المسرح في فترة الاحتلال
المسرح:
ظهر المسرح في الجزائر في منتصف العشرينيات، لكن كانت له بدايات اولى متواضعة بدائية تمثلت في مسرحيات الكراكوز وخيال الظل (المسرح الصيني) او المسرح التقليدي، حيث عرفته الجزائر قبل دخول العثمانيين وقد استمرت هذه العروض تقدم حتى القرن 19 حيث أشار العديد من الرحالة إلى وجودها مثل بوكلر ميسكان (-PUKLER MUSKAN الذي، حسب أرليت، شاهد عروض الكراكوز بالجزائر العاصمة سنة 1835 والتي استمرت إلى غاية منعها من قبل الإدارة الاستعمارية التي اعتبرتها عاملا محرضا على الثورة.
هذا بالاضافة الى الأشكال التمثيلية الشعبية التي يزخر بها التراث الجزائري والتي مهدت «لظهور الممثل وولادة المسرح الحقيقي» ،والمتمثلة في الاحتفالات الدينية والاجتماعية، والحركات الخارقة لعيساوة، والطواف والوقوف عند مقابر الأولياء، والاحتفالات المرتبطة بيوم عاشوراء التي كانت تصاحب بعرض تمثيلي.
إضافة إلى ذلك نجد المداح الذي كان يجوب الأسواق، والرواية والحلقة، الاحتفالات المرتبطة بالمناسبات الفصلية الفلاحية التي كانت تقام على طول شهور السنة . كالتويزة والأم تانونجا.
العوامل المساعدة على ظهور المسرح الجزائري:
هذه العوامل يمكن ترتيبها حسب أهميتها كمايلي:
أ- زيارة الفرق المسرحية العربية عرفت الجزائر انطلاقا من مطلع القرن العشرين توافد وزيارة مجموعة من الفرق المسرحية العربية من أكثرها تأثيرا على مسار تطور المسرح الجزائري نذكر: فرقة القرداحي التي زارت كلا من تونس والجزائر سنة 1908.
ب- فرقة التمثيل المصري لجورج أبيض قام الفنان اللبناني˻ جورج أبيض بجولة عبر البلاد العربية مع فرقته، فزار ليبيا وتونس ثم الجزائر سنة 1921 ،وقدم عدة عروض مسرحية بقاعة المسرح الجديد بالجزائر العاصمة هي: «ثارات العرب»، «صلاح الدين الايوبي،لنجيب حداد، و»مجنون ليلى»، وقد امتد نشاط . الفرقة ليشمل تلمسان و قسنطينة، حيث قدم فيها عروضا مماثلة.
رغم أن عروض جورج أبيض لم تستطع استقطاب جمهور كبير˼، لكن كان لها تأثير مباشر على تطور المسرح الجزائري، حيث أنه في نفس السنة سيبادر مجموعة من المثقفين والطلبة الجزائريين بتأسيس «جمعية الآداب والتمثيل العربي «المعروفة بالمهذبة، في 05/04/1921 والتي ستقدم، برآسة الطاهر علي الشريف، عدة مسرحيات، «الشفاء بعد العناء» سنة 1921 ثم مسرحية «بديع» سنة 1924.
ت- ثم ظهرت العديد من الفرق فرقة عز الدين المصرية (قدمت عروضا في الجزائر سنة 1922)، فرقة فاطمة الراشدي (1932)....
§ انعكاسات المسرح الفرنسي:
لقد تأثر الجزائريون بالمسرح الفرنسي، واستلهموا من روائعه العديد من المسرحيات الكوميدية ،ذلك أن الإدارة الاستعمارية اهتمت بالمسرح لرغبتها في الترفيه عن عساكرها المتذمرين من المقاومات الشديدة، التي واجههم بها الشعب الجزائري، لهذا قامت بخلق فرق مسرحية للجيش الفرنسي داخل الثكنات، وفي أماكن تواجد المعمرين الأوروبي˾، وذلك مراعاة لطريقة نابليون في هذا المجال ،حيث قامت بإنشاء مسرح بلدي في كل مدينة تقريبا، فكان للعاصمة مسرحها ، إذ أصدر لويس نابليون مرسوما، سيشيد بمقتضاه بناء مسرحيا رائعا خلال أعوام (1850-1853 ،وكان أول عرض مسرحي يقدم فيه دراما عنوانها «الجزائر ما بين 1830- 1853 ،وكذلك الشأن بالنسبة لمدينة وهران، حيث سيتسلم مجلسها البلدي مسرح المدينة 1907 سنة.
كيف أثر المسرح الفرنسي في الجزائري˾؟ لقد تم هذا التأثير إما عن طريق تردد بعضهم على المسارح الفرنسية ومتابعة مختلف العروض المسرحية، ،أو عن طريق الفرنسيين الذين كانوا يأخذون بعض الجزائريين معهم إلى المسرح ليعرفوا رد أفعالهم، أو ليؤثروا عليهم أو كمدعوين رسميين .إضافة إلى ذلك فإن بعض الجزائري˾ قد عرفوا المسرح الفرنسي، واطلعوا عليه، وقرءوا بعض المسرحيات سواء في المدارس الفرنسية أو في المكتبات العامة .
جـ- ظهور مجموعة من الجمعيات والنوادي لعبت الجمعيات و النوادي دورا هاما في ظهور النشاط المسرحي بالجزائر و من بينها نذكر: - جمعية المطربية للموسيقى تأسست سنة 1911 برئاسة إدمونذ يافيل و كانت خلال سهراتها الفنية تدرج تمثيلات قصيرة، أو اسكتشات كوصلات، وخاصة في شهر رمضان.
