الدرس:02                                     علم النفس الأسري

النشأة وعلاقته بالعلوم الأخرى

1- نشأة علم النفس الأسري:

نشأة علم النفس الأسري تعود إلى فترة بدأت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. تطور هذا العلم من دراسة الأسرة وتأثيرها النفسي والاجتماعي على الأفراد، حيث ازدادت الأبحاث والمساهمات من علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلماء النفس لفهم السياق النفسي والاجتماعي داخل الأسرة. ومن أوائل المفكرين الذين تناولوا موضوع الأسرة كانت لهم رؤى مختلفة مثل سبنسر Spenser الذي ناقش انتقال وظائف الأسرة في المجتمع، و أوجست كونت August Caunt الذي اهتم بدراسة تكوين الأسرة من خلال الزواج، ثم جاء جورج هاربر ميد  Gorge Harbert Midفي القرن العشرين ليبرز دور التفاعل الرمزي داخل الأسرة.

علم النفس الأسري يبني على أهمية الأسرة كمجتمع صغير له نظامه الخاص من العلاقات الاجتماعية والعاطفية، ويركز على دراسة التوافق والتفاعلات بين أفراد الأسرة، بالإضافة إلى الصعوبات والمشكلات التي قد تواجهها. نشأ هذا العلم ليعالج التأثيرات النفسية التي قد تصيب الأفراد بسبب اختلال العلاقات الأسرية ويهدف إلى تعزيز التوافق والتواصل الصحي داخل الأسرة.

بالتالي، علم النفس الأسري هو فرع حديث نسبياً من فروع علم النفس وهو علم شامل يدرس تطور الشخص داخل الأسرة، والعلاقات والأنماط النفسية بين أفرادها، ويستخدم مناهج البحث العلمي لتناول المشكلات الأسرية بهدف تحسين جودة الحياة الأسرية والنفسية للأفراد وللمجتمع ككل.

المراحل التاريخية لتطور علم النفس الأسري مرت بعدة فترات رئيسية يمكن تلخيصها كما يلي:

  • المرحلة القديمة أو البدائية: حيث كانت الأسرة في المجتمعات القديمة تعتمد على الصيد والزراعة، وكان رب الأسرة يمتلك السلطة المطلقة، وكانت الأسرة تتكون وفق معايير تقليدية واجتماعية تقيد الأفراد، مع ظهور بعض الظواهر مثل وأد البنات في الجاهلية، ثم جاء الإسلام كعامل تغيير في تنظيم الأسرة.
  • المرحلة الاجتماعية والنظرية في القرن التاسع عشر: حيث بدأ علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلماء النفس بدراسة الأسرة من وجهات نظر مختلفة، مع ظهور أفكار حول تطور وظائف الأسرة وانتقالها إلى هيئات اجتماعية مختلفة، وتم تصنيف الأفراد داخل الأسرة إلى وظائف وأدوار اجتماعية، كما أسهم جورج هاربرت مييد في دراسة التفاعل الرمزي داخل الأسرة.
  • المرحلة العلمية الحديثة منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى اليوم: نشأ فيها علم النفس الأسري كفرع علمي مستقل، مع استخدام أساليب البحث العلمي لتحديد مجالات الدراسة، وفهم الديناميات النفسية والاجتماعية للأسرة، إضافة إلى تطوير نظريات حديثة لحل المشكلات الأسرية وتحسين التفاعل بين أفراد الأسرة.

هذه المراحل توضح كيف تطور علم النفس الأسري من فهم تقليدي ومجتمعي بسيط إلى علم مستقل ومتخصص يستند على البحث والتطبيق العلمي.

علاقة علم النفس الأسري بالعلوم الأخرى:

علاقة علم النفس الأسري بالعلوم الأخرى هي علاقة تكاملية وهامة، حيث يرتبط علم النفس الأسري بعدة علوم تطبيقية واجتماعية وبيولوجية.

العلاقة مع العلوم الاجتماعية

علم النفس الأسري يعد جزءًا من العلوم الاجتماعية، حيث يدرس التأثيرات المتبادلة بين الأفراد داخل الأسرة ويؤثر فيها ويتأثر بالمجتمع. يرتبط بعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والاقتصاد والتاريخ، إذ تساعد هذه العلوم في فهم البنى الاجتماعية والثقافية التي تشكل البيئة التي تنمو فيها الأسرة.

العلاقة مع العلوم البيولوجية

يرتبط علم النفس الأسري بالعلوم البيولوجية مثل علم الوراثة وعلم الأعصاب وعلم وظائف الأعضاء. فهو يفهم السلوك من حيث الأسس الفسيولوجية، كالعمل العصبي والغدد الصماء، ويأخذ بعين الاعتبار تأثير هذه الجوانب على الحالة النفسية والعائلية للأفراد..

العلاقة مع العلوم التطبيقية

علم النفس الأسري يتكامل مع العلوم التطبيقية كالطب والتربية والصحة النفسية والقضاء، حيث يستخدم هذا العلم أدوات وتقنيات لتحسين العلاقات داخل الأسرة وحل المشكلات النفسية والاجتماعية التي تواجه الأسرة كالوحدة. يقوم أيضًا بدور تربوي ونفسي في تدريب المستشارين والأسرة على التعامل مع الصراعات بفعالية.

جوهر العلاقة

يمكن وصف العلاقة بين علم النفس الأسري والعلوم الأخرى بأنها تفاعلية ومتبادلة، حيث يستمد علم النفس الأسري مفاهيمه ونظرياته من علوم متعددة، ويطبقها لفهم وتحسين العلاقات الأسرية ديناميكياً في سياق بيئي واجتماعي حيوي. هذه العلاقة تجعل علم النفس الأسري همزة وصل بين العلوم الاجتماعية والبيولوجية والتطبيقية في دراسة الإنسان والأسرة.

باختصار، علم النفس الأسري علم متعدد الأبعاد يدمج بين فهم العقل والسلوك وإطار البيئة الاجتماعية والبيولوجية ليقدم حلولًا وتدخلات عملية لعلاقات الأسرة وتطورها.

Last modified: Saturday, 8 November 2025, 8:41 PM