(أولا) التعريف بصاحب المعجم[1]:

- أصله ونسبه:

ابن منظور هو جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي بن أحمد بن أبي القاسم بن حبقة بن منظور ؛ يتصل نسبه برويفع بن ثابت الأنصاري، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- ولادته ووفاته:

ولد ابن منظور في القاهرة، وقيل في طرابلس، سنة 630هـ، 1232م، وتوفي سنة 711هـ ، 1311م. وقد أجمع المترجمون له على أنه كان محدثا فقيها، عمل في ديوان الإنشاء بالقاهرة. ثم ولي القضاء في طرابلس، وعاد إلى مصر، وبها توفي.

- حياته العلمية:

كانت حياته حياة جد وعمل موصول، يدل على هذا أنه ترك كتبا من تأليفه أو اختصاره

بلغت خمسمائة مجلد، عدا ما نسخه بخطه الجميل من كتب الأقدمين، فقد كان - رحمه الله - مشاركا في علوم كثيرة، فكان في الفقه في المكانة التي أهلته لولاية القضاء، وكان في اللغة وعلومها بما يشهد له به هذا الكتاب الفرد: "لسان العرب"، وكان في المعارف الكونية في أفضل ما كان عليه علماء عصره، فهو بحق مفخرة من المفاخر الخالدة في التراث العربي.

- مؤلفاته وآثاره:

لقد حمل قلمه ستين عاما خصبة، لم تفتر فيها عزيمته، فترك وراءه مكتبة نفيسة منها:

- "مختار الأغان"ي : اختصر فيه كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وجرده من الأسانيد

والمكرر، ورتب التراجم على حروف المعجم.

- "مختصر تاریخ بغداد " للخطيب البغدادي في عشرة مجلدات.

- " مختصر تاریخ دمشق" لابن عساكر .

- "مختصر مفردات ابن بيطار"

- "مختصر العقد الفريد" لابن عبد ربة.

- "مختصر زهر الآداب" للحصري.

- "مختصر الحيوان" للجاحظ.

- " مختصر يتيمة الدهر" لللثعالبي... وغير ذلك كثير.

يقول عز الدين إسماعيل عن هذه الاختصارات والغريب في أمر ابن منظور اهتمامه طول حياته باختصار الكتب المطولة التي صنفت قبله؛ فقد اختصر كتاب الأغاني وكتاب الذخيرة ومفردات ابن البيطار وتاريخ دمشق، وكان لا يمل من ذلك. قال الصفدي ( لا أعرف في الأدب وغيره كتابا مطولا إلا وقد اختصره) ... ونقول إن هذا الاهتمام بالتلخيص غريب؛ لأنه حين صنف معجمه " لسان العرب لم يحاول فيه اختصار كتاب من كتب اللغة التي سبقته، بل كان معجمه هذا أضخم وأوسع من كل المعاجم التي سبقته....."[2].

(ثانيا) التعريف بالمعجم:

تعتبر المعجمات العربية زاد الباحث في اللغة والأدب والاجتماع وعلم النفس وفلسفة اللغة، وهي في ثروتها اللغوية التي تزودنا بمخزون لفظي غني، يساعدنا على التعبير عن أرقى المعاني الحضارية الحديثة في أساليب متنوعة[3].

ظهر معجم اللسان في أواخر القرن السابع الهجري والعقد الأول من القرن الثامن الهجري، وقد ألفه ابن منظور، وفرغ من جمعه سنة ( 689هـ) يعد من أضخم المعاجم المعروفة حتى الآن وأكثرها إسهابا ، وأغزرها مادة ، وهوم إلى أن يكون موسوعة لغوية أدبية أقرب منه إلى أن يكون مجرد معجم لغوي لما يحويه من بحوث لغوية واستطرادات؛ ولما يشتمل عليه من مداخل وتعريفات تنسب إلى علوم أخرى[4].

(ثالثا) دوافع تأليف المعجم:

جاء في مقدمة لسان العرب تصريح واضح حول سبب التأليف في قول ابن منظور : " فإنني لم أقصد سوى حفظ أصول اللغة النبوية وضبط فضلها؛ إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية، ولأن العالم بنوامضها يعلم ما توافق فيه النية اللسان، ويخالف فيه اللسان النية، وذلك لما رَأيْتُهُ قد غلب في هذا الأوان من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحنا مردودا، وصار النطق بالعربية من المعايب معدودا."[5]

إذن هدفه الأساس هو حفظ اللغة العربية من اللحن والتحريف والتصحيف؛ فكان رأيه حول ما ألف في العربية قوله وإني لم أزل مشغوفا بمطالعات كتب اللغات والاطلاع على تصانيفها، وعلل تصاريفها، ورأيت علماءها بين رجلين : أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ جَمْعَهُ فَإنه لم يُحْسِنُ وَضْعَهُ، وأما من أجاد وضعه فإنه لم يجد جمعه. فلم يُفذ حسن الجمع مع إساءة الوضع، ولا نفعت إجادة الوضع مع رداءة الجمع"[6].

