المستوى: سنة ثانية علم نفس               الدرس الخامس مادة : علم النفس المرضي

 

البنيــــــة العصابيــــــــة

تعريف العصاب:

العصاب هو اضطراب نفسي يصحب بقلق ناتج عن "صراع نفسي داخلي" .

    يعرفه حامد عبد السلام زهران (2005: 480) على أنه اضطراب وظيفي في الشخصية بين العادي وبين الذهاني وهو حالة مرضية تجعل حياة الشخص أقل سعادة، ويعتبره البعض صورة مخففة من الذهان، وأعراض العصاب تمثل رد فعل الشخصية أمام وضع لا تجد له حلا بأسلوب آخر، أي أنه يمثل المظهر الخارجي للصراع والتوتر النفسي والخلل الجزئي في الشخصية.

    كما يعرفه بيار داكو (2002: 06): أنه مرض نفسي دون سبب تشريحي معروف، كما أنه مرض وظيفي من دون ضرر عضوي.

    يعرفه لابلانش وبونتاليس (1997: 329): إنه إصابة نفسية المنشأ تكون فيها الأعراض تعبيرا رمزيا عن صراع نفسي يستمد جذوره من التاريخ الطفلي للشخص، ويشكل تسوية بين الرغبة والدافع.

    ويعتبر الصراع أساس العصاب، فهو ناتج عن عدم إشباع الحاجيات والمتطلبات لأسباب داخلية أو خارجية مما ينتج الإحباط فعندما يجد الفرد نفسه أمام دافعين متكافئين ومتنافرين، بحيث لا يستطيع الاختيار بينهما يقع صراع ثم إحباط فقلق، فكبت. فإذا نجح الكبت فلا تظهر أعراض، وإن فشل جزئيا تحاول الرغبات أن تفرض وجودها على المساحة الشعورية بطريقة رمزية.

 

المكونات الميثاسيكولوجية في البنية العصابية:

* مستوى نكوص الليبيدو والأنا: يكون النكوص إلى المرحلة الأوديبية، بحيث يتجاوز الفترة الثانية من المرحلة الشرجية، فالأنا تمايز كلية وتمايز الموضوع.

* نوع القلق: هو قلق الإخصاء، وقلق الإثم والغلطة (فهو يعيش فالحاضر وهو مركز على ماض شهواني).

* العلاقة بالموضوع: تناسلية -ثلاثية- لأنه في المرحلة التناسلية.

* نوع الصراع: صراع جنسي بين الأنا الأعلى والدوافع، مما يؤدي إلى الشعور بالذنب.

* الآليات الدفاعية: كبت- تحويل- إزاحة: ولكن تعمل بشكل ضدي ومرضي متصلب، مما يدل على أن العلاقة موجودة، ويحاول العصابي أن يبقى مكيفا معه. وهذا يعني أن العصابي توصل إلى مستوى تطوري يسمح له بترميز الصراعات، بالتالي نستخلص بأنه تم تحديد حدود ومعالم لهاته الشخصية. فالصراعات والنزوات خضعت إلى كبت ثانوي وحدث ما يعرف بــــ "رجوع المكبوت".

 

خصائص العصاب:

    حسب Bergeret (2008) يشير من جهته إلى أنواع من الأعراض العصابية:

1- أعراض ذات طابع عصابي: تظهر وتزول في مرحلة ما من النمو دون أن تسجل هذه الأعراض في تنظيم عصابي معين مثل: مخاوف الحيوانات، طقوس المنام...وغيرها. وهذه الأعراض لا يصحبها قلق هام أو معاش نفسي مؤلم. الأنا متوازن، الدفاعات مرنة وليست صلبة كما هو الحال في البنية المرضية والوظائف العقلية غير معرقلة.

2- بين الاثنين: يوجد "عصاب الطفولة" وهو تقريبا فزيولوجي، إنه هام وتقريبا اجباري، فهو منظم للنمو مثل: حصر الشهر الثامن –بحسب Spitz- كما انه يبقى مفتوحا وقابلا للتغيير بدون علاج نفسي حقيقي وخاصة إذا ظهر في محيط مرن وغير عصابي.

3- العصاب عند الطفل: تؤكد A.Freud على دينامية النمو وما يأتي به من إمكانيات في كل مرحلة. وتقول بأنه من أجل تشخيص عصاب الطفل يجب القيام بدراسة معمقة للحالة مع مراعاة النقاط التالية:

* هل الأعراض مؤقتة أم مستديمة؟

* البحث عن أسباب الأعراض: هل هي ارتكاسية لظروف معينة؟

* الآليات الدفاعية مرنة أم صلبة مفرطة ودائمة الاستعمال؟

* مستوى تكيف الطفل مع الواقع والمحيط

* مدى تغلب القوى التطورية على القوى النكوصية

* عتبة الاحباط

    كل مختصي الأطفال يشيرون إلى أن العصاب عند الطفل له خصائصه وهي مرتبطة بالنمو وأيضا بالظروف التي يعيش فيها.

