نشأة نظرية تحليل الإطار الإعلامي: تجد فكرة تشكيل الأطر الإعلامية أصولها في كل من علم النفس وعلم الاجتماع التي ترى أن التعديلات التي تدخل على تعريفات الأحكام تؤدي إلى تغيير فيها، ويربط علم الاجتماع تشكيل الأطر في وسائل الإعلام بالثوابت من القيم والمعتقدات، ومن هنا كانت الفكرة الرئيسة لتشكيل الإطار الإعلامي على أنه تنظيم للأحداث وربطه بسياقات معينة ليكون للنص أو للمحتوى معنى معينا.
وتبلورت نظرية الأطر الإعلامية على يد عالم الاجتماع (Erving Goffman) عام1974 الذي طور مفهوم البناء الاجتماعي والتفاعل الرمزي من خلال مناقشته لقدرة الأفراد على تكوين مخزون من الخبرات يُحرك مدركاتهم ويحثهم على حسن استخدام خبراتهم الشخصية وذلك عن طريق أطر إعلامية مناسبة تضفي على المضمون معنى ومغزى .وحدد بدقة مصطلح
الأطر والإجراءات المتبعة في هذا النوع من التحليل، وذلك في كتابه "تحليل الأطر Analysis Framing وأشار Goffmanفي هذا الكتاب إلى أن الإطار هو "العمليات التي يقوم بها الإنسان في تصنيف وتنظيم وتفسير الواقع والتي تسهل عملية فهم المعلومات ووضع الأحداث في سياقها.[1]
ومثلت فترة الثمانينيات من القرن العشرين بداية التشكيل الحقيقي لملامح هذا المدخل النظري الجديد الذي له علاقة قوية بمفاهيم التفاعل الرمزي والواقع الاجتماعي، فقد أفادت دراسات وإسهامات Entman باحثي الأطر الإعلامية تحديداً دراستين أولاهما عام 1993 والتي أظهرت دور الأيديولوجيات وأثرها في عملية التأطير وذلك عندما قارن بين أطر حادثي سقوط طائرتي ركاب كوريا الجنوبية وإيران، وثانيهما عام 2003 حيث تناول فيها أثر أحداث 11 سبتمبر 2001 م في النظرة للحرب على الإرهاب وقدم نموذجه المعروف باسم الشلال كما تُعد جهود (Scheufele) إضافة لتطور نظرية الأطر الإعلامية خاصة دراسته عام 1999 التي أبرزت جوانب عملية التأطير كعملية موازية لعملية وضع الأجندة وخاصة جانبي وضع الإطار وبنائه.[2]
فروض النظرية:[3]
يشير "جوفمان" إلى الفرض الرئيسي لنظرية الأطر، وهو أن وضع الأحداث والقضايا في إطار من خلال تنظيم وانتقاء المعلومات المتعلقة بالحدث، وإهمال جوانب أخرى منه بطريقة معينة سيضفي عليها قدرا من الاتساق، وسيكسبها معنى ومغزى يؤثر بدوره على الأفكار التي يكونها الجمهور المستقبل عن هذا الحدث أو القضية، وبالتالي سيؤثر ذلك على كيفية إدراك الجمهور، وتقييمه ، وسلوكه نحوها وذلك في ضوء عدد من الافتراضات الفرعية تتمثل في :
1. إن صياغة الأخبار وفق اطر محددة ستؤدي إلى إدراك الجمهور المتعرض لمحتوى هذه الأخبار بطريقة تتناسب وطبيعة تلك الأطر.
2. يرتبط إدراك الإطار باتجاه المبحوثين، وانتسابهم إلى الحدث، إذ تزداد احتمالية إدراك الحدث بشكل أكثر بروزا كلما كان هذا الإطار متوافقا مع توجه المبحوث، ومدى طبيعة ارتباطه بالحدث.
3. يلعب التكرار دورا كبيرا في ترسيخ الإطار، فكلما زاد تكرار الإطار كلما كان إدراكه وفق المعنى المكرر أوضح.
4. تتوافق أجندة الأطر المقدمة مع أجندة الأطر المدركة كلما زاد مستوى الاعتماد والثقة بالوسيلة.
5. يؤثر موقع فترة تغطية الحدث على طبيعة الأطر التي يكونها الجمهور المتعرض لهذه التغطية، وقوتها، سواء قبل الحدث، أو في بدايته، أو في وسطه، أو في نهايته، أو بعد انتهائه.
6. إن الأطر المستخدمة غاليا، والمركبة، والتي يألفها المتلقي، تكون متاحة بشكل أيسر، وأسرع من الأطر التي تستخدم بشكل نادر.
7. تؤثر كل من القيود التنظيمية، ونوع الوسيلة، وسياستها التحريرية والقيم المهنية، وتوقعات الإعلاميين للجمهور، وجماعات الضغط على الأطر الفردية التي يقوم من خلالها المحرر بصياغة أطره الإخبارية .
