الدرس الثالث: نشأة التربية المقارنة و تطورها

أهداف الدرس:

1-معرفة أهم المراحل التي مرت بها التربية المقارنة في الشرق العربي الإسلامي وفي الغرب

2-أن يتعرف الطالب على ظروف نشأتها

3-أن يميز الطالب بين هذه المراحل ويستخلص أهم معايير الاختلاف

تمهيد: ان ظروف نشأة التربية المقارنة في الشرق العربي والإسلامي كانت مختلفة عنها في الغرب، فقد مرت التربية المقارنة في العالم الإسلامي بمرحلتين هما

1-مرحلة وصف نظم الحياة في البلدان :

2-مرحلة الربط بين نظم التعليم في بلدان مختلفة:

ارتبط مفهوم التربية المقارنة تاريخيا إلى عقود تاريخية قديمة قدم الاهتمام بالمجال التربوي ، و رغم عدم وجود دلائل تاريخية قاطعة إلا أن الأمر ظهر مع ظهور الكتابات الأولى عن التربية ، حينما كان قدامى المفكرين و الفلاسفة يستدلون بالشواهد الحياتية التي يصفون فيها ما كان يعيشه الآخرون و طرق تعاملهم التربوي مع أبنائهم .

و الواضح في الأمر أن المسألة بدأت مع وجود الرحالة الأوائل ، إضافة إلى انتقال الناس فيما بين المجتمعات و نقلهم لما رأوه و عايشوه .

لهذا فقد أمكننا تقسيم مراحل تطور التربية المقارنة وفقا لذلك إلى :

1. مرحلة الوصف : تمتد من عمق التاريخ القديم إلى نهاية القرن الثامن عشر ، و توصف بكونها إرهاصات للتربية المقارنة حيث اتصفت بها كتابات كل من الرحالة و المستكشفين و الأدباء و رجال الدين و الفلاسفة و العلماء ، و قد كانت في مجملها كتابات وصفية عامة لأم تصل درجة العمق أو التفصيل حيث اعتمد أصحابها على السرد القصصي لما شاهدوه من سلوكات و أفعال رأوها في تلك المناطق التي زاروها ، كما أنها لم تكن مباشرة إذ جاءت في سياق الوصف العام لأساليب حياة المجتمعات و ليس لنظم أو أساليب التعليم ذاتها .

من أبرز رواد هذه المرحلة : ابن جبير ( 1144-1218 ) بالأندلس ، ابن بطوطة (1304-1378) بالمغرب ، ابن خلدون (1332-1406) بتونس ....

2. مرحلة النقل و الاستعارة : تعتبر مرحلة بداية التاريخ العلمي للتربية المقارنة حيث انطلقت من النصف الثاني للقرن التاسع عشر عندما نشر الفرنسي مارك أنطوان جوليان كتابه ( خطة و أفكار أولية عن عمل في التربية المقارنة ) و هو أول عمل يعتبر علميا في دراسة و تأسيس التربية المقارنة حيث حدد أهدافها و طرقها ، كما أكد من خلالها على ضرورة الاهتمام بالدراسة التحليلية للتربية في الدول المختلفة بهدف تطوير نظم التعليم بها ، و رأى بموجبها أنه من الضروري أن تعتمد التربية المقارنة على أدوات البحث العلمي ، لهذا يعتبر أبا لها و هو مؤسسها كونه أول من وضع خطة شاملة لدراسة نظم التعليم و منهجها التحليلي المبني على استخدام الاستفاءات كوسيلة لجمع المعلومات عن نظم التعليم .

و بعدها توالت الكتابات و المنتوجات المعرفية في هذا المجال ( جريسكوم ، كوزان ، هوراس مان ، ماثيو إرنولد ، أوشنسكي ، هنري برنارد ، ...) و قد اتصفت الأعمال في غالبها بما يلي :

-         كانت تهدف إلى جمع المعلومات قصد إصلاح النظم التعليمية المحلية .

-         خلوها في الغالب من التحليل العلمي أو النقدي فقد ارتكزت في معظمها على النقل و الاستعارة بالدرجة الأولى .

-         كانت تنطلق من أفكار مسبقة مفادها تفضيل تلك النظم و مدحها .

-         غلب عليها الأسلوب الوصفي .

3.مرحلة القوى و العوامل : و تمتد خلال النصف الأول من القرن العشرين ، حيث شهدت هذه الفترة نشاطا تربويا كبيرا كظهور دائرة المعارف التربوية و كتابات التربويين باختلافهم مثل: بول مونرو فوستر واطسون و إسحاق كاندل ... ، كلهم أسهموا في تطوير منجات التربية المقارنة حيث اتصفت هذه الأخيرة في هذه المرحلة بالاهتمام بشرح أوجه التشابه و الاختلاف بين النظم التعليمية المختلفة و القوى

و العوامل التي تقف وراءها ، فقد كانت مرحلة تحليلية تفسيرية للعوامل الثقافية باختلافها .

و يعتبر مايكل سادلر (1861-1943) المربي الإنجليزي الرائد الأول لهذه المرحلة فقد كان يؤمن بكون أن النظم القومية للتعليم لها طابعها الخاص و لا يجوز نقلها من مكان لآخر عند دراسة نظم تعليمية أجنبية لمحاولة الاستفادة منها .

4.المرحلة التحليلة : و هي مرحلة القرن الحالي و التي انطلقت من المنتصف الثاني للقرن العشرين إلى يومنا هذا ، حيث كان لازدهار العلوم التجريبية باختلافها بعد انتهاء الحرب العامية الثانية أثره البالغ على تطور العلوم الأخرى و منها الاجتماعية بسبب توافر المعلومات للباحثين إضافة إلى التقدم التكنولوجي في وسائل جمع و تخزين و استرجاع و معالجة البيانات ، و الاستخدام الواسع للوسائل الإحصائية الحديثة ، و هو ما دعا إلى التجديد في المعالجة و المقارنة للدراسات التربوية و اانتقال بها من مجرد دراسة من الدراسات الإنسانية إلى دراسة تجريبية تخضع لأساسيات المنهج العلمي التجريبي التي تعتمد في تفسير نتائجها على الإحصائيات و المعلومات الكمية و تتجاهل ما يعتمد فيها على مجرد التفسيرات النظرية .

كما تميزت هذه المرحلة بالإدراك المتزايد لأهمية وضع الفروض في البحوث و في البحث عن تفسيرات كمية للعلاقة بين المتغيرات ، كما انتقلت من مرحلة الوصف إلى مرحلة الجمع المنظم الذي يمكن الإفادة منه في نظم التعليم ، كما تميزت هذه المرحلة كذلك بالتفسير قصد تحليل المعلومات التربوية في ضوء ظروف كل بلد و من خلال الجوانب المختلفة للمجتمع .

و من أشهر رواد هذه المرحلة بيرداي و هو احد المربين المعاصرين ذو الأصل البولندي ، كما قدم في هذه المرحلة آرثر موهلمان أعمال مهمة في مجال المقارنة حيث اعتبر أول من خطا خطوة إيجابية عن طريق المنهجية الحديثة في الدراسات التربوية المقارنة من حيث تقديمه نموذج يمكن استخدامه في دراسة و تحليل النظام التعليمي و العوامل المساهمة في تشكيله .


Last modified: Saturday, 25 October 2025, 5:37 PM