العصاب يتحول إلى ذهان:

    عندما يتشكل الأنا العصابي قبل التنظيمي، هذه العقدة تساهم في ظهور نرجسية مفرطة لدى الطفل وتوطيدها يؤدي إلى تضخيم الذات والنظر إليها أكثر من قدراتها الحقيقية. وعندما تتجمع العقدة الاوديبية والافراط النرجسي للذات: يتشكل الاضطراب الفصامي ويتطور العصاب نحو الذهان، فيأخذ شكل العصاب الفصامي.

تفسير المدرسة السلوكية للعصاب:

    من روادها: بافلوف- واطسون- هال دولرد ميلر...وغيرهم:

* يحتل مفهوم العادة مركزا أساسيا عند المدرسة السلوكية باعتبار أن العادة هي الرابط بين المثير والاستجابة. والعادة تكوين مؤقت للشخصية بحكم أنها مكتسبة وليست موروثة.

* برز مفهوم الدافع: وهو مثير قوي بدرجة كافية لدفع الفرد للتحرك، وعلى هذا الاساس فالعصاب هو شكل من أشكال السلوك تعلمه الفرد بطريقة المنعكس الشرطي اي بتكرار وتعزيز خبرات معينة خلال حياته.

    فالعصابي حسب هذه المدرسة لم يتعلم ولم يتدرب على كيفية حل الصراعات أثناء تنشئته الاجتماعية، مما يؤدي إلى تكوين شخصية هشة غير قادرة على المواجهة أو تخطي الصعاب بشكل ايجابي، بل تعلم حلولا خاطئة لا تعبر عن التوافق السليم.

 

 

تفسير مدرسة التحليل النفسي:

* فرويد: أرجع العصاب إلى عوامل حيوية وليس إلى عوامل ثقافية واجتماعية وجعل من القلق لب العصاب ومحوره، ونواته عقدة اوديب، ويرى أنه لا يوجد عصاب نفسي بدون استعداد عصابي ترجع جذوره إلى مرحلة الطفولة.

* كارل يونغ: يرى بأن التظاهر العصابي عبارة عن محاولة غير ناضجة للتوافق مع الواقع، وينسب إلى الذكريات المكبوتة في اللاشعور المتعلقة بجميع مشكلات الفرد التي لم تحل مشكلات الصراع.

* كارن هورني: رغم اتفاقها مع اتجاهات مدرسة التحليل النفسي في كون القلق هو منشأ العصاب، إلا أنها تقدم إضافة، حيث تزيد على ذلك عندما تنظر للسلوك العصابي على أنه تشكل نتيجة التنظيم الديناميكي لمختلف مكونات الشخصيةـ فهي ترى بأن كل سلوك يجب أن ينظر إليه من مختلف أبعاده: الاجتماعية، الانثروبولوجية...وغيرها.

    وحددت في تفسيرها للعصاب 3 اتجاهات إما:

- اتجاه الفرد العصابي نحو الآخر: سلوكاته تبدو شاذة كلما ابتعد عن الآخر. فهو يضع مجموعة من الاعتبارات للآخر فتكون بذلك مسلوبة الارادة. وابتعاد الآخر عنها يحدث لها انهيارا واحباطا.

- اتجاه ضد الآخر: يشتمل هذا السلوك على رؤى وقيم تتجه ضد الآخر، ويظهر في شكل سلوك قطيعة وتمرد على الآخر، حيث يرى أن الآخر هو مصدر تهديد كبير وخطر وألم. فيتجه ضده كمحاولة لترميم الذات والمواجهة. وسلوكات المقاومة هاته تشكل لنا الاضطراب العصابي.

- اتجاه بعيدا عن الآخر: حيث تكون لديه قناعة في كون الآخر هو السبب في عدم تمكنه من تحقيق رغباته، وأن الآخر لا يستحق الاتحاد معه او التعاون معه. فهو اذا يتجه نحو الانسحاب وهذا ما يشكل العصاب.

* اوتو رانك Auto-Rank: ركز على صدمة الميلاد، فهو لا يختلف عن الآخرين الذين فسروا العصاب من حيث منشأ العصاب هو القلق. إلا أنه يرجع القلق لصدمة الميلاد، فهو يرى بأن الطفل كان محاطا بالأمن والرعاية والحنان والطمأنينة، ولكنه يصطدم بالواقع حين يولد. فيرى بأنه لمجرد ميلاده فهو يعيش في محيط مغاير يختفي فيه الأمن، بحيث يكون مجبرا على اشباع ذاته بذاته. فالحاجة تولد لدى الرضيع القلق.

    والعصابي يتخذ أقنعة أكثر تشويها لمواجهة المواقف المحبطة: فسوء التوافق البيئي والاجتماعي والشخصي مرده إلى عدم تمكن الفرد من تجاوز صدمة الميلاد.

(حامد عبد السلام زهران، 2005: 481-482).

المآل والتطور:

مآل العصاب أفضل بكثير من مآل كل من الاضطرابات الذهانية والحدية، فيتجه أكثر من الثلثين للعلاج خاصة إذا توافق مع العلاج المناسب للاضطراب، في حين الثلث قد يتحسن دون اللجوء إلى العلاج، في حين يتجه المآل من 10 إلى 20 بالمئة إلى التفاقم والانتكاسة والدخول في الاضطرابات الذهانية أو السيكوسوماتية.

آخر تعديل: السبت، 1 نوفمبر 2025، 8:41 PM