v النظرية اللبيرالية:
1- الجذور التاريخية للنظرية:
تنطلق من قول آدم سميث "دعه يعمل أتركه يمر"، تعود هذه النظرية بشكل أساسي إلى عصر النهضة الأوروبية وبالتحديد القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، إذ بلور عدد من المفكرين الأوروبيين كثيرا من المبادئ التي تحدت الأفكار السلطوية التي سادت حتى بداية النهضة الأوروبية، وكان من أبرزهم المفكر الانجليزي جون ميرتون الذي كتب عام 1664 يقول:" إن حرية النشر بأي واسطة، ومن قبل أي شخص، مهما كان اتجاهه الفكري حق من الحقوق الطبيعية لجميع البشر، ولا نستطيع أن نقلل من حرية النشر بأي شكل وتحت أي عذر ".
- أما جون لوك فقد عرف الحرية بأنها " الحق في فعل أي شيء تسمح به القوانين ".
وكان لوك قد قدم إلى البرلمان الانجليزي عام 1665 بيان هاجم فيه تقييد حرية الصحافة، واضطر البرلمان في ذلك الوقت إلى إلغاء قانونه بفرض الرقابة الوقائية على الصحف.
ولم يتحقق الانتصار الأول للنظرية الليبرالية على النظرية السلطوية إلا خلال القرن الثامن عشر حين أصدر البرلمان البريطاني قرارا أكد على حضر أية رقابة مسبقة على النشر، كما أباح للأفراد إصدار الصحف من دون الحصول على ترخيص من السلطة. وقد جاء هذا التعاون نتيجة لأفكار المفكر الانجليزي بلاكستون الذي أكد أن حرية الصحافة ضرورية لوجود الدولة الحرة، وذلك يتطلب عدم وجود رقابة مسبقة على النشر، ولكن يمكن أن يتعرض الصحفي للعقاب بعد النشر إذا تضمن هذا النشر جريمة، والإنسان حر أن ينشر ما يشاء على الجمهور، ومنع ذلك يعد تدميرا لحرية الصحافة.
- أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد جاء الدستور الأمريكي ليحضر بشكل كامل تدخل الدولة في مجال حرية الصحافة إذ نص على أنه يحضر على الكونغرس أن يصدر أي قانون يقيد حرية التعبير والصحافة.
وعموما فإن ظهور نظرية الحرية هذه كان نتاج ثلاث عوامل رئيسية هي:
1- العامل السياسي: الذي جعل من قضية حرية الصحافة مشكل سياسي بالدرجة الأولى لارتباط وسيلة الإعلام (الصحافة) للتعبير عن الرأي العام الذي قد يتناقض مع سياسة الحكام.
2- العامل الفلسفي: كانت الفلسفة تربة خصبة لظهور نظرية حرية الإعلام، في أحضان الفلسفة وجدت الحرية ملجأها و مربيا نصوحا لنشاطها ولفطامها، وقد كان الحكام الأوروبيون في القرن الأول في العصر الحديث يخافون من حرية الطبع والنشر كما ذكرنا، وكان موقفهم هذا يجعلهم في حالة يصطدمون بالكتاب والفلاسفة الذين هم أكثر لجوءا إلى فوائد المطبعة والنشر، وعلى هذا الأساس توجهت جهودهم إلى المطالبة بحرية الطبع والنشر، وأظهروا استيائهم من الإجراءات التي كان الحكام يتخذونها ضد حرية التعبير، بما في ذلك الصحافة، وألفوا كتبا ومقالات تتضمن هذه المطالب، وتطبع وتنشر بصفة سرية، ففي سنة 1644 وجه الفيلسوف الشاعر الانجليزي ميرتون نداء حار يطالب فيه بحرية التعبير، وصار هذا النداء بعد ذلك مرجعا لكل الفلاسفة والسياسيين، وكان له بذلك أثر كبير على الأوساط المختلفة التي كان يتكون منها المجتمع الانجليزي.
3- العامل الاقتصادي: إن العامل الاقتصادي يلعب دورا كبيرا في تحقيق نظرية حرية الإعلام، إذ كانت النهضة الاقتصادية التي عرفتها انجلترا في القرنين الثامن والتاسع عشر مثالا حيا لفائدة الحرية في المجتمع، كما كان يطالب بذلك الفلاسفة، والمعلوم النهضة الاقتصادية انطلقت من لآراء ريكاردو الذي يقول أن حرية العمل شرط أساسي لازدهار النشاط الاقتصادي في المجتمع.
