. نماذج عن النظام الإعلامي الليبرالي:

- في فرنسا: لم تنل الصحافة حريتها إلا في نهاية القرن الثامن عشر بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789 حين ظهر العديد من الصحف التي لم تخضع لأي رقابة حكومية، ثم تأكدت حرية الصحافة الفرنسية بعد إعلان الثورة، لحقوق الإنسان في 17 جويلية 1789 حيث نص هذا الإعلان على مبدأ حرية الصحافة، لكن لم تلبث أن فقدت الصحافة الفرنسية هذه الحرية في عهد الإرهاب و في ظل حكومة الإدارة ثم في عهد الإمبراطورية، حتى وبعد عودت الملكية عقب سقوط بونابارت، وقد ظلت الصحافة الفرنسية تعمل لاستعادة حريتها قرابة خمس وستين عاما حتى نجحت في ذلك بصدور قانون 9 جوان 1881 الذي جاء بنظام شامل للطباعة والصحافة، وأبرز ما فيه حماية حرية النشر والتعبير الصحفي، كما أنه يحرم على السلطات الحكومية استعمال أية أساليب تحول دون تمتع الصحف بحريتها، ولم يضع على الصحف أي نوع من أنواع الرقابة إلا فيما يتعلق بالأمور العسكرية.

- في الولايات المتحدة الأمريكية: لقد تمتعت الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية بحرية نسبية منذ استقلالها وهو ما يظهر جليا في البند 12 من التصريح بالحقوق لدولة فرجينيا الذي وضع سنة 1776 الذي يقول:" إن حرية الصحافة حصن منيع للحرية ولا يضطهدها إلا الحكم المستبد..."

ثم تدعمت هذه الحرية بموجب التعديل الدستوري لعام 1791 مما أتاح للصحافة الأمريكية إمكانية لعب دورها كأداة للرقابة على أعمال السلطة.

- أما الإعلام الإذاعي والتلفزيوني فقد نشأ في دول غرب أوروبا الليبرالية وفي الولايات المتحدة الأمريكية في وقت كانت فيه الصحافة المكتوبة قد حققت شوطا طويلا في الحصول على حريتها لذلك فقد تمتع الإعلام الإذاعي والتلفزيوني في غالبية دول غرب أوروبا بحرية كبيرة بعيدا عن الرقابة من السلطة ومحاسبتها، حدث ذلك رغم أن ملكية الخدمات الإذاعية والتلفزيونية ظلت في عدد من دول غرب أوروبا ملكية عامة مثل ( فرنسا، انجلترا ) لم تسمح هذه الدول بالملكية الخاصة للإعلام الإذاعي والتلفزيوني عكس الولايات المتحدة الأمريكية إلا مع بداية السبعينات من القرن العشرين، ولكن هنا لابد أن نشير أن هذه الدول تأخذ بفكرة الفصل بين ملكية الدولة للخدمات الإذاعية والتلفزيونية وبين سيطرة الدولة على هذه الخدمات.

5 - نقد النظرية الحرية ( نظرية الليبرالية ):

     بالرغم أن الفلسفة الليبرالية الإعلامية كانت مبنية على حق كل فرد في الحصول على المعلومة من مصدرها بحرية، وحقه في توصيل آرائه إلى الآخرين إيمانا بأن النظام الإعلامي الليبرالي يمثل سوق حرة للأفكار، إلا أن السؤال الجوهري الذي واجه فلاسفة هذه النظرية هو: ما هي حدود الحرية في ظل مجتمع ديمقراطي يرفض انتهاك الأفكار والمبادئ الليبرالية؟ أو كيف يحافظ الغرب على المبدأين الأساسيين لمفهوم حرية وسائل الإعلام وهما:

أولا منع التدخل الحكومي أيا كان شكله وفي الوقت نفسه المحافظة على حماية المجتمع من هذه الحرية.  

والثاني هو أن يكون القضاء هو صاحب السلطة في رقابة الإعلام دون أن يسمح القانون بإنقاص الحرية الممنوحة للإعلام.

هذا السؤال فتح الباب على مصرعيه للكثير من الانتقادات التي وجهت إلى هذه النظرية، خصوصا من طرف أنصار المذهب الماركسي وهذا طبعا بعد التطبيقات الفعلية للنظام الإعلامي الليبرالي في أرض الواقع قبل وبعد الحربين العالميتين، ومن جملة هذه الانتقادات نذكر مايلي:

1 - تحول الإعلام إلى مجرد دعاية ومزايدات دعائية وهو ما أكدته الحرب العالمية الثانية، أين كان الصراع بين الدول والعداء الأيديولوجي الحاد من أجل السيطرة والهيمنة، وهو الأمر نفسه الذي تكرر فيما بعد أثناء الحرب الباردة. 

2 - الممارسة الإعلامية تحت شعار الحرية أصبحت تعرض الأخلاق العامة للخطر.

3 - اقتحام وسائل الإعلام لحيات الأفراد الخاصة دون مبرر، وهذا طبعا تحت غطاء (حرية الإعلام والتعبير).

4 - انتشار الصحافة وتحولها إلى مؤسسات ضخمة تسيطر عليها مجموعات مالية واقتصادية عملاقة، أدى إلى تآكل المنافسة الحرة وتقوية الاتجاه المتحرك نحو التحكم في الإنتاج الصحفي. أي أن الإعلام أصبح يحقق أهداف الأشخاص الذين يملكون المؤسسات الإعلامية على حساب مصالح المجتمع.

5 - بخضوع وسائل الإعلام إلى سيطرة أصحاب النفوذ المادية أصبح تدخل المعلنين مشروعا في السياسات التحريرية للصحف والوسائل الإعلامية.

6 - مبالغة وسائل الإعلام في الأمور التافهة من اجل الإثارة وتسويق المادة الإعلامية الرخيصة (هدف الإعلام اقتصادي هو تحقيق الربح).

7 - إهمال قيمة جمهور وسائل الإعلام الذي أصبح حسب وسائل الإعلام الخاضعة للنظام الإعلامي الليبرالي، أصبح ينظر إليه على أنه مستهلك، وهذا بطبيعة الحال غاية النظام الرأسمالي القائم على مبدأ الربح (إسقاط الإعلام وإخضاعه لقوانين السوق الاقتصادية الرأسمالية).   

 

Modifié le: mardi 25 novembre 2025, 19:08