتحقيق توازن بين ّ حرية العمال وأجورهم الحقيقية، ّ لكن جـورج زيمل كـان على صـواب حينما رأى ّ أنـه لا يمكن قلب القيم الحداثية السائدة ّ إلا بنموذج حداثي مفارق، فمجتمع العمل قد انتصر »على التنظيمات الاجتماعية التي كانت سـائـدة قبله، ّ وهمشها ولـو بشكل غير كامل لأنـه اكتسب دينامية الاسـتـمـرار على صعيد تقسيم العمل وتوزيع الثروة بفضل سيادة مبدأ بيع قوة العمل« )كوكا، .(٢٠٠٦وبهذه الدينامية تحول العمل في النظم الرأسمالية في بداية القرن العشرين إلـى سلعة خاضعة لقوانين عرض وطلب اقتصاد السوق.

ويلهمنا في هذا السياق النقد الذي ّ وجهه هربرت ماركوز لفيبر؛ ِّ مبي ً نا ُ أوج ً ها من الرفض الذي ّ يهمنا فيه الأثر ِّ المترتب عن النموذج العقلاني ُ الـم ِ رسمل للعمل ّ والمحد ِد لأبعاده، حيث يرى ماركوز ّ أن القوة ُ الـم ِّ حررة للتكنولوجيا ِّ والمتمثلة بالنظام الرأسمالي وأدواتــه - خاصة مـا يتعلق بالعمل كسلعة - تنقلب إلـى قيد على التحرير الـمـرغـوب، ِّ وتـــحـول بالتبع َ الإنـسـان إلــى أداة )هــابــرمــاس، ،(٥ :٢٠٠٣ففي رأي فيبر ّ أن الـواقـع الـمـحـوري للعقلانية الرأسماية هو المشروع الخاص، والمقاول بهذا حر ومسؤول وهو بهذه المهمة برجوازي تقوده فكرة الزهد الباطني ) ْ الكالفاني(، وهذه الفكرة - حسب ماركوز - لم ُ تعد ِّ مـحـركــة القوة الرأسمالية المتأخرة، وحتى جـون مينارد كينز ّ نـدد بهذا الشكل المتأخر المبني على صـراع بــرجــوازي من أجل مراكمة رأس المال واستغلال العمل الذي يـجـب عليه أن يتضاعف بشكل متزايد إذا أراد أن يتضاعف ُ تراكم رأس المال )ماركوز، .(٢١٠ :٢٠١٢ورأى ماركوز َّ أن هذه العقلانية ليست معقولة، بل تتحقق باسمها أشكال من السيطرة، ّ وتوصل إلى ّ أن مفهوم العقل التقني ذاتـه أيديولوجيا، فالتقنية ذاتها سيطرت على الطبيعة ِ والإنسان ً سيطرة ً منهجية ومحسوبة، وهي تنتمي إلى صورة العقل التقني ذاته )هابرماس، ،(٤٥ - ٤٤ :٢٠٠٣الذي ِّ يـحول الإنسان إلى أداة تـابعة ّ ومشيئة، َّ وإن وجود ٍ أفراد لهم ٍ حاجات تـحتــاج إلى إشباع ِّ متوقف على ُفرص الربح في المشروع الرأسمالي. وتتجسد هذه التبعية في العمل الحر تحت ّ تصرف المقاول   )مــاركــوز، ،(٢١٠ :٢٠١٢مـا يجعل العمل ودافـعـه نحو تحقيق الحاجة وسيلة فـي يـد صاحب المشروع، وبدل أن يتحقق إشباع الحاجات تتولد تبعية حتمية.

كما يرفض ماركوز ُبنية هذه الفكرة التي تندرج ضمن المقولات الفيبرية والقائلة ِب ّ أن الـخـضوع لنظام العمل هو ّ الـمميز للمشروع الحر؛ فهذا من جهة ِ يـحمل صفة »عقلانية« من حيث الانـــدراج ضمن بناء هرمي، ّ لكنه من جهة أخـرى ُيتيح إمكان سيادة العقلانية نفسها للأشياء على الإنـسـان وسـيـادة الوسائل على الغاية المتمثلة فـي إشـبـاع الحاجات )مـاركـوز، .(٢١٦ :٢٠١٢

ومنه يمكن أن َ يختفي القمع عن وعـي الناس بسبب ّ أن شرعية السيطرة قد ْ اس ُتسيغت بالسيطرة عـلـى الطبيعة الـتـي تجعل حـيـاة الـنـاس أقـــل ً عــنــاء، فـالـلاحـريـة تتمظهر عـلـى ّ أنـها لاعقلانية بسبب الـخضوع للآلة التقنية التي ترفع الإنتاجية ِّ وتوسع من مدى أسباب الراحة أمام الحياة. وبـهذا تحمي ُ العقلانية ِ قانون َي َة السيطرة )هابرماس، .(٤٧ - ٤٦ :٢٠٠٣