وبالتالي فحرية العمل مرتبطة بحرية التعبير وخصوصا بحرية الصحافة، وهو ما كان بالفعل حيث عرفت أوروبا في بداية القرن التاسع عشر ازدهار ا كبيرا في ميدان الصحافة باعتبارها نشاط اقتصاديا حيويا خصوصا مع تطور الطباعة و النشر.
2 - مبادئ وأسس نظرية الحرية:
لقد حدد المفكر الإعلامي السويدي دينيس ماكويل العناصر الرئيسية لنظرية الحرية فيما يلي:
إن النشر يجب أن يتحرر من أية رقابة مسبقة.
إن مجال النشر والتوزيع يجب أن يكون مفتوحا لأي شخص أو جماعة من دون الحصول على رخصة مسبقة من الحكومة.
إن النقد الموجه لأية حكومة أو حزب سياسي أو مسؤول رسمي يجب ألا يكون محلا للعقاب حتى بعد النشر.
ألا يكون هناك أي نوع من الإكراه أو الإلزام بالنسبة للصحفي.
عدم وجود أي نوع من القيود على جميع المعلومات ونشرها بالوسائل القانونية.
يجب أن يتمتع الصحفيون بالاستقلال المهني داخل مؤسساتهم الصحفية.
أهداف الإعلام في هذه النظرية الإخبار والترفيه والترويج لبيع السلع وأيضا المشاركة في اكتشاف الحقيقة ومراقبة أنشطة الحكومة.
تحرم التشهير والإخلال بالقيم الأخلاقية السائدة والأنشطة التخريبية في زمن الحرب.
لقد أسهمت كل هذه المبادئ في تحرير الصحافة من سيطرة الدولة وحررتها من الكثير من القيود التي كانت مفروضة عليها من طرف السلطة واستطاعت دول الشمال ( أوربا الولايات المتحدة الأمريكية ) أن تتمتع خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين بقدر كبير من التعددية والتنوع في مجال الصحافة و استطاعت بذلك أن تدير في هذه المجتمعات مناقشات حرة بين كافة الاتجاهات السياسية وأن تنقل هذه المناقشات إلي الجماهير وهو ما أسهم كثيرا في تقدم هذه المجتمعات وزيادة حيويتها .
3 - النظام الإعلامي الحر ( الليبرالي ):
إن النظام الإعلامي الليبيرالي في الحقيقة هو نمط الإعلام كأداة للرقابة على السلطة وهذا الدور الرقابي للإعلام على السلطة ارتبط بانتصار الليبرالية كفلسفة وأسلوب حياة في غرب أوربا و في الولايات المتحدة الأمريكية لم يتحقق مرة واحدة وإنما نما وتطور حسب تطور مسار الصراع الاجتماعي والسياسي لصالح الليبرالية في المجتمع الغربي ثم في غيره من مناطق العالم طوال القرنين التاسع عشر والعشرين .
والنظام الإعلامي الحر شأنه شأن الفلسفة الليبرالية يدين لأفكار وفلسفات العديد من المفكرين والكتاب مثل ( ج. ج. روسو، مونتسكيو و فولتير من فرنسا، جون استيوارت مل و جون لوك من انجلترا، جون ميلتون و توكفيل من الولايات المتحدة الأمريكية ) وغيرهم.
ويقوم النظام الإعلامي الليبرالي على عدة مبادئ نذكر منها:
1- حق المواطن في أن يعرف حق طبيعي، وكي يمارس المواطن هذا الحق الطبيعي لابد لوسائل الإعلام أن تتمتع بحريتها كاملة دون أية قيود تأتي من خارجها.
2- إن احتكار المعرفة في وسيلة إعلام واحدة أو في عدة وسائل ذات اتجاه واحد يؤدي بالضرورة إلى تحريف الحقائق وتشويشها، في حين أن تعدد مصادر المعرفة بتعدد وسائل الإعلام ذات الاتجاهات المتباينة كفيل بالكشف عن أي تحريف أو تلوين للحقائق.
3- لأي مواطن أو جماعة الحق في إصدار ما تشاء من وسائل الإعلام ما دامت قادرة على ذلك، دون الحاجة لربط هذا الحق بتصريح من السلطة الحاكمة.
4- حق المواطن في التعبير عن رأيه عن طريق إصدار وسائل الإعلام أو العمل فيها لا يتحقق إذا فرض على هذه الوسائل أي لون من ألوان الرقابة وأن أي تجاوز تقع فيه وسائل الإعلام هو من شأن القضاء وحده.