نظرية الحتمية القيمية :
تعريفها: يقوم تعبير الحتمية القيمية في الإعلام على مصطلحات ثلاثة يوضحها الدكتور عزي على النحو الأتي: [1]
الحتمية: يقصد منها اعتبار متغير واحد هو المحرك الأساس في تفسير أو فهم أي ظاهرة والمغير الرئيس أو الأساس في هذه النظرية هو القيمة، أما الظاهرة فتخص الإعلام والاتصال، فالرسالة هي القيمة.
القيمة: هي القيمة المعنوية المنطلقة من هدي القران الكريم كمرجعية ،مما يساهم في ارتقاء بالرسالة الإعلامية، إذ يقول الدكتور عزي "أن التأثير يكون ايجابيا إذا كانت محتويات وسائل الإعلام وثيقة الصلة بالقيمة، وكلما كانت الوثائق اشد كان التأثير ايجابيا وبالمقابل يكون التأثير سلبيا إذا كانت محتويات وسائل الإعلام لا تتقيد بأية قيمة أو تتناقض مع القيمة، وكلما كان الابتعاد عن القيمة اكبر كان التأثير السلبي اكبر .[2]
الإعلام: ويقصد به في هذه النظرية الاتصال بوسائله المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة.
ومن ثم فنظرية الحتمية القيمية للدكتور عزي تركز على الدور السوسيولوجي لوسائل الإعلام وما ينبغي أن تتقيد به الممارسة من أخلاقيات وقيم تقف حاجزا في وجه التأثير السلبي للرسائل الإعلامية وخاصة في جيل الرقمنة والتكنولوجيا .[3]
- نشأة نظرية الحتمية القيمية في الإعلام ومفاتيح فهمها: [4]رغم أن جل دراساته - منذ أول دراسة كتبها عندما عاد إلى الجزائر عام 1985 تميزت استناده إلى انتمائه الحضاري ، إلا أن عبد الرحمن عزي صرح أنه بدأ فعليا تحديد مسار نظريته بتقديم النظرية الاجتماعية الغربية الحديثة وتكييفها مع الواقع الجديد وعلاقاتها بالاتصال، في كتابه: "الفكر الاجتماعي المعاصر والظاهرة الإعلامية الاتصالية: بعض الأبعاد الحضارية. أما عن تسميتها بـ: "نظرية الحتمية القيمية في الإعلام فيعود الفضل في ذلك إلى طالبه وزميله الآن في جامعة الشارقة الأستاذ الدكتور نصير بوعلي . وذلك بعد معارضتها بالحتمية التكنولوجية لمارشال ماكلوهان في دراسة مهمة قام خلالها بمقارنة قيمة بين النظريتين. ولقراءة النظرية وفهمها فهما صحيحا قدم نصير بوعلي في إحدى دراساته ما اصطلح عليه "بمفاتيح " النظرية، وتتمثل هذه المفاتيح استنادا إلى المقاربة البنيوية في:
_إن نظرية الحتمية القيمية في الإعلام كبنية تتضمن عناصر البناء التالية:
- أ علوم الإعلام والاتصال كمادة خام .
-ب الفكر الاجتماعي المعاصر في القرن العشرين كمادة مستوردة .
- ج التراث العربي الإسلامي على سبيل الاجتهاد وليس النقل كمادة محلية.
-د القرآن الكريم بمثابة الاسمنت الذي يمسك النظرية بإحكام.
افتراضات و ركائز النظرية: تنطلق النظرية من افتراض أساس يعتبر الإعلام رسالة وأهم معيار في تقييم الرسالة هو القيمة التي تنبع أساسا من المعتقد ولذلك فإن تأثير وسائل الإعلام يكون إيجابيا إذا كانت محتوياتها وثيقة الصلة بالقيم، وكلما كانت الوثائق أشد كان التأثير إيجابيا. وبالمقابل، يكون التأثير سلبيا إذا كانت المحتويات لا تتقيد بأية قيمة أو تتناقض مع القيمة، وكلما كان الابتعاد عن القيمة أكبر كان التأثير السلبي أكثر . ويعتبر مفهوم السالب والموجب من بين المفاهيم الجديدة التي قدمها عبد الرحمن عزي بالإضافة إلى المخيال الإعلامي (في مقابل الرأي العام) والزمن الإعلامي، والرأسمال الإعلامي الرمزي، والوضع والخيال "والتمعقل" (من استخدام العقل ) وفعل السمع والبصر، والبنية القيمية وغيرها . وهي بمثابة مباحث فرعية يرتكز عليها النسق الكلي وهو النظرية.
. أما أهم الركائز – المبدئية التي - تقوم عليها النظرية فتتمثل حسب عبد الرحمن عزي في:[5]
أن يكون الاتصال نابعا ومنبثقا من الأبعاد الثقافية الحضارية التي ينتمي إليها المجتمع.
أن يكون الاتصال تكامليا؛ فيتضمن الاتصال السمعي البصري، والمكتوب والشفوي الشخصي، مع التركيز على المكتوب لأنه من أسس قيام الحضارات.
أن يكون الاتصال قائما على مشاركة واعية من طرف الجمهور المستقبل لا أن يكون أحاد متسلطا.
أن يكون الاتصال دائما حاملا للقيم الثقافية والروحية التي تدفع الإنسان والمجتمع إلى الارتقاء والسمو.
الخلفية فكرية لنظرية الحتمية القيمية في الإعلام:[6] إن اهتمام الدكتور عزي عبد الرحمن بالمنظور الاجتماعي "الفلسفي" في دراسة الاتصال كظاهرة ذات أبعاد متعددة يعود إلى اهتمامه بالفكر الاجتماعي والفلسفي المعاصر،وقد ساعده هذا الفكر على استيعاب ظاهرة الاتصال بمختلف تجلياتها، كما أن احتكاكه بإتباع النظريات في أمريكا أزال عليه الغموض، فكتب عن الظاهرة الاتصالية والإعلامية انطلاقاً من بعده الحضاري وبالاستناد إلى الفكر الاجتماعي المعاصر، فقام بالبحث في التراث إلى أن جاء ميلاد هذه النظرية الاتصالية القيمية التي تتميز ثقافياً وحضارياً عن النظريات الأخرى من دون أن تلغيها بل بالعكس تساعد على فهمها فهماً صحيحاً .
[1] عبد الرحمن عزي: نظرية الحتمية القيمية في الإعلام، الدار المتوسطية للنشر، تونس ، 2011، ص 09.
[2] عزي عبد الرحمن: دراسات في نظرية الاتصال: حول فكر إعلامي متميز، سلسلة كتب المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ،2003، ص 112.
[3] عزي عبد الرحمن: دراسات في نظرية الاتصال: حول فكر إعلامي متميز،نفس المرجع ، ص 9.
[4] باديس لونيس : نظرية الحتمية القيمية في الإعلام نحو براديغم إعلامي متميز،مجلة الدراسات الإعلامية القيمية المعاصرة، العدد الرابع، المجلد الأول، 2012 ، ص ص 14/15.
[5] عبد الرحمن عزي: دراسات في نظرية الاتصال؛ نحو فكر إعلامي متميز، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، ،2003، ص ص 143/144.
[6] عبد الرحمن عزي،نصير بوعلي : حوارات أكاديمية حول "نظرية الحتمية القيمية في الإعلام" ، دار الورسم للنشر والتوزيع ، الجزائر،2010، ص 46.