- الجمعية الودادية للتلاميذ المسلمين في إفريقيا الشمالية: جعلت، منذ تأسيسها سنة 1918 ،من المسرح وسيلة للترفيه عن الطلبة من جهة، وطرح القضايا ذات البعد الوطني من جهة ثانية.
- جمعية الآداب والتمثيل العربي: كانت تعرف بالمهذبة، تأسست على يد الطاهر علي الشريف في 05/04/1921 ،وقدمت ثلاث مسرحيات: «الشفاء بعد العناء»سنة 1921» ،خديعة الغرام» سنة 1923 ،وذلك بالجزائر 58 العاصمة، ثم مسرحية «بديع» في سنة 1924.
- جمعية العلماء المسلمين: اهتمت هذه الجمعية بالمسرح منذ تأسيسها في ماي 1931 ،وجعلت منه وسيلة لتمرير رسالتها ونشر تعاليمها، لهذا عملت على تحفيز الكتاب، الأعضاء في الجمعية، على الاهتمام بالكتابة المسرحية، أمثال أحمد توفيق المدني، ومحمد العيد آل خليفة واحمد رضا حوحو ،
- كما أن مدراء ومعلمي المدارس الحرة التابعة لها، كانوا يثابرون في كتابة المسرحيات وتمثيلها وذلك بمناسبة الحفلات التي كانت تنظم عند انتهاء السنة الدراسية، أو بمناسبة المولد النبوي.
- ومدرسة دار الحديث بتلمسان ومديرها آنذاك محمد الصالح رمضان،نموذج في غزارة الإبداع . المسرحي،
- إضافة إلى ذلك نجد جمعيات ونوادي أخرى عديدة مثل «نادي السعادة» بتلمسان والذي قدم مسرحية «فتح الأندلس» ، وجمعية «إخوان الأدب» في وهران برئآسة محمد سعيد الزاهري.. الخ
المسرح الجزائري: النشأة الاولى
من المحاولات المسرحية التي سجلها لنا التاريخ في القرن العشرين، تلك المرتبطة بنشاط الأمير خالد ،حيث ستسمح له فرصة حضور حفل تكريم خريجي كونسرفاتوار باريس سنة 1910 ، من أجل أن يطلب من جورج أبيض أن يبعث له ببعض المسرحيات باللغة العربية. وفعلا بعد رجوعه إلى مصر، بعث له مسرحية «ما كبث» لشكسبير و»المروءة والوفاء» لخليل اليازجي سنة 1876 ،ثم «شهيد بيروت» لشاعر النيل، حافظ إبراهيم. سلم الأمير خالد المسرحيات إلى ثلاث جمعيات سبق له أن أسسها بكل من الجزائر العاصمة والبليدة والمدية .
توسعت حركة التمثيل المسرحي لتشمل مدينة تلمسان، حيث قدمت «جمعية البركانية» مسرحية «براد السم» سنة 1913 ،ثم مدينة المدية التي ستقدم جمعيتها مسرحيتان، «مقتل الحسين» سنة 1913 ،والتي حضرها الشيخ محمد بن شنب، والمفتي حميد فخار، والأمير خالد، ثم مسرحية «يعقوب اليهودي» سنة 1914 ،لتمتد بعد ذلك إلى مدن أخرى من الجزائر.
لكن رغم هذه البداية المتعثرة للمسرح الجزائري وضعف تأثيرها على السكان، فإنها لم تعمر طويلا، إذ ستتوقف باندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 ،ولن يستعيد نشاطه إلا بعد نهايتها، حيث ستنتعش الحركة الثقافية والفكرية في الجزائر من جديد، في بداية العشرينات من القرن الماضي، في إطار النهضة التي عرفتها آنذاك، وظهور هياكل جديدة للتوزيع الثقافي وخاصة الصحافة، إضافة إلى ذلك، ازدهار حركة التأليف الادبي والفكري، سواء باللغة العربية أو باللغة الفرنسية ،و ظهور إمكانية إعادة بناء وهيكلة الحقل الثقافي الذي تضرر كثيرا من السياسة الاستعمارية، حيث «تسبب القمع الاستعماري للانتفاضات الريفية في تصفية جل الكوادر الاجتماعية والثقافية وسادت الأمية وتفشى الجهل في كل مكان....” .
لقد سمحت هذه الظروف للمسرح الجزائري باستئناف نشاطه من جديد على يد الطاهر على الشريف، مؤسس جمعية الآداب والتمثيل العربي ،والذي سيقدم ثلاث مسرحيات باللغة العربية جعلت بوجادي علاوة يعتبره «المؤسس الحقيقي للمسرح كفعل ثقافي وفني منظم،ثم محمد رضا منصالي (1889-1943 (الذي سيقدم مسرحيتين، الأولى بعنوان «في سبيل الوطن» في 22/12/1922 ، والثانية بعنوان «فتح الأندلس».
أن المسرح الجزائري نشأ في أحضان الحركة الوطنية الجزائرية و تشبع بقيمها و تأثر بها ، اذ تم استعماله كوسيلة كفاح و نضال ضد الاستعمار الفرنسي في إطار المقاومة الثقافية ، و جبهة التحرير الوطني كانت لها فرقة مسرحية قدمت عروضا في مختلف الدول و ذلك للتعريف بالقضية الجزائرية و حشد الدعم لها .