تـرافـق هـذا النقد الـمـاركـوزي للعقلانية الفيبرية مـع شـيـوع الـحـركـات ّ العمالية وارتـفـاع صيت النموذج الماركسي خـلال وأواســـط القرن العشرين بعد الأزمــة الاقتصادية العالمية، لكن ُسرعان ما تعافى الاقتصاد الرأسمالي بفضل جرعات التدخلية الكينزية

وأدى ّ تطور الإدارة العلمية والتقننة )التايلورية والفوردية( إلى خفض كلفة الإنتاج وزيادة الأرباح مما ّ مكن الشركات من توفير الحاجات الأساسية للموظفين مع أفكار أبرهام ماسلو، وتحقيق استقرار عملية الإنتاج الداخلي ّ لتمتد استراتيجيات السيطرة إلى أسواق الاستهلاك العالمية عبر منظمة التجارة العالمية، فاتسعت بذلك سلطات أصحاب الشركات وازدادت مساحات التفاوض في سوق العمل العالمية؛ مقابل تضاؤل القدرة التفاوضية للعمال الذين ترتفع المتطلبات المعرفية والمهارات العالية، كما تواجههم المنافسة في سوق عمل عالمية من أجل حصولهم على فرصة العمل، هذا إلى غاية الأزمة المالية العالمية ّ الممتدة منذ سنة ،٢٠٠٨التي أدخلت معها أغلب الأنظمة السياسية في دوامــة البحث عن معادلة الاستقرار الاجتماعي والاقـتـصـادي، وفـي ظـل تـراجـع القيم المؤسسة للرأسمالية والسيطرة ّ المتوقعة للأتمتة على سـوق العمل، ّ فإنه سـتـزداد أزمـة التبعية بين أصحاب الشركات والعمال بسبب انتصار الأجر على الحرية.

ً خامسا: تحولات العمل في الجزائر

لـقـد حـكـم تـطـور الـعـمـل فـــي الــجــزائــر ً تـقـريـبـا الأطــــر الـعـامـة نـفـسـهـا لـتـطـوره فـــي الـوطـن العربي، غير الاختلاف في الظروف الطبيعية والجغرافية التي تغلب مناخ شمال أفريقيا، حيث كان يسكن معظم الناس في المناطق الجبلية الوعرة، والتي تتطلب ً أنماطا من التكيف مع الطبيعة والعيش في مجتمعات قبلية متوسطة العدد، ومن ثم تنامت قيم بذل الجهد في إطـار القيم العائلية، بينما عملت طبيعة الأرض الخصبة في السهوب على تراجع قيم بذل الجهد لـدى سكانها حيث تمنحهم الطبيعة كل ما يحتاجون، حيث تتجسد هـذه العلاقة مع الطبيعة كما َّ بينها أرلوند توينبي في نظرية التحدي والاستجابة.

وقد كان لدخول الإسلام تأثير جذري على البنية الفكرية والقيمية لسكان شمال أفريقيا، وأدى ُبعد هـذه المنطقة عـن المركز الـحـضـاري الإسـلامـي إلـى انتشار العديد مـن المذاهب الإسلامية بعد الفتح الإسلامي لشمال أفريقيا والجزائر ً خصوصا. فقد ّ تشكلت ِ فسيفساء واسعة من الآراء الفقهية والعقدية والسياسية ّ مشكلة ِ تبعات عديدة، منها الدولة الرستمية الإباضية ودولة ِّ الموحدين الشافعية وانتشار المذهب العلوي على دويلات أخرى ثم المذهب الحنفي، ثـم سيطر الاتـجـاه الصوفي على الطبيعة التمذهبية خاصة بعد الـقـرن التاسع الميلادي مع دخول الأتراك، حيث ذكر صاحب كتاب معجم الفرق والنحل في الجزائر أكثر من ثلاثين فرقة صوفية انتشرت في القديم والحديث )بوعرفة، ،٢١ :٢٠٠٥و.(١١٠ - ١٠٩

وبـفـعـل ســيــادة الـحـركـات الـصـوفـيـة فــي الـمـنـطـقـة فـقـد سـيـطـرت فـكـرة الــزهــد عــن الـدنـيـا وفصل علوم الدين عن علوم الدنيا، حيث تدل كلمة الصوفية على لباس الصوف الذي يرمز لكراهية الاتصال بالمادة وتحويل الطبيعة ْ وتق َن ِ نتها أي تحويلها إلى تقنيات ووسائل للعيش. وقد أدت مبالغة الاعتقاد في الشيخ وانتشار الزوايا والأضرحة إلى نتيجتين مهمتين؛ ُأ ُ ولاهما تبسيط المعرفة وثانيتهما غلق ِ باب الاجتهاد. »ذلك ّ أن نقل التعليم إلى الزوايا قد أدى إلى الاكتفاء بالحد الأدنى منه بطريقة جافة ضيقة« )سعد الله، .(٣٨ - ٣٧ :١٩٨١