أنواع الأطر الإعلامية: [4]
قدم العلماء عدة أنواع للأطر الإعلامية المرتبطة غالبا بتغطية الإعلام للأخبار من ذلك:
1. الإطار المحدد بقضية: حيث يتم التركيز على قضية أو حدث، جوانبه واضحة عند الجمهور لأنه حدث مرتبط بوقائع ملموسة عندئذ يركز الإطار على المدخل الشخصي أو تقديم عناصر الحدث وتداعياته (مثل أنفلونزا الطيور، الحدث، انتشاره مظاهر الإصابة، إجراءات سلوكية وطبية، أدوار المسؤولية، قصص إخبارية عن الإصابات أو صناعة الدواجن التي تضررت، البدائل المتاحة عند الحكومة والشعب..).[5]
2. الإطار العام: يرى الأحداث في سياق عام مجرد، يفسر تفسيرات عامة للوقائع، يربطها بالمعايير الثقافية والسياسية، وقد تكون ثقيلة على نفسية المتلقي، إلا أنها هامة لفهم المشكلات وتقديم الحلول والإقناع على المدى البعيد. (فحادث الرجل الذي عجز عن دفع رسوم المدرسة لأبنه، يعالج في إطار: البطالة أو الفقر الذي يهدد المجتمع، غياب التضامن الاجتماعي، مجانية التعليم التي ذهب مع الريح، هل يدفع الآباء حياتهم ثمنا لأولادهم ...وهكذا).
3. إطار الإستراتيجية: يرى الأحداث في سياقها الإستراتيجي المؤثر على شأن الدولة القومي، يتلاءم
هذا الإطار مع الأحداث السياسية والعسكرية ويركز على قيم مثل:
-مبدأ الفوز والخسارة والتقدم والتأخر والنهضة أو الانهيار.
-لغة الحروب والصراعات والتنافس الوطني والدولي.
-مبدأ النفوذ والقوة ومصادره وأشخاصه ومظاهره.
-تقديم الإنجازات الضخمة أو الإخفاقات والانتقادات الكبرى( هذا المعنى يبرز في أعقاب الفوز في الانتخابات أو بالمباريات رغم محدودية الحدث الرياضي)
4. إطار الاهتمامات الإنسانية: يرى الأحداث في سياق تأثيراتها الإنسانية والعاطفية العامة، تصاغ الرسائل في قوالب وقصص درامية ذات نزعة عاطفية مؤثرة. ( الاستشهادية التي فجرت نفسها في جيش الاحتلال الصهيوني يتم تأطيرها في سياق إنساني يدور حول: قصص قرار الاستشهاد، لحظة وداعها للأم، اللحظات الأخيرة في وداعها لخطيبها، الفتاة التي صارت نموذجا لأطفال العرب ...وهكذا)
5. إطار النتائج الاقتصادية: يضع هذا الإطار الوقائع في سياق النتائج الاقتصادية التي نتجت عن الأحداث، يشير للتأثير المتوقع على الأفراد والدول، القائمون بالاتصال يستخدمون الناتج المادي لجعل الرسالة الإعلامية أكثر فاعلية على الناس وأكثر ارتباطا بمصالحهم،( بيع إحدى شركات القطاع العام تتأطر في: علاج الخسائر المادية الحالية، تشغيل رأس المال الفردي، عدم إيجاد فرص عمل جديدة للشباب).[6]
6. إطار المسؤولية : يضع القائم بالاتصال الرسالة للإجابة عن السؤال "من المسئول عن؟" الأفراد والمؤسسات والدولة معنيون بمعرفة المسئول عن الحدث وتحديده في شخص أو قانون أو سلوك أو حكومة محددة (إنتاج أغنية هابطة قد يؤطر في : المسئول عن هذا الإسفاف؟ هل يتحكم المنتجون في إفساد الذوق الفني أين دور الدولة والقانون في حمايتنا من مثل هذا الإنتاج).
7. إطار الصراع: تقدم الأحداث في إطار تنافسي صراعي حاد، قد تتجاهل الرسائل عناصر هامة في سبيل إبراز سياق الصراع، تبرز الفساد وعدم الثقة في المسئولين، ترى الأشخاص قبل ان ترى الأحداث وترصد المصالح قبل أن ترصد الأهداف ، وتقيس الرسالة بمقياس الخاسر والرابح والمنتصر والمهزوم، وهو يبالغ الإعلاميون في جعله إطارا للأحداث( اعتذار احد مرشحي الحزب عن خوض الانتخابات، قد يؤطر في سياق صراع خطير داخل الحزب، تنافس بين الحرس القديم والجديد، التيار الإصلاحي يهزم القدامى...)
8. إطار المبادئ الأخلاقية: عرض الوقائع في سياق الأخلاقي والقيمي للمجتمع، يخاطب المعتقدات والمبادئ الراسخة عند المتلقي، القائم بالاتصال يرد الحدث ردا مباشرا لوعاء المجتمع الأخلاقي، قد يستشهد بالاقتباسات والأدلة الدينية التي تدعم سوقه للوقائع أو بالمصادر والجماعات المرجعية التي تؤكد هذا الإطار..( مظاهرات طلاب جامعة عين شمس ضد الرسومات الكاريكاترية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قد يضعها الإعلاميون في إطار: حمية الشباب المشروعة للدفاع عن دين المجتمع.)
[1] نسرين حسونة، نظريات الإعلام والاتصال، شبكة الألوكة، كتاب منشور PDF ص19 على الرابط: www.alukah.net/books/files/book_6269/bookfile/ealam.pdf
[2] نسرين حسونة، نظريات الإعلام والاتصال، شبكة الألوكة، نفس المرجع السابق.
[3] مؤمن جبر، مروى عبد اللطيف: تطبيقات نظريات الاتصال الجماهيري،ط 1، المكتب المصري للتوزيع، القاهرة، 2016، ص ص 220/222.
[4] عكاشة: تأثيرات الإعلام، نظريات ونماذج الاتصال في مجال المنصات الرقمية، كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، مصر، ص ص 108/110
[6] رضا عكاشة: تأثيرات الإعلام، نظريات ونماذج الاتصال في مجال المنصات الرقمية، مرجع سبق ذكره. ص ص 108/110.