لآثار الاجتماعیة لتعاطي المخد ا رت

یعدّ تعاطي المخد ا رت مرضٌ اجتماعي، یذل الفرد ویحطمه، ویؤثر على نفسیته، وینعكس

على شخصیته، فیمحوا منه الفضیلة، ویدفعه إلى الرذیلة، ویقود الشخص إلى التبلد

واللامبالاة مما یفقده الشعور بالمسئولیة، ویبعده عن واقع الحیاة، یبدو دائماً خائر القوى، دائم

الجلوس قلیل الحركة، لا یقوى على العمل، ولا یعرف معنى الكفاح، ینتهي به الحال إلى

الإقامة بأحد المستشفیات لعلاج مرض عضوي مزمن، لا شفاء منه، أو بمستشفى الأم ا رض

العقلیة إلى أن تنتهي حیاته.

تشیرُ معظم الد ا رسات والبحوث ( 1) التي أجریت على كافة أنواع المخد ا رت وفي

مختلف المجتمعات أن تعاطي المخد ا رت له آثارٌ سلبیة على الفرد وفي علاقته مع غیره من

الأف ا رد في المجتمع، وعلى إنتاجیته سواء كان عاملاً أو طالباً، لما یط أ ر علیه من تغیی ا رتٍ

كنتیجة مباشرة للتعاطي.

. -1 سعد العربي: المرجع السابق ، ص 52

17

تؤدي المخد ا رت إلى نتائج سیئة للفرد سواء بالنسبة لعمله أو إ ا ردته أو وضعه الاجتماعي

وثقة الناس به، فتجعل منه إنساناً كسولاً ذو تفكیرٍ سطحي، بهمل في أداء واجباته، ولا یبالي

بمسؤولیاته، وینفعلُ بسرعةٍ ولأسباب تافهةٍ، وذو أمزجةٍ منحرفة في تعاملهم مع الناس.

تدفع المخد ا رت الفرد المتعاطي إلى عدم القیام بمهنته، والافتقار إلى الكفایة والحماس

والإ ا ردة لتحقیق واجباته مما یدفع المسؤولین عنه بالعمل إلى طرده من عمله وتغریمه

إلى ( Wolf ) غ ا رماتٍ مادیة تتسببُ في اختلالِ دخله. وفي هذا المجال أشار العالم وولف

الأثر الاجتماعي للإدمان في تجربته مع ثلاثة من الأطباء العقلین في مدینة ( رسیف )

بالب ا رزیل، على عددٍ من متعاطي المخد ا رت، وقد تبین أن هؤلاء المدمنین كانوا موضع ثقةٍ

وانهارت، وقد تأثرت أخلاقهم وكفاءتهم الإنتاجیة، وانهارت علاقاتهم بزملائهم، بسبب

المخدر، وتحولوا إلى أشخاصٍ یفتقرون إلى الطاقة المهنیة، والحماس والإ ا ردة، بالإضافة إلى

الإهمال الواضح في مظهرهم ومشاعرهم العدائیة تجاه الابن یؤدي تعاطي المخد ا رت إلى

هبوط مستوى أخلاق متعاطیها، فیؤدي بهم إلى حبِ الذات، وعدم الشعور بالمسؤولیة،

والاستهتار بالواجب، وضعف الإ ا ردة، وٕاهمال الواجبات العائلیة، والتنكر لمبادئ الأمانة

والشرف.

یسبب الإدمان على المخد ا رت للمدمن نقائص وعاهاتٍ جسیمة، وعقلیة، وخلقیة، تتنقل

غالباً إلى ذریته، فالإدمان له أثرٌ في سعادة الفرد والأسرة وشقائها، وكذلك له ارتباطٌ وثیق

بالإج ا رم، فجریمة ما قد تكون نتیجة لتهیج حادث من تعاطي المخد ا رت، أو أضطربٌ عقلي

متسبب عن الإدمان المزمن، أو حادث من حالة الفقر التي سببها الإدمان، أو للرغبة

في الحصولِ على المخدر بطریقٍ غیر مشروع. إن متعاطي المخد ا رت یعطون المثل السیئ

لأف ا رد أسرتهم فهم غالباً ما ینساقون و ا رء نزواتهم وغ ا رئزهم الأولیة التي تحكمها الإ ا ردة أو

الظروف العادیة، وذلك لانعدام قدرتهم على السیطرة علیها وعلى الدوافع الكامنة في أنفسهم.

یؤدي تعاطي المخد ا رت من قبل أحد أف ا رد الأسرة إلى زعزعة البنیة الاجتماعیة للأسرة،

وت ا رجع أطر التفاعل الاجتماعي البنّاء بین أعضائها، تختلف أبعاد تلك الآثار ونتائجها

باختلاف عضویة الفرد المتعاطي داخل الأسرة كالأب أو الأم أو أحد الأبناء، وكذلك نوعیة

مادة المخدر الذي یجري تعاطیه، ومستوى التعاطي وفترته الزمنیة.

18

یمثل تعاطي المخد ا رت عبئاً اقتصادیا شدیداً على دخل الأسرة، فتسوء حالتها المعیشیة من

جمیع النواحي، وقد یؤدي ذلك إلى انح ا رف بعض أف ا رد الأسرة، ویكون الوالد في هذه الحالة

نموذجاً سیئاً لأسرته، سواء من ناحیة أخلاقه، أو علاقاته المشبوهة بالمدمنین ذوي الأخلاق

الشاذة، إضافةً إلى انزلاق أحد أف ا رد الأسرة إلى نفس الهاویة التي انحدر إلیها ربّ الأسرة،

وهي الإدمان خاصةً الأطفال الذین ینشأ لدیهم شعور بعدم المسؤولیة وتقدیر الواجب حیال

أسرهم بل حیال المجتمع.