يقصد بهذا الكلام أنه أراد بتأليفه هذا المعجم أن يجمع بين الحسنين: إحسان الجمع وإحسان الوضع، أي بين الاستقصاء في المادة وسلامة العرض، وقد ضرب مثلا بتهذيب اللغة للأزهري والمحكم لابن سيده على كتب اللغة التي توافرت في مادتها الدقة والإتقان ولكن عابها سوء الترتيب واختلاط التبويب. ومن جهة أخرى ضرب مثلا بصحاح الجوهري على حسن الترتيب والنظام وإن كان من حيث المادة مختصرا، فضلا عما فيه من الخطأ والتصحيف[7].

)رابعا ) مصادر ومناهل ابن منظور في لسان العرب:

معجم لسان العرب هو أشمل معاجم اللغة العربية وأكبرها جمع ابن منظور مادته من

خمسة مصادر هي:

Ø   " تهذيب اللغة": لأبي منصور الأزهري ( ت 370هـ)

Ø   "المحكم والمحيط الأعظم في اللغة : لابن سيده (ت 458هـ)

Ø   "تاج اللغة وصحاح العربية " : للجوهري (ت 393هـ )

Ø   " التنبيه والإيضاح عما وقع في الصحاح لابن بري ( ت 582هـ)

Ø   "النهاية في غريب الحديث والأثر لعز الدين ابن الأثير ( ت 606هـ )[8]

وقد ورد في مقدمة لسان العرب كلام عن أهمية هذه المصادر:" ... ولم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة" لأبي منصور بن أحمد الأزهري، ولا أكمل من " المحكم" لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي، رحمهما الله؛ وهما من أمهات كتب اللغة على التحقيق، وما عداهما بالنسبة إليهما ثَنِيَّات للطريق ... ورأيت أبا نصر إسماعيل بن حماد الجوهري قد أحسن ترتيب ،مختصره، وشهره - بسهولة وضعه - شهرة أبي دُلَفٍ بين باديه ومختصره، فخف على الناس أمره فتناولوه، وقَرُبَ عليهم مأخذه فتداولوه وتناقلوه... فاستخرت الله سبحانه وتعالى في جمع هذا الكتاب المبارك، الذي لا يُساهم في سعة فضله ولا يُشارك. ولم أخرج فيه عما في هذه الأصول، ورتبته ترتيب "الصحاح في الأبواب والفصول... فرأيت أبا السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري قد جاء في ذلك بالنهاية، وجاوز في الجودة حد الغاية؛ غير أنه لم يضع الكلمات في محلها، ولا راعى زائد الحروف من أصلها؛ فوضعت كلا منها في مكانه، وأظهرته مع برهانه....[9]

بالإضافة إلى اعتماده على القرآن الكريم والأمثال والأشعار وغيرها كما ورد ذلك في مقدمة المعجم " وقَصَدْتُ توشيحه بجليل الأخبار وجميل الآثار ، مضافا إلى ما فيه من آيات القرآن الكريم، والكلام على معجزات الذكر الحكيم، ليتحلى بترصيع دررها عِقْدُه، ويكون على مدار الآيات والأخبار والآثار والأمثال والأشعار حَلُّهُ وَعَقْدُهُ...."[10]

(خامسا) منهج معجم اللسان:

يتحدث ابن منظور في مقدمة المعجم عن منهجه واصفا إياه بالوضوح والسهولة؛ إذ يقول: " ... فجاء هذا الكتاب بحمد الله واضح المنهج سهل السلوك، آمنا بمنة الله من أن يصبح مثل غيره وهو مطروح متروك. عَظُمَ نفعه بما اشتمل من العلوم عليه، وغني بما فيه عن غيره وافتقر غيره إليه."[11]

سبق وذكرنا بأن ابن منظور نهج منهج الجوهري في صحاحه في معرض حديثنا عن المصادر التي اعتمد عليها، ولكن الناظر في الكتابين " لسان العرب" و" صحاح الجوهري" يجد اختلافا بسيطا في مسيرة المنهج.

لقد قسم ابن منظور والجوهري كتابيهما أبوابا حسب الحرف الأخير من حروف المادة لأصله، مع مراعاة الترتيب الألفبائي المعتاد، فباب الباب للكلمات المنتهية بحرف الباء، وباب الميم للكلمات المنتهية بحرف الميم، وباب الهمزة للكلمات المنتهية بحرف الهمزة عن أصلية غير منقلبة عن واو أو ياء كالردم ، والضماً، والفيء، أما كلمتا السماء والقضاء وأمثالهما فموقعهما باب الواو والياء، وفيه جمعت المواد المنتهية بواو أو ياء سواء بقينا على حاليهما، أو تحولتا بسبب الإعلال أو الإبدال ألفا لينة أو همزة.

وفعل ابن منظور صنيع الجوهري في جمعه الكلمات الواوية واليائية الآخر في باب واحد. وفصل بين الكلمات الواوية واليائية، ثم اضطرب فكرر الحديث في المواد التي ترد واوية ويائية.

