فلسفة الإعلام الشيوعي:

بعد أن تكامل الفكر الماركسي بعد المساهمات التي صاغها عدد من المفكرين والكتاب الماركسيين في كل من الإتحاد السوفيتي والصين، توصلوا إلى أن الصحافة والإعلام في النظام الماركسي الشيوعي هي عملية التقاط المعلومات الاجتماعية، وهذه العملية تفترض وجود تصور فكري مسبق عن هدف وسير إستراتيجية النشاط الاجتماعي، لطائفة من الناس وتنظيم ومراجعة تحقيق هذا النشاط، فالصحافة ظاهرة ملتزمة تخدم باستمرار أهداف الطبقة أو الطبقات، بالإضافة إلى الإستراتيجية والتكتيك اللذين تستخدمها هذه الطبقة وأن الإعلاميين والصحافيين، يمارسون نشاطهم باعتبارهم جزءا من طبقة معينة يمثلون هذه الطبقة .

ومن هنا فإن فلسفة الإعلام الشيوعي أو النظرية الإعلامية الشيوعية تنطلق من وظائف الإعلام في المجتمع الشيوعي هي نفسها وظائف الجهاز الحاكم، أي دعم بقاء وتوسع النظام وأن هذه الوسائل يجب أن توجد لنشر السياسة الاشتراكية وليس لها أن تبحث عن الحقيقة، ومن هنا وكما يقول د.محمد حجاج في كتابه نظريات الاتصال فإن وسائل الإعلام الجماهيرية  تعد أدوات حكومية وجزء لا يتجزأ من الدولة، وهذه الأخيرة تملك و تقوم بتشغيل هذه الوسائل، والحزب الشيوعي هو الذي يقوم بالتوجيه وسائل الاتصال في النظرية الشيوعية ليست للترفيه، ولا يسمح  لها أن تبعد القراء والمشاهدين عن القضايا الحاسمة، كما أن السلطات الشيوعية تحت وسائل الإعلام على نشر الوسائل و المقالات التي تنتقد الوضع بشكل عام، وتشير المصادر إلى أن صحيفة إزفيستيا كانت تتسلم يوميا 1500 رسالة، منعامة الشعب يعرفون فيها عن أوضاعهم و أحزانهم وأمانيهم و كشف حالات الفساد وعدم الكفاءة في بعض المؤسسات الحكومية.

 بل إن النظرية الشيوعية تعتبر أن الجماهير أضعف وأجهل من أن تحاط علما بكل ما تقوم به الحكومة، ووسائل الإعلام يجب أن تعمل دائما من أجل الأفضل والأفضل عادة هو ما تقوله القيادة و يتفق بطبيعة الحال مع خط النظرية الماركسية، ومن ثم فإن كل ما تفعله وسائل الإعلام كي تدعم نهج الشيوعية يعتبر عملا غير أخلاقي.

    ومن جهة أخرى فقد اعتبر علماء الاتصال والإعلام أن النظرية الشيوعية هي نسخة طبق الأصل للنظرية التسلطية، فمصلحة الجماعة وهيمنة الدولة تتجاوز مصلحة الفرد لكن الاختلاف ما بينها يأتي في جانب ملكية وسائل الإعلام.

    كما أن الإعلام الشيوعي هو بعيد كل البعد عن الفلسفة الإعلام وهي أقرب إلى الدعاية أكثر منها، للتنظير العلمي كشعارات تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة الاجتماعية والتقدم الثقافي، و رفع الاستغلال عن طبقات الشعب العامل، وبانهيار الشيوعية وسقوط الإتحاد السوفيتي عام 1979 تهاوت كل أركان النظرية الشيوعية التي سنحاول تسليط الضوء عليها لاحقا.

ومن أبرز زعماء الاتصال والإعلام الذين حللوا النظرية  "وليبر شرام" حيث قال عنها  إنها جزء لا يتجزأ الدولة الشيوعية تملكها الدولة ويديرها الحزب، ووظيفة وسائل الاتصال والإعلام زيادة حدة الفكر بين أعضاء المجتمع وتعليم المبادئ الماركسية وتفسير الأحداث على ضوء المبادئ.

وفي موقع آخر اعتبر شرام أن الشيوعيون لا ينظرون إلى وسائل الإعلام الجماهيري على أنها سلطة تراقب السلطات الثلاث، فتنشر أخبار هذه السلطة وتنتقد أعمالها كما تفعل أجهزة الإعلام في الغرب، ولكن وسائل الإعلام الجماهيرية تعتبر في ضوء النظرية الشيوعية أداة جماعية للدعاية والترويج للإيديولوجيا الشيوعية، فهي أداة لنقل الكلمة والصورة أو الخبر كما يراه الكرملين و يفسره.