كـان الإنـتـاج فـي الـتـصـوف وعـلـم الـكـلام خـلال الـقـرن الـتـاسـع ً غـزيـرا فـي الـجـزائـر مـادة ً وتعبيرا، ومن أهم الشخصيات في هذا الباب: عبد الرحمان الثعالبي، أحمد الجزائري، أحمد النقاوسي، محمد الهواري وتلميذه ابراهيم التازي وتلميذه في التصوف محمد بن يوسف السنوسي، عيسى بن سلامة البسكري، أحمد بن زكـري التلمساني، والحوضي، وبركات بن  أحمد العروسي القسنطيني، وأحمد أبو عصيدة البجائي وغيرهم )سعد الله، ،(٨٧ - ٧٩ :١٩٨١ وكـــان ُي ْـؤثـر ُ أغلبهم َ الاتــجــاه إلــى عـلـوم الآخـــرة والـروحـانـيـات والـتـصـوف وعـــدم الارتــيــاح إلى الحكام ولا إلى المجتمع )سعد الله، ،(٨٧ :١٩٨١كما برزت بعض الإنتاجات العلمية في الطب والهندسة والفلك لكنها كانت كلها تحمل ً تبريرا ً دينيا ً مباشرا؛ مثل علاقة علم الفلك بمواقيت الصلاة والصيام.

وعندما نجمع بين طبيعة الـمـعـارف المنتشرة والـتـأويـلات الدينية الـسـائـدة للعلاقة بين الإنسان المسلم ومحيطه أي بين المادة والروح؛ نستنتج أن المعرفة قد ُس ّيجت بحدود تزكية الأنفس وعزلت عن عالم المتع والمحسوسات، أما أسباب الحياة واكتساب الرزق فقد ُربطت بمفهوم جبري للقضاء والقدر، ومنه ّ فإن تحصيل الضروريات من الرزق واستعمال المعارف العملية لتحويل المواد الطبيعية أي العمل أصبح ً شيئا ً مريبا؛ لذا فهو يـمر تحت مراقبة الشيخ في الحلقة الصوفية، بشكل تراتبي وفق مبادئ التنظيم ِ الحرفي والوراثي والعائلي. كما أن المعارف العملية نفسها مسجونة ويمنع انتشارها، »فقد كانت العائلات شديدة الحرص على بقاء أسرار الصنعة وتقنياتها محصورة في نطاقها« وكان هذا الأمر ثقافة متداولة يؤشر لها المثل: »شكون عـدوك؟ صاحب حرفتك« )غطاس، .(١١٣ :٢٠٠٧وبهذا كـان تطور المعارف العملية ً مـحـدودا ً جـدا بحيث انعكس على عـدم توسع الـحـراك الاقتصادي الحرفي باعتباره ً اقتصادا شبه صناعي، وأدت هذه الممارسة التصوفية للعمل إلى انخفاض قيم بذل الجهد، بشكل يشبه الممارسة الرهبانية الكاثوليكية.

 

وبعد دخول الاستعمار حدثت الصدمة الحضارية التي ّ بينت التأخر التقني للجزائريين في السلاح والتصنيع، ما أدخل مفهوم العمل وما يرتبط به من فلسفة الحياة في صراع بين التأويلات الدينية وعقلانية الواقع. وقد ّ بين شارل عيسوي ّ أن الوضعية الاقتصادية لشمال أفريقيا ِخـلال فترة الاستعمار وحتى ما بعده كانت تعيش حالة التحدي والاستجابة، وكان التحدي الأساسي هو قيام الثورة الصناعية الأوروبية وتحديها للإنتاج المحلي كمية ِ وس ً عرا )عيساوي، ،(١٥ - ٥ :١٩٨٥وهو الأمر الذي يؤكد أزمة مفهوم العمل من حيث الجدوى. وبـعـد الاسـتـقـلال كـانـت وضعية الاقـتـصـاد الصناعي مـزريـة حيث ورثـــت الـجـزائـر تحديين كـبـيـريـن؛ الأول، متعلق بـــإعـــادة بـنـاء قـيـم الـعـمـل وبــــذل الـجـهـد مـن خـــلال إصــــلاح الـعـلاقـة بين التأويل ات الدينية وعقلانية الواقع؛ والثان متعلق بإعادة بناء المعارف العملية لتجسير الفجوات التقنية الصناعية و الرقمية للتأقلم مع المنافسة الشديدة في سوق أصبحت معولمة بالكامل