لا یقتصر تعاطي المخد ا رت على التشوه المادي للأسرة فحسب، بل یؤدي إلى تفكك الروابط

الأسریة، وزیادة المشاكل بین الزوجین والتي تنتهي بالأسرة إلى الدمار والخ ا رب. بمعنى آخر

فإن المتعاطي مثلما یتأثر بالبیئة المحیطة به، فأنه یؤثر فیها أیضاً، وتتغیر حالته الصحیة

والعقلیة إلى الأسوأ، ولا یكون في حالة صحیة أو عقلیة تسمح له أن یرعى أبناءه، ویعجز

عن تنشئتهم التنشئة السلیمة.

كما تنعكس حالات تعاطي المخد ا رت من قبل أحد أف ا رد الأسرة على علاقاتهم الاجتماعیة،

حیثُ یسودها تحدیدٌ للتفاعل الاجتماعي معهم، ونفور منهم، ونبذ لهم، ومحایدة الاختلاط بهم

من قبل الأقارب والجی ا رن والأصدقاء، بسبب سمعتهم السیئة لتعاملهم مع المخدر وما یفرزه

من أنماط سلوكیة سلبیة، فضلاً على نظرة المجتمع المحلي إلى زمرة المتعاطین فهي تختلفُ

من فردٍ لأخر كأن ینظر إلى المتعاطي على أنه مریضٌ معدي بحاجة للعلاج، أو إنسان شاذ

یمكن أن یتوب، أو أنه أنموذجٌ اجتماعيٌ سيء، أو أنه مصدر سوء ورفیق سوء، أو أنه

إنسانٌ ملوث یجب أن ینبذ.

إن تعاطي المخد ا رت وٕادمانها یمثل مشكلةً اجتماعیة خطیرة باتت تهدد آمن المجتمع

وسلامته، بل أصبحت خط ا رً داهماً یجتاحُ الإنسانیة جمعاء، وتنعكس آثارها على المجتمع

من مختلف النواحي السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والصحیة. یمكن تحدید الآثار

الاجتماعیة للمخد ا رت على المجتمع في المسائل التالیة :

- انتشار الجریمة والانح ا رف: یعد إدمان المخد ا رت من الموضوعات التي ترتبط بالسلوك

الإج ا رمي، وذلك من ناحیتین، الناحیة الأولى، أنه جریمة في حد ذاته یعاقب علیها القانون،

19

ومن ناحیةً أخرى أوضح عدد لا بأس به من البحوث والإحصاءات أن هناك علاقة بین

تعاطي المخد ا رت والأفعال التي یجرمها القان ون، كج ا رئم القتل والاغتصاب والسرقة والتشرد

والزنا واللواط وكافة الممارسات الجنسیة من الاعتداء على المحارم. وبذلك یمكن القول أن

الج ا رئم الناجمة عن المخد ا رت هي ج ا رئم مركبة تنشئ مضاعفات إج ا رمیة خطیرة على

المجتمع.

إن انعدام دخل المتعاطي نتیجة لبطالته وعجزه عن سد احتیاجاته، فإن النتیجة الحتمیة لذلك

أن یتعرض المتعاطي لارتكاب الجریمة في بعض أشكالها وصورها كالنصب أو الاحتیال أو

خیانة الأمانة، وفي هذه الحالة من الضروري أن یتعرض أصحابها للتدهور الخُلقي،

والاجتماعي، والتفكك الأسري، كالزنا، والطلاق، وتعدد الزوجات، وٕاهمال الأبناء، وتعاطي

المزید من المواد النفسیة الأخرى كالكحولیات.

- الانحدار الخُلقي والاجتماعي: بالرغم من أن المخدر یعتبر نتیجة للتدهور الأخلاقي، إلا

أنه في نفس الوقت یعتبر سبباً لهذا التدهور في القیم، وذلك نتیجة لعدم القبول الاجتماعي

للمتعاطي كسلوكٍ غیر محترم في بعض الأوساط الاجتماعیة، فالمتعاطي یضطر إلى ارتیاد

الأماكن والأوساط السیئة حتى یتوفر له المخدر، ومن ثم یحتفظ بذوي السلوك السيء والسیرة

الشائبة.

- العداوة والبغضاء بین الناس: إن تعاطي المخد ا رت یعدّ سبباً مباش ا رً لوقوع العداوة

والبغضاء بین الناس حتى الأصدقاء منهم، لأن المدمن حینما یسكر ویفقدُ العقل الذي یمنع

من الأقوال والأفعال التي تسئ إلى الناس، یستولي علیه حب الفخرِ الكاذب والكبرِ،ویسرع

إلیه الغضبُ بالباطل مما یدفعُ إلى ألوانٍ من البغضاء والعداوة بین المتعاطي وعامة الناس،

فینشأ القتلُ وٕافشاء الإس ا ررُ وهتك الإع ا رض، وهذه أسقامٌ اجتماعیة تؤذي المجتمع .

- اعتلال صحة المتعاطي: إن اعتلال صحة المتعاطي الناجم عن المخد ا رت یؤثر في

المجتمع لأن الفرد لیس بمعزلٍ عن مجتمعه، بل هو جزءٌ منه یؤثر فیه ویتأثر به. حیثُ أن

تعاطي المخد ا رت والحشیش تؤدي إلى سیادة الإم ا رض الاجتماعیة في المجتمعات، مثل

السلبیة، والتواكل، والانتهازیة وتعطیل أمور الناس في الدوائر العامة والخاصة، وهذا من

شأنه أن یؤثر على تقدم المجتمع ونمو

Modifié le: mercredi 30 avril 2025, 21:10