فوسائل الإعلام هي أدوات للتحول الاشتراكي وللرقابة الاشتراكية، أي إنها حسب رأي "شرام" في نظر الشيوعيين تحقق أهدافا إيجابية جادة، وعلاوة على ذلك فإن الدولة هي التي تسيطر على وسائل الإعلام باسم الشعب عن طريق التحكم في مصادرها ومواردها الطبيعية والمادية، ولم يعد هناك بالتالي وسائل إعلام يملكها الأفراد أي أن وسائل الإعلام إنما تعكس الإيديولوجية الشيوعية وتعكس أهداف الدولة ونشاطها، وتعكس الشخصية المثالية الشيوعية كما ينبغي أن تكون تلك الشخصية.

 كما أن وظائف الخبر الصحفي أطرت في وظيفة واحدة هي خدمة الحزب الشيوعي، فيما جاء تعريف النظرية الشيوعية للخبر الصحفي بأنه معلومات معينة يتم اختيارها بشكل ملتزم ويجري تنقيحها ونشرها، بل إن هذه النظرية حددت الخبر بأنه الشيء الذي يخدم مصالح الفلسفة والثورة الشيوعية.

والسؤال هنا الذي يطرح نفسه ما هي أركان فلسفة النظرية الشيوعية؟

تنبثق أركان و مبادئ النظرية الشيوعية من المبادئ التالية:

1-    وسائل الإعلام هي أدوات للدولة وللحزب الشيوعي أي أنها مستقلة، ولا تقوم بمسؤوليات الإسهام في تشكيل الرأي العام والتأثير عليه من زاوية نابعة منه، كما أن وسائل الإعلام لا تحث الدولة على اتخاذ القرارات السياسية.

2-    إن وسائل الإعلام والصحافة جزء لا يتجزأ من سلطات الدولة والحزب من خلال التعاون مع المروجين على تنظيم وحشد الجماهير، كما أن هذه الوسائل تعاون مع قادة الأحزاب المحليين في نشر الإيديولوجية الشيوعية، فكما أن أجهزة الإعلام والصحافة تعتبر مصدرا أساسيا للثقافة والمعرفة.

وهناك تشابه كبير بين ما تكتبه وتنشره وسائل الإعلام المختلفة، ويعتبر ذلك قوة ووحدة ودليل ضعف أو ضغط من وجهة نظر الشيوعية.

3.وسائل الإعلام في الأنظمة الشيوعية كما يقول منظروها وقادتها هي وسائل مسؤولة وحرة لكن المسؤولية والحرية عند الشيوعيين تختلف معاييرها في الغرب فالأخير ينظر إلى وسائل الإعلام الشيوعية، على أنها أدوات في يد الدولة والشيوعيين بالمقابل ينظرون إلى وسائل الإعلام ونظرية الحرية على أنها أدوات بيد الرأسمالية والطبقة النفعية البرجوازية، فيما يرى الغرب أن الشيوعية تعيش حرمان حرياتي، ولكن الموقف الشيوعي تجاه الغرب والرد عليهم بأن الإعلام الشيوعي هو أكثر ألوان الإعلام حرية في العالم.

4.النظرية الإعلامية الشيوعية تطالب بالربط ما بين مضمون المادة وبين احتياجات الجمهور ضمن منطقة الجدل، وذلك من خلال رصد العلاقات المتغيرة ما بين العام والخاص فالخاص ينبغي أن تغطية الصحافة طابعا عاما.

5.النظرية الشيوعية تطالب بالحرص على إيجاد التوازن ما بين المواد الصحفية القادمة من الأقاليم وبين المواد الصحفية والإعلامية القادمة من العواصم، والتوازن ما بين المواد الداخلية والخارجية.

6.النظرية الشيوعية هي نظرية واقعية من وجهة نظر منظرها، بمعنى أنها تصور الواقع الاجتماعي دونما تدخل لتشويه هذه الصورة بالتهويل أو بالتهوين.

7.النظرية الشيوعية طالبت بأن تكون الصحافة والإعلام ملتزمتين أي الارتباط بقضايا و مشاكل المجتمع والنظام السياسي القائم، وبالإيديولوجيا السائدة فيه وتلعب دورا كبيرا في توعية النظام الاجتماعي و بتلك الايديولوجيا.

8.الإعلام الشيوعي يطالب بعدم التركيز على القضايا الخاصة بل الاهتمام بالعمل الجماعي والحرص على إبراز العلاقة القائمة ما بين الحدث والمجتمع.

 

Last modified: Tuesday, 25 November 2025, 7:14 PM