وقسمت الأبواب إلى فصول مراعاة للحرف الأول من حروف المادة الأصلية فالكلمات: برد، سعد نرد، نجده في باب الدال وفصول الباء والسين والنون على التوالي.

غير أن ابن منظور قدم فصل الهاء على فصل الواو والجوهري العكس قدم فصل الواو على فصل الهاء.

أما ترتيب مواد الفصول فيسير هجائيا حسب الحروف الثاني، فالثالث، فالرابع، إن كانت المادة ثلاثية أو رباعية أو خماسية، فالكلمات ،سجد ،سرد ،سهد كلها في باب الدال وفصل السين، والباب الأخير معقود للكلمات المنتهية بالألف اللينة غير المعروفة الأصل. وفي مبدأ كل باب يتحدث حديثا طويلا أو قصيرا حسب الاقتضاء عن الحرف المعقود له الباب[12].

(سادسا ) كيفية البحث في معجم لسان العرب من خلال المنهج:

للبحث في المعجم وجب اتباع الخلوات أو الالتزام بالملاحظات التالية:

- يجب معرفة الترتيب الهجائي الألفبائي للحروف العربية ، وهو الأكثر تداولا في معظم المعاجم العربية.

- أصل الكلمة: يجب إرجاع الكلمة إلى أصولها اللغوية وذلك من خلال اتباع الخطوات التالية:

- تجريد الكلمة من حروف الزيادة أي نأخذ منه صيغة الماضي المجرد بصيغة الغائب، مثل كلمة جامعة نرجعها إلى جمع، ويمكن اتباع طريقة بسيطة لمعرفة أصل الكلمة من خلال الوزن الصرفي لها.

- فك التضعيف في الكلمة إن وجد الحرف المضعف هو الحرف المشدد وهو عبارة عن حرفين من جنس واحد مثال استقلال أصلها قل ثم نفككها قلل.

- إعادة الحروف إلى أصلها إذا كان هناك حروف غير أصلية في الكلمة وهي حروف العلة، فيجب رد حرف العلة إلى أصله الواوي أو اليائي من خلال صيغة المضارع، مثال: رمى، الألف اللينة فيه غير أصلية وهي منقلبة عن ياء، وتبين ذلك من خلال الفعل المضارع يرمي، وإذا لم يتبين أصلها من خلال المضارع فنرجعها إلى المصدر، مثل: سعى، يسعى نرجعها إلى المصدر تصبح السعي.

- إعادة الحروف المحذوفة ونعيد الحرف الأصلي، مثل: صلة أصلها وصل، وأب أصلها أبو.

 - البحث في المعجم: نبحث عن الكلمة في الباب الأخير للجذر ، مثل: فلاحون، فلح، نبحث في باب الحاء[13] .


[1] - ابن منظور، لسان العرب". تح: عبد الله علي الكبير، ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي، دار المعارف القاهرة، مج 1 طبعة جديدة محققة ومشكولة شكلا كاملا ومذيلة بفهارس مفصلة، د. ت، ص 7.

[2] - المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي دار المسيرة عمان، الأردن، ط1، 1424هـ، 2003، ص 291      

[3] - ينظر : محمد ملياني علوم اللسان العربي وعلاقتها باللغة مجلة إنسانيات الجزائر، المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجية والعلوم الاجتماعية، ع 46 ديسمبر، 2009، ص 21

[4] - صليحة بعطوش لسان العرب لابن منظور، دراسة في الشواهد والمستويات اللغوية. مجلة إشكالات في اللغة والأدب : المركز الجامعي لتا منغست، ،الجزائر، مج ،8 ، ع ،2، 2019، ص 90، 91

[5] - ابن منظور، لسان العرب. ص 13

[6] - المصدر نفسه، ص 11.

[7] - ينظر: عز الدين إسماعيل " المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي". ص 291- 292

                                                     

[8] - ينظر : أمال بوكثير مطبوعة بيداغوجية"، في مقياس : مصادر اللغة والأدب والنقد جامعة محمد لمين دباغين : سطيف 2 ، صفحة لسان العرب لابن منظور 9 13 ماي 2019 10:16، تاريخ الاطلاع: https://Cte.univ-Setif.dz:2021/3/29

[9] - ابن منظور "لسان العرب". ص 11، 12 

[10] - ابن منظور "لسان العرب". ص 12

[11] - المصدر نفسه، ص 12.

 

[12] - ينظر : داود عبد القادر إيليغا." منهج ابن منظور في معجم لسان العرب، دراسات في المعاجم العربية. قسم اللغة العربية بكلية اللغات جامعة المدينة العالمية، شاه علم ماليزيا [د.ع) ، د.ت]، ص 1، 2.

[13] - ينظر: أمال بوكثير مطبوعة بيداغوجية"، في مفياس: مصادر اللغة والأدب والنقد . صفحة لسان العرب لابن منظور.


Modifié le: mercredi 26 avril 2023, 00:35