 

ورغـــم الـجـهـود المكثفة الـمـبـذولـة بعد الاسـتـقـلال مـن طـرف الـرئـيـس الـجـزائـري هـواري بومدين لتحقيق حلم الـجـزائـر »يـابـان العالم الـعـربـي« )السيد الـنـجـار، ،(٦٢٧ - ٦٢٦ :٢٠٠٦ إلا ّ أن السياسة الاقـتـصـاديـة الريعية البترولية كـان لها الأثـــر العكسي على تـطـور المعارف العملية وكذا قيم وعلاقات العمل حيث أدى تأجيل مواجهة هذين التحديين إلى الإفلاسات المتتالية للمؤسسات العمومية. واستمر هذا الأمـر إلى غاية هذه الفترة التاريخية الحرجة مطلع الـقـرن الـحـادي والعشرين والـتـي يمكن أن نؤشر إليها بمرحلة التقشف الـجـاريـة في السياسة الاقتصادية الجزائرية

 

خـاتمة

ّ تبين ّ أن العمل ّ تعرض لعدة تحولات مفهومية فرضتها عليه النماذج الحضارية السائدة، حـيـث اتـسـع مـفـهـوم الـعـمـل فـي فـتـرات الـتـحـول الـتـاريـخـي الـكـبـرى ليقترب مـن معنى الفعل البشري؛ إذ تتزايد احتياجات البشر خلال مراحل التحول بفعل ضعف المعايير الاجتماعية ّ وتأزم الواقع، فيصبح كل فعل له قيمة تطبيقية أو تبادلية، ّ ثم يصبح مفهومه أكثر ً تحديدا في فترات الاستقرار الاجتماعي ليتمظهر على شكل اصطلاحات ّ دالـــة، مثل مفهومي الوظيفة والشغل خلال الرأسمالية المعاصرة.

وقـد ّ بينا ً أيـضـا وجـود ّ عـدة اتجاهات ثقيلة للعمل؛ فقد ّ تبين التزايد البطيء والمستمر لحجم المعرفة المستعملة في العمل مقابل انخفاض حجم الجهد العضلي البشري فيه، بفعل الاتجاه الخطي لتطور التقنية، الأمر الذي كان له انعكاس لتحول المعارف التقنية بدورها إلـى الآلـة المستعملة في العمل، على شكل موجات ّ محركة لعلاقات العمل والاقـتـصـاد، مثل تأثير ّ الـمـحـرك الـبـخـاري والآلـــة الميكانيكية الـتـي ّ عـوضـت بشكل شبه كـامـل عمل العضلات الكبيرة لـدى الـبـشـر، ودور الكمبيوتر فـي تعويض تـدريـجـي للعمليات العقلية )الأعــصــاب(، فيما سيعمل الاتجاه الثقيل للأتمتة الشاملة بالرجل الآلي على تعويض أغلب عمل العضلات الـدقـيـقـة لــــدى الـبـشـر وجـــانـــب مـهـم مـــن عـمـل الأعـــصـــاب أي الـعـمـلـيـات الـعـقـلـيـة مـثـل الـتـذكـر والـحـسـاب والمحاكاة والترجمة والتقييم... إلــخ. وهـو مـا سيشكل صدمة المستقبل القريب لانعدام جدوى المهارات والمعارف المتقادمة، إضافة إلى ّ التحديات التي يطرحها العرض العالمي للعمل وإدارة الشركات للتقدم في السن )سينيت، ،(١١٠ :٢٠٠٨ما ينشئ ّ تحد ً يا ً كبيرا في عملية التربية والتأهيل لإيجاد مساحات جديدة للعمل البشري، وهي عملية تجري بالفعل في عمق التحولات النموذجية لموضوع العمل، خلال التحول التدريجي لـجهد العمل وأثره في الطبيعة إلى بذل الجهد لإيقاع الأثر في النفس البشرية من طريق العمل التواصلي

هذا الدرس غير جاهز لبدئه بعد
► العمل في سياق الحداثة 1/2: القرن الثامن عشر (آدم سميث والمدرسة الليبرالية)، القرن التاسع عشر (كارل ماركس ونقد التصور الليبرالي للعمل
النظريات الكلاسيكية للتنظيم 1/2 (فريديريك طايلور، هنري فورد) ◄

الكتل

العودة

 https://www.univ-saida.dz/  sec.elearning@univ-saida.dz  048931000,1304
أنت الآن تدخل بصفة ضيف (تسجيل الدخول)