v
نماذج عن النظام الإعلامي السلطوي:أ- في أوروبا:
- انجلترا: بالرغم أن الرقابة كانت مفروضة على بعض ميادين النشر والنشاط المطبعي في انجلترا إلا أنه وبظهور الطباعة وتهديدها أكثر لمصالح الحكام قام الحكام بوضع إجراءات جديدة أكثر تعسفا.
وتتمثل هذه الإجراءات فيما يعرف بقانون الرقابة Licensing الذي وضع سنة 1661 والمعروف أن الرقابة كانت جارية المفعول قبل هذا التاريخ ولكنها كانت تشمل بعض الميادين من النشاط، فجاء هذا القانون ليفرض الرقابة على كل ما ينشر بدون استثناء، بما في ذلك مداولات البرلمان، وكان ذلك مساسا بحرية نشاط هذا المجلس، وحذف هذا القانون في 1695 نظرا للاحتجاجات الكثيرة التي وقعت ضده غير أن الصحافة بقيت تخضع للرقابة وتتعرض لعراقيل مختلفة تضعف نشاطها وتمنعها من القيام بمهمتها مما جعل الصحفيين وبعض السياسيين يقومون بكفاح مرير وشاق ضد هذه القوانين في سبيل حرية الصحافة.
- فرنسا: كانت وضعية الصحافة في فرنسا مثل وضعيتها في انجلترا وكانت تجري بها إجراءات تعسفية شديدة كالرخصة والرقابة، وفي سنة 1723 اشتد الأمر نظرا لضعف السلطة فاتخذت إجراءات أخرى قوية ووضع قانونا عاما كان يعرف بقانون " المكتبة والمطبعة " ومجموع بنوده تشكل عرقلة كبيرة أمام النشاط المطبعي بصفة عامة.
وهذا طبعا لا ينفي وجود الصحافة في فرنسا إلا أن نشاطها كان إخباريا فقط أي أن وظيفتها هي نشر الأخبار دون أن تجرا للتعليق عنها، لذلك فهي أشبه بالنشرات الرسمية، فقد كان ينظر إلى تلك الصحف من جانب النخبة المثقفة في فرنسا نظرة عدم التقدير والاحترام وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو قائلا :" ما الصحيفة ليست سوى نشرة عابرة لا فضل لها ولا إفادة فيها لا تفيد في قراءتها المهملة المحتقرة من قبل الرجال المثقفين إلا في إعطاء النساء والأغنياء غرورا فوق غرورهم ".
ولعل أكبر دليل على تعاظم وظيفة الصحافة كأداة لخدمة السلطة قول نابليون بونابارت عن صحيفة Le moniteur التي كانت لسان حاله " لقد جعلت Le moniteur قلب حكومتي وقوتها، و كذلك وسيطي لدى الرأي العام في الداخل والخارج معا، وكانت الصحيفة كلمة الأم لأنصار الحكومة ".
- روسيا (الإتحاد السوفيتي): فقد قدمت لنا الاشتراكية نموذجا آخر لتوظيف الصحافة كأداة للسلطة، فقد كان لينين ينظر إلى الصحافة وبقية وسائل الإعلام باعتبارها أداة الطبقة العاملة لتوعية وتحريض وتعبئة جماهير الثورة، كما أكد ستالين بعده أن الصحافة هي الأداة القادرة على التأثير في الجماهير، وفيما بعد أكد خروتشوف أن الصحافة وكافة وسائل الإعلام هي سلاح أيديولوجي رئيسي لمواجهة أعداء الطبقة العاملة تماما كما هو الحال في الحرب.
( لينين عام 1917 أصدر أمر بإغلاق كافة الصحف القائمة، في 10نوفمبر1918 أصدر مرسوم ينص على احتكار الدولة لجميع وسائل الإعلام والمطبوعات ).
ب- في الوطن العربي: بعد خمسينيات القرن الماضي كانت معظم الأقطار العربية قد استقلت حديثا وفي نظامها الإعلامي بعض سمات النظام الديمقراطي، فكانت النظم السياسية في هذه الأقطار تقوم على التعددية السياسية ( مصر، لبنان، سوريا، تونس، المغرب ) التي سمحت بالتعددية الصحفية والإعلامية، وما نلاحظه هنا هو ظاهرة وجدت في ظل الاحتلال واستمرت بعد الاستقلال، فعلى حين سمحت السلطات الاستعمارية ببعض الحريات للصحف فإنها بسطت السيطرة على الإذاعة والتلفزيون بعدها، وهو الأمر الذي انتهج من قبل الأنظمة الوطنية بعد الاستقلال.
6 - نقد النظرية السلطوية ( نظرية السلطة ):
إن الهدف من وراء أفكار فلسفة النظرية السلطوية، هو جعل وسائل الإعلام أداة لبناء نسق اجتماعي موحد ومثالي ومضبوط، في إطار ميثاق ثقافي محكم يجمع كل الاتجاهات في كل مجلات الحياة الاجتماعية.
غير أن التطبيقات الفعلية لهذه النظرية في أوروبا خلال القرنين 16-17 خلفت أوضاعا اقتصادية واجتماعية وسياسية غير التي كانت مرجوة، ومن هنا بدأت الرؤى النقدية توجه إلى النظرية السلطوية، ممهدة في ذلك إلى ظهور نظرية جديدة من نظريات الصحافة وهي نظرية الحرية. ومن تلك الانتقادات نذكر:
1. سيطرة الحكام على وسائل الإعلام جعلها مجرد خادم لمصالح الحاكم دون المحكوم، أي جعل وسائل الإعلام لسان حال السلطة الحاكمة ( لا فائدة اجتماعية من الإعلام ).
2. النظر إلى عامة الشعب على أنها قاصرة في اتخاذ القرارات السياسية هي نظرة إجحافية في حق المجتمع وأفراده.
3. سيطرة الحكام على وسائل الإعلام بحجة تنفيذ أنشطة الحكومة هو انفراد متشدد بالحكم وعدم إعطاء الفرصة للبقية في المشاركة في تسيير شؤون المجتمع.
4. احتكار السلطة للوسائل الإعلامية هو اعتمادها عليها كوسيلة لتغطية عجزها وضعفها في إدارة شؤون العامة.
5. احتكار المعرفة والفكر من قبل الحكام ومستشاريهم يعتبر انتهاك للحريات الفردية والجماعية. 6. الرقابة المشددة على الطبع والنشر من قبل السلطة يعتبر انتهاك للنشاط الفكري والاقتصادي.