v   : نظرية المسؤولية الاجتماعية .

1 - الجذور التاريخية للنظرية:

     تميزت الفترة التي سبقت ظهور نظرية المسؤولية الاجتماعية، بسيطرة نظرية الحرية على المجتمع الغربي، والتي تميزت بانحرافات سادت في ميدان الصحافة ثم في باقي وسائل الإعلام، ونتيجة لذلك ظهرت محاولة لإيجاد بديل لهذه النظرية أو التغيير في بعض أدبياتها، ومن هذه العوامل مايلي: 

1-    أن الصحافة في ظل مبدأ سوق الأفكار الحرة تمكنت من زيادة قوتها ونفوذها حتى غدت مملوكة لفئة من أصحاب المصالح والمؤسسات التجارية الذين أخذوا يمارسون احتكارا على الأفكار التي تصل للجماهير، حتى أصبح الناس – على الرغم من عقلانيتهم وقدرتهم على التفكير واتخاذ القرار السليم – غير قادرين على التمييز بين الحقيقة والدعاية البارعة الذكية.

2-    أن التطور الاقتصادي والتقني لوسائل الإعلام قلل من قدرة الأفراد والجماعات على المشاركة في هذه الوسائل، مما أتاح الفرصة لوسائل الإعلام أن تسلط الأضواء على فئات معينة من المجتمع وتنسى السواد الأعظم من الناس.

3-    تركيز الصحافة واهتمامها بالمضامين الاجتماعية السطحية وإثارة المشاعر والأحاسيس على حساب معنويات الشعب وقيمه.

4-    التعدي على خصوصيات الأفراد وانتهاك الحرمات الشخصية لأفراد المجتمع وبخاصة رموزه المعروفة والمشهورة.

5-    الوعي المتنامي بفشل فكرة " سوق الأفكار الحرة " وعدم قدرتها على الوفاء بالوعود التي قطعها مؤيدو هذه الفكرة بتلبية حاجات المجتمع.

2 - لجنة هوتشنز Hutchins Commission:

     في ظل تزايد الوعي المتنامي بفشل سوق الأفكار الحرة في حماية المجتمع والجماعات والأفراد وتلبية حاجاتهم بين الساسة والإعلاميين – وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية – قام هنري لوس بترجمة هذا الوعي والاهتمام إلى برنامج عملي، فقد قام لوس - صاحب شركة التايم- بمساعدة دائرة المعارف البريطانية بتمويل دراسة أجراها البروفيسور هوتشنز روبرت – رئيس جامعة شيكاغو – تهدف إلى التعرف على الوضع الراهن وتأثيره على مستقبل حرية الصحافة وذلك في عام 1942، فشكل هوتشنز على الفور لجنة من 10 أساتذة جامعيين ، وعرفت هذه اللجنة باسم:" لجنة هوتشنز ". كانت مهمة هذه اللجنة مساعدة هوتشنز في تنفيذ هذه الدراسة، وفي عام1947 أصدرت اللجنة تقريرا كان عنوانه " صحافة حرة ومسؤولة "، وجدير بالذكر أن المصطلح المعروف الآن باسم:" المسؤولية الاجتماعية للصحافة " الذي تبلور فيما بعد لم يذكر بهذا التقرير الذي أصدرته اللجنة، لكنه ورد – فيما بعد- في كتابات أستاذ الصحافة المشهور ثيودور بيترسون وكان من النتائج التي توصلت إليها اللجنة مايلي:

1-    أن التطور التقني في مجال الصحافة قد زاد من أهمية الإعلام للجماهير من ناحية، لكنه قلل من فرص مشاركة أفراد المجتمع في التعبير عن آرائهم من ناحية أخرى.

2-    أن الذين تولوا مسؤولية الإعلام قد أساؤوا استخدامه وشوهوا صورة الفئات الأخرى في المجتمع، ولم ينجحوا في تقديم خدمة موضوعية تلبي حاجة المجتمع.

3-    أن وسائل الإعلام أصبحت ترتكب ممارسات يرفضها المجتمع مما يحتم عليها – إن هي استمرت في ذلك – أن تخضع لقوانين معينة تضبط هذه الممارسات الخاطئة.     

وبعد صدور هذا التقرير ظهرت هناك استجابات لهذا النداء حيث " لقيت دعوة اللجنة إلى صحافة حرة مسؤولة، صدى داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، في بلدان أوروبا وعلى رأسها المملكة المتحدة فتشكلت اللجنة الملكية الأولى للصحافة عام 1949 ودعت إلى التزام العاملين في الصحافة بمسؤوليتهم الاجتماعية، وتشكيل مجلس للصحافة".

وهكذا يتبين أن لجنة هوتشنز كانت النواة الأولى في ولادة هذه النظرية، وأن الدراسات الإعلامية التي تناولت موضوع نظرية المسؤولية الاجتماعية كانت تستمد فلسفتها من النتائج التي وردت في تقرير اللجنة.

