مراحل تطور التواصل الحضاري للإنسان في نظر إينيس وماكلوهان:[1]
الاتصال الشفهي: ساد المرحلة القبلية حيث كانت العاطفة هي التي تقود الإنسان اعتمادا على الإلهام البدائي أو الخوف، فاعتمد فيها على حواسه وكانت حاسة السمع هي المسيطرة.
الاتصال السطري: حيث بدأت الحضارة بظهور الكتابة، فحلت العين مكان الأذن كوسيلة للحس يكتسب بفضلها الفرد معلوماته، ومع اختراع جوتنبرغ للطباعة في القرن 15م كواحدة من أكثر الابتكارات التكنولوجية تأثيرا في الإنسان، توسع مجال الكتابة في إطار المطبوع، فخلص المطبوع الإنسان من قبليته، بالتعلم والاعتماد على الذات وتكوين وجهات النظر الشخصية، ويؤكد ماكلوهان في كتابه (مجرة جوتنبرغ) أن اختراع الطباعة بالحروف المتحركة ساعد على تشكيل ثقافة أوروبا الغربية في الفترة ما بين 1500 إلى 1900، حيث شجع إنتاج المواد المطبوعة على انتشار القومية كونه سمح بانتشار كبير وسريع للمعلومات أكثر من المكتوب باليد، فهذه الثورة التكنولوجية –اختراع الطباعة_ فصلت القلب على العقل والعلوم عن الفنون، مما أدى إلى سيطرة التكنولوجيا والمنطق السطري .
الاتصال الشفهي مرة أخرى: وذلك بفضل انتشار استعمال التلفزيون والسينما والعقول الالكترونية بشكل خاص، والتي تشكل بدورها الحضارة في القرن العشرين، حتى أطلق ماكلوهان على هذا العصر عصر (الدوائر الالكترونية)، فبينما عمل المطبوع على تحطيم وتقسيم المجتمع إلى فئات، تعمل وسائل الإعلام الالكترونية على إرجاع الناس مرة أخرى للوحدة القبلية وتجعلهم يقتربون مرة أخرى من بعضهم البعض، وأصبح الناس يحصلون على معلوماتهم أساسا بالاستماع إليهم، فعادت حاسة السمع مرة أخرى إلى السيطرة.
إن هذا التطور لعملية التواصل الحضاري للإنسان، ما هو في حقيقة الأمر إلا انعكاس لمراحل التطور التاريخي لوسائل الاتصال:[2]
1. المرحلة الشفوية (مرحلة ما قبل التعلم أو المرحلة القبلية)
2. مرحلة الكتابة (ظهرت بعد هوميروس في اليونان القديمة واستمرت ألفي عام)
3. مرحلة الطباعة (استمرت من سنة 1500 إلى سنة 1900 تقريبا)
4. مرحلة وسائل الإعلام الالكترونية (من سنة 1900 تقريبا حتى السبعينات من القرن الماضي)
الانتقادات الموجهة للنظرية:
إن القول بان التغييرات الاجتماعية تحدث نتاج تأثرها بالعامل التكنولوجي وحده، يعتبر تجاهلا للعوامل الأخرى التي تؤثر في المتغير حيث أن الكثير من التغيرات الاجتماعية تحدث دون تغيرات تكنولوجية.
وفي الإجابة عن السؤال الذي طرح حول إمكانية اعتبار التغير التكنولوجي حتميا لا مفر منه؟ أجاب ماكلوهان عن ذلك بقوله انه: بمعرفة كيف تشكل التكنولوجيا البيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماما على نفوذها أو قدرتها الحتمية وبفهم عناصر التغير يمكن توجيهه واستثماره للأفضل بدلا من الوقوف في وجهه.
بينما استند البروفسور برنو لاتور في رده عن الافتراض الرئيسي للنظرية إلى مبدأ الفصل بين الأشياء ،والناس وضرورة التمييز بين أنظمة الكائن الإنساني ووعيه عن الوسائل المادية التي يصنعها مهما بلغت درجة قوتها، فالحتمية حسبه تتجاهل الإنسان باعتباره العنصر الفاعل في التغير ويستشهد في ذلك بالحركات الاجتماعية والثورات الفكرية التي عرفها التاريخ البشري .[3]
ويؤكد ريتشارد بلاك بان عبارة القرية الكونية التي فدمها ماكلوهان أصبحت غير صالحة للتوظيف ذلك أنها لم تعد موجودة، حيث أن العالم استمر في المزيد من التطور والتسارع إلى حد أدى إلى تحطيم هذه القرية العالمية وتحويلها إلى ذرات وشظايا متناثرة ومنعزلة.
وفي الأخير يقول محمد الفاتح، إن نظرية الحتمية التكنولوجية تصنف من أهم النظريات الاتصالية في الوقت الراهن وان كل الدراسات الغربية وحتى العربية انطلقت من أفكار ماكلوهان دون مراعاة للاختلاف في الانتماء الحضاري، حيث تم تقديس هذه النظرية وغلق باب الاجتهاد والتنظير الاتصالية والإعلامية في المجتمعات العربية والإسلامية، ويدعوا بذلك إلى تبني المقاربة المحلية لنفس النظرية الحتمية القيمية للمفكر الجزائري عبد الرحمن عزي كبديل يتلاءم في رأيه مع خصوصية المجتمع العربي والإسلامي .
[1] سويقات لبنى، عبد الإله عبد القادر: الحتمية التكنولوجية :مدخل نظري لدراسة استعمالات الإعلام الالكتروني ، مجلة الواحات للبحوث والدراسات، المجلد 9، العدد 2، 2016، ص ص 880/881.
[2] فضيل دليو: التكنولوجيا الجديدة للإعلام والاتصال، مرجع سبق ذكره، ص 60.
[3] بوسعيد رندا: التغيير الاجتماعي والحتمية التكنولوجية لوسائل الإعلام، قراءة في نظرية مارشال ماكلوهان ،مجلة سوسيولوجيا، جامعة زيان عاشور الجلفة، المجلد 1، العدد، 1، 2017 ، ص ص 49/50.