مظاهر وواقع تطبيق نظرية المسؤولية الاجتماعية:
أ- مظاهر التطبيق:
بعد صدور تقرير لجنة هوتشنز، سارعت العديد من الدول إلى الاستجابة، بداية من الولايات المتحدة الأمريكية التي صدر بها التقرير إلى الدول الأوروبية وخاصة بريطانيا التي استجابت بسرعة، حيث تشكلت اللجنة الملكية الأولى للصحافة عام 1949، ودعت إلى التزام العملين في الصحافة بمسؤوليتهم الاجتماعية، كما تم تشكيل مجلس للصحافة، لكن فكرة تقديم معونات للصحف لقيت رفضا شديدا في بريطانيا وغيرها من دول أوروبا خوفا من استغلال الحكومات لها في التدخل في شؤون الصحافة، واكتفت هذه الدول كفرنسا وبريطانيا بإصدار قوانين للحد من الاحتكار والتركيز في ملكية الصحافة رغم أن ذلك لم يوقف تزايد معدل التركيز والاحتكار وزوال الصحف الصغيرة، لكن هناك دول أوروبية أخرى اعتمدت على تقديم إعانات للصحف الصغيرة وحققت نتائج كالسويد التي واجهت حظر سيطرة الاحتكارات على صحافتها بإنشاء نظام لتقديم إعانات حكومية للصحف بهدف المحافظة على التنوع الصحفي مما أدى خلال حقبة الستينات إلى المحافظة على بقاء كثير من الصحف الصغيرة في السويد ".
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تم تشكيل لجان رقابة أهمها لجنة الاتصالات الفدرالية المسؤولة فقط أمام الكونغرس عن مراقبة تنفيذ القوانين المرتبطة بحظر الترستات، ولجنة كارنيجي التي شكلها الرئيس جونسون عام 1964، والتي قدمت تقريرا يطالب الكونغرس بإنشاء مكتب فدرالي للتلفزة العامة، وقد تم تشكيل المكتب حيث أخضع لقوانين فدرالية، وجرى تحريره من هدف الربح واستقل تماما عن الحكومة وانحصرت مهمته في توزيع المخصصات على محطات التلفزة العامة والإشراف عبر الاتصال العام على الشبكة التي توصل هذه المحطات فيما بينها، بالإضافة إلى اختيار البرامج التي توزعها تلك الشبكة".
وهكذا لاحظنا أن الدول الأكثر ليبرالية قد عمدت إلى التدخل في شؤون الإعلام، وهذا ما يتضح أكثر مع " الواقع الجديد الذي فرضه انتشار وسائل الإعلام الإلكترونية مما أدى إلى تأثيرات ذات شأن في عملية تغيير جوانب جوهرية في التفكير الليبرالي وخاصة في الغرب الأوروبي، إذ أصبحت الدول طرفا أساسيا في النشاط الإعلامي بجميع جوانبه الاقتصادية والفكرية والتقانية والاجتماعية، وخاضت التنافس بكافة مع الإعلام الخاص الخاص مستفيدة من مصداقية الدولة في نظام ديمقراطي ".
وانطلاقا مما سبق فإن نظرية المسؤولية الاجتماعية قد لقيت إقبالا على تطبيقها منذ ظهورها وذلك في معظم الدول الليبرالية ولكن بدرجات متفاوتة.
ب- واقع التطبيق:
من بين العوامل التي تساعد على تجلية الرؤية حول مدى تطبيق نظرية المسؤولية الاجتماعية في المجتمعات الغربية أن هناك مشكلة أساسية تتعلق بهذه النظرية في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، حيث لا يوجد اتفاق عام حول مسؤوليات الإعلام، وعلى الرغم من وجود عدة مواثيق لمرافق الإعلام المختلفة تحدد مسؤوليات كل مرفق إلا أنه لا يوجد ميثاق واحد عام وشامل ملزم للجميع، وسبب ذلك يعود إلى موقف الإعلاميين الأمريكيين أنفسهم الذين لا يرغبون في تحديد المسؤوليات بصورة دقيقة وحاسمة خشية أن يؤدي هذا التحديد إلى محاولة إلزامهم بتلك المسؤوليات، وهذا بلا شك يتضمن تهربا من المسؤولية.
هذا بالإضافة إلى ما عرضناه سابق من سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على وسائل الإعلام، وكذا توجيه الجماعات الضاغطة لوسائل الإعلام، إضافة إلى توجه وسائل الإعلام ذاتها إلى الاهتمام بالترفيه الرخيص الذي يعتمد على الجنس وكل ما يحط من قيمة الإنسان في مقابل القيم الإنسانية الراقية.
وبناءا على كل ما سبق فإنه يمكننا أن نقول بأن نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام غير مطبقة في المجتمعات الغربية عموما، وأن هذه النظرية بقيت حبرا على ورق، ولم تطبق لا في الغرب فقط الذي يعتبر مهدها، ولكنها لم تطبق في العالم بأسره، لأن وسائل الإعلام في الدول النامية تابعة إلى وسائل الإعلام في الغرب أو الدول المتقدمة، سواء من حيث البرامج أو من حيث الساسة المتبعة أو التوجه العام، ذلك أن كل وسائل الإعلام يسيطر عليها مستثمرون ورجال أعمال هدفهم الوحيد هو الربح و فقط.
6 - نقد نظرية المسؤولية الاجتماعية:
رغم أن نظرية المسؤولية الاجتماعية قامت على نقد نظرية الحرية في الإعلام، وعرضت نفسها كبديل لتصحيح الانزلاقات التي وقعت فيها نظرية الحرية، إلا أنها لم تستطع أن تكون البديل ولا المصحح لهذه النظرية والدليل هو مواجهتها للعديد من الانتقادات، التي تناولت مختلف جوانبها انطلاقا من مبادئها وصولا إلى طرق تطبيقها، ومن هذه الانتقادات نستعرض مايلي:
1- يقول ميريل إن الاعتماد على المسؤولية الاجتماعية كمعيار للحكم على الصحف يعتبر بمثابة خيانة من وجهة نظر الديمقراطيات الغربية، أي أن الاعتماد على هذه النظرية فيه تنازل عن المبادئ الديمقراطية.
2- ينظر الصحفيون الأمريكيون إلى هذه الأفكار (نظرية المسؤولية الاجتماعية) على أنها تمثل اتجاها نحو الاشتراكية وخطرا على الصحافة، وذلك لأنها نادت بتقديم إعانات للصحف الصغيرة وقيام قطاع عام في مجال وسائل الإعلام، وهذا فيه نوع من سيطرة الدولة على وسائل الإعلام.
3- ظهور وسائل إعلام تابعة للدولة تخلي على مبادئ حرية الصحافة والمنافسة الحرة وإضرارا بالمؤسسات الإعلامية (لأن الدولة تدعم مؤسساتها وتزودها الإشهار وبالتالي تساعدها على المنافسة).
4- إلزام وسائل الإعلام بقواعد محددة (العمل على نشر القيم والعادات الحميدة في المجتمع) يعتبر نوع من الرقابة وتقليص من حرية وسائل الإعلام.
5- ظهور مجالس الصحافة واللجان المكلفة بمراقبة وسائل الإعلام فيه نوع من التضييق والرقابة وتشبه بالاشتراكية.
6- التطور السريع في تكنولوجيات الإعلام والاتصال يجعل من المستحيل التحكم في مصادر إرسال الرسائل المختلفة، بالتالي فإن الرقابة غير مجدية وتطبيق نظرية المسؤولية الاجتماعية غير ممكن.