3 - وظائف ومهام نظرية المسؤولية الاجتماعية:

     لقد جاءت نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام لتعزز مفهوم الحرية الإعلامية، لكن هذه الحرية ليست مطلقة، " والفكرة الأساسية للنظرية أن الحرية لابد لها من مسؤوليات والتزامات، وأن وسائل الإعلام باعتبارها تتمتع بوضع متميز في ظل المجتمع الديمقراطي ملزمة بأن تكون مسؤولة إزاء المجتمع بتحقيق وظائف معينة".

- وقد عملت لجنة هوتشنز على وضع مجموعة من التصورات حول وظائف الصحافة في المجتمع الحديث وعدد من التوصيات للحكومة والمؤسسات، ومن هذه الوظائف التي رأت اللجنة أن على الصحافة القيام بها مايلي:

أ- تقديم تقرير صادق وشامل وذكي عن الأحداث اليومية.

ب- أن تعمل كمنبر لتبادل التعليق والنقد.

ج- أن تقدم صورة للجماعات المتنوعة التي يتكون منها المجتمع.

د- أن تبرز أهداف المجتمع وقيمه وتوضحهما.

ه- أن توفر معلومات كاملة عما يجري يوميا.

- وقد أوصت لجنة حرية الصحافة الحكومة بتطبيق الضمانات الدستورية لحرية الصحافة، وأن تعمل على تسهيل ظهور وسائل إعلام جديدة واستمرار المنافسة بين الوسائل القائمة، كما طالبت اللجنة بإلغاء التشريع الذي يحظر على الأفراد مساندة تغييرات ثورية، كما طالبت الحكومة بتقديم إعانات للصحف الصغيرة حتى لا تزول وحتى لا يكون هناك احتكار للصحف الكبيرة.    

- كما أوصت اللجنة المؤسسات الإعلامية بتقديم خدمة تتسم بالتنوع والكم الملائم لاحتياجات الجماهير، فضلا عن زيادة مراكز الدراسة الأكاديمية والبحث والنشر في مجال الإعلام، وإنشاء هيئة جديدة مستقلة لتقييم أداء الصحافة لعملها، وتقديم تقرير سنوي.

- وأوصت اللجنة العاملين بمجال الإعلام بالنقد المتبادل، وأن يقبلوا مسؤوليتهم كناقل عام للمعلومات والمناقشة.

كما قدم أستاذ أمريكي هو كيرتس مونتجري في كتابه " مسؤولية رفع المعايير " رؤية جديدة للمسؤولية، تقول أنه إذا قامت وسائل الصحافة بإعلام الناس والمحافظة على خصوصيتهم ومراعاة قيمهم فهذه نصف المسؤولية، ولكن النصف الآخر هو بيان مسؤولية الجماهير تجاه المادة المذاعة التي هي بدورها تجاه أنفسهم، إذ يجب على الجمهور ألا يتعامل مع ما يقدم من خلال الصحافة والتلفزيون على أنه وجبة كتلك التي يشتريها من السوبر ماركت، بل عليه أن يدرك الوقائع ولا يتقبلها كما يقرأها أو يسمعها و يزن الأفكار التي تتفق أو تختلف مع ميوله ويضع افتراضاته الأساسية محلا للنقاش. 

في حين نجد أن ربرت راي في كتابه " مسؤولية الجرائد " يساوي بين المسؤولية الاجتماعية وصدق الأخبار والحيدة لأنها أساس حق القراء في المعرفة، ثم المناقشة الديمقراطية الحقة في المجتمع والتي تسهم في تطويره.

ويلخص دينيس ماكويل المبادئ الأساسية لنظرية المسؤولية الاجتماعية في الجوانب التالية:

أ‌-      إن الصحافة، وكذلك وسائل الإعلام الأخرى يجب أن تقبل وأن تنفد التزامات معينة تجاه المجتمع.

ب‌-  يمكن تنفيذ هذه الالتزامات من خلال الالتزام بالمعايير المهنية لنقل المعلومات مثل الحقيقة والدقة والموضوعية والتوازن.

ج- لتنفيذ هذه الالتزامات يجب أن تنظم الصحافة نفسها بشكل ذاتي.

د- إن الصحافة يجب أن تتجنب نشر ما يمكن أن يؤدي إلى الجريمة والعنف والفوضى الاجتماعية، أو توجيه أية إهانات إلى الأقليات.

ه- إن الصحافة يجب أن تكون متعددة وتعكس تنوع الآراء وتلتزم بحق الرد.

و- إن للمجتمع حقا على الصحافة، في أن تلتزم بمعايير رفيعة في أدائها لوظائفها.

ي- إن التدخل العام يمكن أن يكون مبررا لتحقيق المصلحة العامة.

4

Last modified: Tuesday, 25 November 2025, 7:10 PM